07/03/2011 - 11:51

في زمن الثورات العربية: هل لبنان استثناء؟../ طلال سلمان

ربما لهذا كله تندفع أكثرية اللبنانيين إلى السهر مع ثوار الميدان في القاهرة وفي تونس وفي بنغازي وسائر أنحاء ليبيا وفي اليمن والبحرين، يرددون أهازيج الفرح بقرب سقوط هذا النظام العربي المتعفن والمعادي لإرادة الشعوب والذي ثبت بالدليل الحسي أنه لا يخدم إلا أعداء الشعوب، داخل أوطانهم كما على مستوى الوطن العربي جميعاً... ولبنان منه وفيه وليس خارجه

في زمن الثورات العربية: هل لبنان استثناء؟../ طلال سلمان
ممنوع على اللبنانيين، من دون إخوانهم العرب جميعاً، أن يعيشوا فرح انتصار الانتفاضات الشعبية التي أسقطت بعض الطغاة من أهل النظام العربي، وتواصل ضغطها بدماء الشهداء على بعضهم الآخر.
 
ممنوع عليهم الخروج، ولو للحظات، من سجون الطائفية والمذهبية إلى آفاق الوطنية والعروبة بالديموقراطية والحق الطبيعي بأن يكونوا مواطنين لا «رعايا» و«أتباعاً» لأقطاب النظام الفريد الذين يمسخون حقوقهم الطبيعية في وطنهم الصغير فيصيِّرون «الانتخابات» مناسبة للتبارز بالشعارات المذهّبة الآخذة إلى الفتنة، وحكومات الوفاق الممسوخ إلى ساحات صراع على المكاسب والمنافع، من الطبيعي أن تدخلها «الدول» فتحسم أمر المواقع وامتيازاتها بالعدل والقسطاس!

ممنوع عليهم أن يستمدوا بعض الأمل في غد أفضل من خلال الحلم بأن يتمكّنوا ـ هم أيضاً ـ في أن يثبتوا قدرتهم على التغيير، متمثلين بإخوانهم الذين كانوا يأخذون عليهم الاستسلام لمقاديرهم والخنوع أمام أنظمة الطغيان، فإذا بهم ينتفضون لينجزوا ـ بالثورة الشعبية ـ تحولاً تاريخياً مشهوداً، يعيد الاعتبار إلى الشعوب ويمكنها من استخلاص حريتها المصادرة والتقدم نحو غدها المرتجى في تظاهرة فرح صهرت الملايين فإذا هم الأمة، وإذا هم يصنعون قدرهم بالإرادة.

ممنوع على اللبنانيين أن يتشبّهوا بإخوتهم في تونس التي كانت مشطوبة من الخريطة العربية والدولية بعدما صادرها بثرواتها ومواردها كافة، طاغيتها زين العابدين بن علي والسيدة حرمه وبعض حاشية السوء، التي يعرف لها اللبنانيون أكثر من شبيه بين أهل النظام الفريد في وطنهم الصغير.

وممنوع عليهم أن يتشبّهوا بإخوتهم في مصر، التي طالما كانت قبلتهم السياسية ومركز القرار قبل أن يأخذها الطغيان بعيداً عن هويتها وعن دورها الذي لا بديل منها فيه، فيلغي قدرتها على التأثير، بل ويدفعها في أحيان كثيرة إلى مواقع ومواقف تقزمها أمام «صغار» يستقوون عليها بثرواتهم أو بقربهم ـ بالتالي ـ من مركز القرار الأميركي.. فضلاً عن تصاغرها أمام عدوها الذي سيبقى عدوها: إسرائيل، برغم كل معاهدات الصلح وكل الرشى التي كان يقدمها نظامها نفطاً وغازاً وتنازلات عمّا لا يجوز التنازل عنه والتفريط فيه من مقومات السيادة قبل الحديث عن العزة والكرامة واستقلال القرار الوطني وحماية الثروة الوطنية لأهلها الذين يكاد فقرهم يأخذهم إلى التسليم بالمكتوب!

وممنوع عليهم، من باب أولى، أن يتشبّهوا بإخوتهم من أبناء الشعب الليبي الذين أجبرهم طغيان حكم الأسرة القذافية، ومعاندته وإصراره على مواجهة الثورة بالدم إلى حمل السلاح، والاندفاع إلى المقاومة المسلحة لخلعه ولو عبر بحر من دماء هؤلاء المواطنين الذين كان نظامهم يحاول إعادة خلقهم مرة أخرى بما يلائم تحولاته «الفكرية» والسياسية من خارج المنطق، ومن خارج المصلحة الوطنية لبلاده الغنية جداً، والتي يحكمها منذ اثنين وأربعين سنة طويلة جداً، ومكلفة جداً على المستقبل وليس فقط على حاضر هذا الشعب الذي ضرب مثالاً فذاً في استبساله في مقاومة الاحتلال الأجنبي قبل أن يولد معمر القذافي ليحكمه ويحكِّم فيه أبناءه بقوة الحديد والنار... مع إضافة الدينار عند الضرورة، كما يحاول الآن.

وممنوع عليهم أن يتشبّهوا بإخوتهم اليمنيين الذين تجاوزوا في مواجهة طغيان الحاكم الفرد انتماءاتهم القبلية والعشائرية والجهوية فضلاً عن الطائفية والمذهبية وخلافاتهم «العقائدية»، ونزلوا إلى الشارع موحّدين وقد اتخذوا قرارهم أن يبقوا فيه حتى رحيله، رافضين المساومة على حقهم في أن يكون وطنهم لهم، وأن يقرّروا مستقبلهم فيه كشعب موحد من حقه أن تكون له حياته الكريمة، برغم الفقر وافتقاد النصير.

وممنوع عليهم أن يتشبّهوا بالبحرين التي يحاول شيخها الذي نصّب نفسه ملكاً على جزيرة بحدود «محافظة» قمع شعبها الراقي ذا التاريخ النضالي العريق ضد الاحتلال الأجنبي، كما ضد محاولة الشاه المخلوع إلحاقه بإيران، تمسكاً بعروبته، وحقه في أرضه وفي بناء مستقبله الذي يتناسب مع سبقه إلى العلم والإبداع الثقافي والتجربة المميزة في مقاومة القهر والفقر وحكم الطغيان المحصن بالطائفية والقاعدة الأميركية.

ممنوع على اللبنانيين أن يكونوا شعباً، وأن تكون لهم دولة. هم رعايا زعماء الطوائف والمذاهب في النظام اللاغي إنسانيتهم فضلاً عن حقهم في المواطنة.

إن الرعايا اللبنانيين في شغل شاغل بهمومهم الثقيلة التي تأخذهم بعيداً عن فرح إخوانهم بانتصارهم على الطغيان في العديد من الأقطار العربية، لتغرقهم في الخوف المتجدد من الحرب الأهلية والقلق على مصير وطنهم الصغير من الفتنة التي تجد في الداخل (فضلاً عن الخارج) من ينفخ في جمرها حتى يشعل فيه النار الحارقة.

كل ما في الأمر أن «الأكثرية» التي استولدت قيصرياً، ذات يوم، بأسوأ قانون انتخابي في أي زمان ومكان وثلاثين من الفضة قد خسرت عديدها الذي جعلها تتولى الحكم من موقع الشريك الأكبر، فخسرت بالتالي رئاسة الحكومة بكل المؤسسات التابعة لها وبعض مواقع القرار، والمالي على وجه الخصوص.
 
يا للهول! يا للفاجعة! يا لثارات عبس!
استنفرت العواصم الغربية، واشنطن أساساً، وانتهاءً بإمارة موناكو، مروراً بالمحكمة الدولية التي تكاد تتحول إلى استثمار خاص يعمل المدعي العام فيها بالساعة ويمدّد بنفسه لنفسه مهمته في قراءة البصمات والنوايا وشهادات شهود الزور لحل ألغاز الجريمة النكراء التي كادت تذهب بالبلاد جميعاً... أما العواصم العربية فكان معظمها، وما زال، في شغل شاغل عن رعايا الطوائف والمذاهب من اللبنانيين وأمراضهم الخطيرة والمعدية. من هنا كان لا بد من إعادة تأهيل محركات الفتنة المذهبية هذه المرة، وطالما أن الطائفية قد تقصر عن تحقيق المراد.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا: كيف يكون وطنياً وملبياً لاحتياجات الشعب بوصفه مجموع الرعايا ذلك الحكم الذي يقوم بقوة تسعير الغرائز والمشاعر الطائفية والمذهبية التي تخدم، بداية وانتهاء، الهيمنة الأجنبية.
وبالطبع فهي ليست المرة الأولى التي يستنجد فيها الطائفيون والمذهبيون «بالخارج» ضد أهلهم في لبنان، لا فرق عندهم بين أن يكون هذا «الخارج» عربياً كما في عام 1976، أو إسرائيلياً في أعوام الثمانينيات (الاجتياح الإسرائيلي حتى بيروت التي احترقت ولم ترفع الأعلام البيضاء صيف 1982 ـ ثم تنصيب رئيس أول بحماية الدبابات الإسرائيلية، ثم رئيس ثان بالحماية ذاتها بعد اغتيال الشقيق الأصغر، وفي الفاصل بين الرئاستين تم تنفيذ مجزرة صبرا وشاتيلا ضد اللاجئين الفلسطينيين وبعض فقراء اللبنانيين الذين لم يجدوا المأوى إلا في مخيمات أشقائهم البلا وطن ولا دولة!!).
 
هي الحكاية ذاتها تتكرر: كلما تعذر على أصحاب نظرية «قوة لبنان في ضعفه» أن يحكموا لبنان اندفعوا يستنجدون بالخارج ضد أهله.
لكن لبنان اليوم ليس ضعيفاً إلى هذا الحد.. ربما لهذا تتبدى الفتنة وكأنها آخر الدواء.
وينسى هؤلاء أن مناخ الثورة الذي يجتاح الأرض العربية جميعاً سيعصم اللبنانيين من الفتنة، وقد يساعدهم على تعديل جوهري يجعلهم مواطنين في دولتهم المغيّبة بدل أن يظلوا رعايا ـ رهائن لأهل النظام الطوائفي الذي شرط وجوده إلغاء الشعب والدولة.

ربما لهذا كله تندفع أكثرية اللبنانيين إلى السهر مع ثوار الميدان في القاهرة وفي تونس وفي بنغازي وسائر أنحاء ليبيا وفي اليمن والبحرين، يرددون أهازيج الفرح بقرب سقوط هذا النظام العربي المتعفن والمعادي لإرادة الشعوب والذي ثبت بالدليل الحسي أنه لا يخدم إلا أعداء الشعوب، داخل أوطانهم كما على مستوى الوطن العربي جميعاً... ولبنان منه وفيه وليس خارجه.

التعليقات