11/08/2011 - 11:42

إقامة الدولة: اتفاق دولي أم فرضها../ د. فايز رشيد

يشتد الجدل حالياً حول مشروع السلطة الفلسطينية: التوجه إلى الأمم المتحدة من أجل نيل الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967. فريق لا يرى فائدة من هذا التوجه، فلو تم انتزاع القرار، فلن يعني شيئاً من حيث التطبيق الفعلي على الأرض. واتجاه آخر يرى: أن هذا هو الطريق الوحيد لإقامة الدولة الفلسطينية، فالحصول على القرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة سيعني تمهيد الطريق لبناء الدولة العتيدة، والمجتمع الدولي، سيجبر إسرائيل على الخضوع لهذا القرار إن لم يكن آنياً فعلى صعيد المستقبل

إقامة الدولة: اتفاق دولي أم فرضها../ د. فايز رشيد
يشتد الجدل حالياً حول مشروع السلطة الفلسطينية: التوجه إلى الأمم المتحدة من أجل نيل الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967. فريق لا يرى فائدة من هذا التوجه، فلو تم انتزاع القرار، فلن يعني شيئاً من حيث التطبيق الفعلي على الأرض. واتجاه آخر يرى: أن هذا هو الطريق الوحيد لإقامة الدولة الفلسطينية، فالحصول على القرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة سيعني تمهيد الطريق لبناء الدولة العتيدة، والمجتمع الدولي، سيجبر إسرائيل على الخضوع لهذا القرار إن لم يكن آنياً فعلى صعيد المستقبل.
 
الرأي الأخير هو الذي تتسلح به السلطة الفلسطينية، وبخاصة أن رئيسها يؤمن بأن المفاوضات هي الطريق الوحيد لإقامة الدولة، ففي الاجتماع الأخير للمجلس المركزي الفلسطيني، خاطب الرئيس عباس المجتمعين قائلاً: إن خيارنا الوحيد هو المفاوضات ثم المفاوضات ثم المفاوضات.  
 
وبمحاكمة موضوعية للخطوة الفلسطينية لأخذ قرار دولي يمكن القول: إن عرض القضية على الجمعية العامة هي مسألة إيجابية، وخطوة في الاتجاه الصحيح، ورصيد يضاف إلى القرارات الأخرى للأمم المتحدة التي أنصفت بعض الشيء الحقوق الوطنية الفلسطينية، غير أنه من ناحية التنفيذ الفعلي للقرار فلن يكفي قرار أو حتى قرارات كثيرة أخرى من أجل تطبيق هذا الحلم الشعبي الفلسطيني ما لم يستند هذا الحق الوطني الفلسطيني المشروع، إلى ميزان قوى يفرض إقامة الدولة، وبخاصة أن قراراً جديداً من الأمم المتحدة كان قد صدر(في حالة صدوره بالطبع) في أيلول من عام 2011.  
 
بداية،  يمكن القول: إن التجربة التاريخية لحركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية لم تشهد مطلقاً حالات من نيل الحقوق الوطنية لهذه الحركة أو تلك دون الاعتماد على ميزان قوى (وتحديداً عسكري مقاوم للمشروع الاستعماري)، يفرض الاعتراف بهذه الحقوق أولاً، وتنفيذها ثانياً، فكل حركات التحرر الوطني في القارات الثلاث اعتمدت أسلوب المقاومة، وفي مرحلة معينة (قبل الأخيرة النهائية)، غالباً ما تتم مفاوضات بين المعتدي والمعتدى عليه، وفي كثير من الأحيان بوجود أطراف ثالثة، ولا يكون هدف هذه المفاوضات اعتراف المستعمِر (بكسر الميم) بحقوق المستعَمر(بفتح الميم)، فهذه تتم في مرحلة سابقة متقدمة، وإنما تقتصر المباحثات غالباً على كيفية تطبيق مطالب حركة التحرر الوطني، وكمثالين على صحة هذا الأمر يمكن أخذ فينينام وجنوب أفريقيا.
 
المبدأ السابق،  لا ينطبق على حركات التحرر الوطني فقط، وإنما على الدول أيضاً، ففي الحرب العالمية الثانية لو لم تدخل القوات السوفياتية آنذاك أراضي ألمانيا والعديد من الدول الأوروبية الأخرى، ولو لم تحتل برلين، وترفع العلم فوق مبنى الرايخستاغ، لما أقيمت الأنظمة الاشتراكية فيما عُرِفت فيما بعد بأوروبا الشرقية، ولما جرى تقسيم ألمانيا، ولا اقامة جدار برلين. في نفس السياق، تم توحيد ألمانيا فيما بعد، بعد تآكل السلطة السوفياتية بفعل غورباتشوف وانهيار الاتحاد السوفياتي، الأمر الذي خلق موازين قوى جديدة في العالم، بين الدولتين الأعظم،  وفي اوروبا، وفي الدول الاشتراكية، أدت إلى انهيار الأنظمة الاشتراكية.
 
بالنسبة للقضية الفلسطينية، ولحركتها الطليعية التحررية، فإنه نظراً لاستثنائية العدو المتمثلة في جملة من العوامل: اقتلاعيته للشعب الفلسطيني وإحلاله للمهاجرين الجدد في فلسطين، وعنصريته الفائقة، وعدوانيته المطلقة، وارتباطاته العضوية بالحركة الصهيونية، باعتبار هذا العدو التمثيل الأبرز لها، وتحالفه الاستراتيجي مع القوة المطلقة المتحكمة بالوضع الدولي (بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية)، وعوامل أخرى كثيرة غيرها، بالتالي فإن حركة التحرر الفلسطينية تعيش ظروفاً موضوعية وتعقيدات أكبر بكثير مما واجهته أي حركة تحرر وطني أخرى على الصعيد العالمي، غير أنه ولا بأي حالة من الأحوال تؤدي هذه الظروف إلى اختلال وصحة، معادلة: قانون ميزان القوى. الظروف الاستثنائية تخلق مهمات استثنائية لحركة التحرر الوطني الفلسطينية وللأمة العربية بكاملها، ذلك أن المشروع الصهيوني لا يستهدف الفلسطينيين وحدهم، وإنما الأمة بكاملها، ارتباطاً بأهداف المشروع نفسه الذي جاء بالمعنى الموضوعي، فإضافة إلى احتلال فلسطين كذلك التآمر على شعوب الأمة، وعلى مقدراتها، وفي سبيل منع وحدتها، وتفتيت جبهاتها الداخلية من أجل المزيد من التقسيم لأراضيها، وإشعال الصراعات الدينية والمذهبية والإثنية بين شعوبها. والدليل على صحة ما نقول: هذا الكم من الحروب وهذا الحجم من التآمر الإسرائيلي الصهيوني على الدول العربية، منذ ولادة الدولة الصهيونية حتى اللحظة.
 
الحروب والتآمر على الشعوب والدول العربية، لن يتوقفا طالما بقيت إسرائيل. من هذه النقطة بالذات، فإن التلاحم الوطني والقومي هو مهمة موضوعية عضوية واستراتجية ملّحة بشكل دائم، وكذلك فإن الصراع هو عربي- صهيوني وليس فلسطينياً- إسرائيلياً أو فلسطينياً- صهيونياً.
 
من الاستثئاءات أيضاً بالنسبة للعدو، هو التحالف الاستراتيجي، مثلما قلنا، مع الولايات المتحدة الأمريكية. هذه العلاقة محكومة بقوانين وحقائق: أن التحالف العضوي بين الطرفين هو استراتيجي وهو غيرمرتبط بمزاجية هذا الرئيس أو هذه الإدارة أو تلك، بل هو تحالف برنامجين تتجمع فيهما عناصر: الهمينة والسيطرة، والتآمر على المنطقة ونهب ثراوتها، هو تحالف بين مشروعين: إمبريالي استعماري، يرى السيطرة من خلال أشكال جديدة للاحتلال، ومشروع احتلالي يتشكل وفقاً للعديد من الظروف، يتراوح بين احتلال الأراضي، والهيمنة الاقتصادية، بدايةً، على طريق الهمينة السياسية.
 
وللعلم، فإن الملاحظ في إسرائيل في العقدين الزمينين الأخيرين: هو التزايد المتسارع لتأثيرات اليمين الفاشي، المحكوم بمجموعة من الأساطير والأضاليل بالنسبة للعلاقة مع الفلسطينيين والعرب. أمام كل هذه الحقائق، وبعدما ثبت بالملموس فشل استراتيجية التفاوض مع إسرائيل فلسطينياً وعربياً، لأن التنازل التدريجي عن الحقوق الوطنية، تقابله إسرائيل، بفرض المزيد من الاشتراطات على الطرفين الفلسطيني والعربي. لكل ذلك، فإن استراتجية التفاوض، سواء كانت فلسطينية أم عربية، من أجل استعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية أو العربية، مدّعوة لإحلال استراتيجية جديدة محل القائمة تجبر إسرائيل على الاعتراف بحوق الطرفين، وهذا لن يتأتى إلاّ من خلال مشروع المقاومة، التي تجعل من مشروع الاحتلال مشروعاً اقتصادياً وديموغرافياً خاسراً لإسرائيل.
 
إسرائيل ترى في إقامة الدولة الفلسطينية: مشروعاً نقيضاً لوجودها. لذا من الطبيعي أن تحارب هذا المشروع، بالتالي يتوجب على الاستراتيجية الفلسطينية العربية أن تناقض المشروع الإسرائيلي.
يبقى القول: إن إقامة الدولة الفلسطنية، وعلى الرغم من أهمية الاعتراف الدولي بها، يتم فرضها فرضاً.

التعليقات