05/02/2011 - 11:16

هل هذه مصر أم ماذا؟../ نصري الصايغ

لا ثورة كهذه الثورة أبداً العالم ينظر إلى ما يدهشه ويتساءل: هل هذه هي مصر؟ طبعاً... هذه هي مصر... والآتي أجمل شكراً بوعزيزي

هل هذه مصر أم ماذا؟../ نصري الصايغ

هذه ثورة لا شبيه لها في التاريخ.
هذه أعنف ثورة بيضاء، على مر الأزمنة.
هذه ثورة ستغير وجه التاريخ.

بل، هذه ثورة، سيتم تدريسها والاقتداء بها والتعلم منها، لأنها لا تشبه الثورة الفرنسية الدامية والمتوحشة، ولا تشبه الثورة البولشفية الإلغائية والاستبدادية، ولا تشبه الثورات في أوروبا، على امتداد تعصبها، ولا الثورات في أميركا اللاتينية بنسخها المعبأة بالعنف، ولا تشبه حتماً، أي "ثورة" عربية، بأطقم عسكرية.

إنها الثورة النموذج. ثورة شعب، بطبقاته كافة، العليا والوسطى والدنيا، البورجوازية والبروليتارية وما دون. وهي الثورة التي نبتت من دون قيادة. إذ ولّى زمن القائد الذي يقول والجماهير التي تسير خلفه. ولّى زمن الحزب الذي يتقدم والجماهير تتبعه. ولى زمن الثورات التي تدبَّر في الخفاء وترى النور بعنف. ولى زمن كان فيه العسكر يتنطح لقيادة الأمة، فيأخذها إلى حتفها. هذه ثورة علنية، تم التداول فيها علنيا. ولأنها بواسطة "الفايسبوك" اشترك الجميع بصنعها.

فالشعب حتما هنا، هو القائد، لا نخبه المثقفة والمتفلسفة والانتهازية. الشعب بما يملكه من تفوّق في القول السليم، والتعبير ببسيط اللغة، وما يؤمن به من قيم، انتزع القيادة وقال للجميع: الأمر لي. وعلى خطاه سارت أحزاب ونخب وهيئات ومنظمات ووسائط أعلام. وعلى صوته، ارتعدت مفاصل السلطة.

هذه ثورة بنت ذاتها. قررت أن تكون باسلة ونهائية. تسير بخط مستقيم، ببراءة الحلم، وعنف الولادة، لتحقيق التغيير الحاسم، بقيم النهضة العربية، التي حملها رواد النهضة الأوائل في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

هذه ثورة غير مقيّدة بعقيدة، غير مسجلة في دين أو مذهب، غير محسوبة على حزب أو قائد. هي من رحم ثري وخصب، هو رحم الأمة، كل الأمة.

جاءت بشبابها، وكانوا بصدور عارية، وأقدام ثابتة، وجباه مرتفعة، وقبضات ملوّحة، وأصوات مجلجلة، وحناجر مدوية، وقيم سامية، وأفكار سياسية بديهية تقول: نريد وطناً ومواطنين أحرارا. نريد نظاماً ديموقراطياً. نريد دستوراً ضامنا للحريات ومصالح المواطنين والدولة. نريد وطنا نشعر بأننا أسياده، لنخدمه بما أوتينا من عقل وفعل وإبداع. نريد أن نطلّق الظلم والاستبداد، بلا رجعة. نريد أن نخلع المستبد والظالم والسارق والبلطجي... نريد ذلك كله، ولن نصفع أحداً بيد. نريد كل هذا، بدون ضربة كف. نريد ان نقول: مصر، أم الدنيا، وقد جعلتموها على مدى عقود، يتيمة من شعبها. نريد أن تكون مصر، لشعبها وليس لحكامها، بكل طاقة السلم التي تمتلكها، ولو وقف البلطجية إزاءها.

كأن هذه الثورة النقية، من صنع بشر تطهروا بفكرهم من رواسب الماضي، ومن رواسب الأنظمة الاستبدادية. لم يكن شبانها النسخة الرديئة التي يولدها رد الفعل على الظلم والعنف، بظلم أشد وعنف أعتى. تعاملوا مع البلطجية وخدم النظام وكلاب الحراسة، كأنهم جاؤوا للتو من معاهد حقوق الإنسان. كأنهم تخرجوا من أكاديمية الملائكة، او كأنهم راهنوا على أن من يتمسك بالقيم والمبادئ والحرية، لا يحتكرها على جماعته، بل يعممها على خصومه.

أي نبل في هذه الثورة؟
نحن العرب، تعلّمنا أن مقاومة الاحتلال والاستيطان تكون بالعنف والسلاح. وها نحن نتعلم، أن مقاومة الاستبداد الداخلي والطغيان، تكون بقوة الشعب السلمية، وهي القوة الأقوى من السلاح وترسانات النظام ودبابات جيوشه، وأمنه الوحشي المفترس.

هل هذا كل شيء؟
ما زلنا في أول الأمثولة. إنما، على أوروبا أن تتعلم أيضاً. هذه ثورة لم تصل أوروبا، في أوج رقيها النظري، إلى أن تشهد مثلها. هذه ثورة يليق بأوروبا أن تضعها في مصاف "حيازة جائزة نوبل للسلام". وكل جائزة لسواها، مطعون بإنسانيتها وأخلاقها وقيمها.

هذه ثورة أفزعت إسرائيل، وهي بكامل لياقتها السلمية. لأن إسرائيل، كانت قد استبدلت شعار "السلام يُصنع مع الأعداء"، بشعار "السلام يُصنع مع الاستبداد" (موشي ارينز). أقامت سلاماً بهدف أن يرى الاستبداد العربي مسألتين: عدم مطالبتها ببوصة أرض، أولا، وحراسة أمن إسرائيل المطلق، أي قولاً وفعلاً. ولقد كان حسني مبارك حارساً أمنياً لأمن إسرائيل، ولو مات أهل غزة بنيران رصاصها المصهور، ورمت بثقلها الكامل، لمحاربة المقاومة ومحاصرتها، من غزة إلى الضفة إلى لبنان.

إسرائيل خائفة، لأن النظام القادم إلى مصر، إذا كان نتاج هذه الثورة الشعبية، فسيكون خطراً عليها. إذ، تستطيع أميركا وإسرائيل، أن تجيّرا حاكما لصالحهما، ونظاماً لمصلحتهما، ونخباً لدعامتهما، وإعلاما لنصرتهما، لكن، يستحيل عليهما أن تجيّرا وتوظفا شعباً لحراسة اغتصابهما فلسطين.

لا ثورة كهذه الثورة أبداً.
العالم ينظر إلى ما يدهشه ويتساءل: هل هذه هي مصر؟
طبعاً...
هذه هي مصر... والآتي أجمل.
شكراً بوعزيزي.
"السفير"
 

التعليقات