16/08/2011 - 12:28

أحياء واستكبارا؟../ غسان فوزي

قدم المحامي جواد بولس مساهمة نقدية خصّ فيها عددا من النشطاء المثقفين الذين نشروا دون تنسيق أو اتفاق آرائهم المختلفة حول حركة الاحتجاج الإسرائيلية التي انطلقت للمطالبة بحقوق في مجال المسكن، ومن ثم تصاعدت مطالبة بالعدالة الاجتماعية. وكان توجهه استكباريا وعدوانيا. ولتوضيح ذلك والدفاع عن حرية الشباب التحرري في التعبير عن رأيه دون خوف من سلطة أو سطوة أقدم كلماتي هنا

أحياء واستكبارا؟../ غسان فوزي
قدم المحامي جواد بولس مساهمة نقدية خصّ فيها عددا من النشطاء المثقفين الذين نشروا دون تنسيق أو اتفاق آرائهم المختلفة حول حركة الاحتجاج الإسرائيلية التي انطلقت للمطالبة بحقوق في مجال المسكن، ومن ثم تصاعدت مطالبة بالعدالة الاجتماعية. وكان توجهه استكباريا وعدوانيا. ولتوضيح ذلك والدفاع عن حرية الشباب التحرري في التعبير عن رأيه دون خوف من سلطة أو سطوة أقدم كلماتي هنا.
 
يبتدئ الأخ عنوان مقاله معلنا امتلاكه درجة عالية من الحياء مدللا على ذلك باقتباسه قول الشاعر جرير "لولا الحياء لهاجني استعبار!" واختيار الحياء بشرنا بالخير لأن الحياء أمر مستحب في مجتمعنا الذي يرى في الحياء قيمة عليا ومفتاحا للتغاضي عن الإساءة وتفضيل التفاهم. وحين يصعب التفاهم والاتفاق ويقع إنكار حق الآخر يقول الناس متحسرين "اللي بستحوا ماتو" أو ما شابه ذلك من القول. فالمجد للحياء.
 
 وبعكس ما توخى القارئ وتوقع تقدم الكاتب للتو وأخل بعنوانه وإعلانه وبالميراث الشعري الذي استند إليه. حيث قام بصب غضبه وما لا يليق من كلام على معارضيه. وكان بذلك مخالفا السلوك العقلاني والمحبة وحسن اللغة التي اختارها وسار عليها جرير الشاعر رغم مواجهته حدثا مأساويا أخطر وأقسى على القلب من الكتابة المعارضة التي مست بالكاتب دون أن تكون موجهة إليه شخصيا.
 
ليس للمحامي عذر شعري أو تراثي في هجومه الذي بدأه باتهام وإدانة جماعية ملصقا على مجموعة من الشباب الكتاب مصطلحا مهينا "بعض الكتبة"! ثم أضاف درة ثانية بقوله "آخرون جمعوا الأدب وقلته"! لكن لماذا كل هذا العنف الكلامي؟ وما الذي يخبرنا به الأخ عن هذه المجموعة التي يهاجمها؟  
 
يتبين من الإجابة المرافقة للاتهامات أن البعض "أسهب ونظر وأتحف، ممتشقا أشجار العلم وقاموس المصطلحات السياسي، وآخر أمطرنا بما تيسر من بحور علم الاجتماع السياسي، ومتمكن آخر أغرقنا في ما بين الاقتصاد والسياسة والاجتماع". عجب عجاب، هل التمكن من العلوم جنحة وهل أصبح استخدام القاموس جريمة تدين صاحبه بأنه من الكتبة؟ فهل هؤلاء النشطاء الذين يكتبون متحدين السلطة الفكرية والسياسية والمخابراتية الإسرائيلية يستحقون ما فعله المحامي من إدانتهم ميدانيا ودمغهم بأنهم من الكتبة، أي من الانذال الخاضعين الذين يكتبون مرضاة لسلطة غاشمة أو مستبد يتحكم برقاب الناس؟
 
يعود الكاتب مرة أخرى إلى رمي الأحرار بالتبعية والعبودية فيكتب "المزعج أكثر عندما يشارك "بالزفة" شباب صاعد واعد، غدا كالببغاوت يردد ما لقنه "السيد" من شتائم ومسبات." فأي سيد هو الذي يجلس في مخيلة المحامي وينسب إليه تلقين الشتائم والمسبات؟ وكيف لم يتحفنا المحامي بالأدلة على هذا الكشف الثمين؟ ألم يسمع الكاتب الشيخ صوته ذاته وهو يهاجم من يقر بأنهم "شباب"! ألم تسعفه ممارسته القانونية الطويلة وتهديه إلى وسيلة أكثر مصداقية للدفاع عن نفسه المظلومة من هذا الشباب؟ وما هي الرسالة العليا والقيم البديلة التي يقدمها قول المحامي للشباب بأن ما كتبوه هو "تحشيش فكري"؟ وهل علينا أن نذكر المحامي مرة أخرى بإعلانه أنه سيبتعد عن المهين والمخجل لأن عنده حياء ذو بعد تراثي شاعري؟
 
بعد مصطلحات "تحشيش فكري" و"عوامات مؤدلجة بفائض قومية جوفاء" ينتقل المحامي إلى تفكيك الشروط المادية التي تغذي الفكر المعادي لأفكاره الصحيحة دائما. وبالفعل يقدم لنا تحليلا علميا يبرهن فيه على استفحال الآثار التدميرية للمكيفات الهوائية على الفكر القومي خاصة دون غيره من الأفكار. وللتدليل على البعد الاستعماري للمكيفات الهوائية يذكرنا الكاتب بأنها في الحقيقة من فصيلة تسمى "المكندش" وهي بالتكيد غربية مناوئة للفكر الشرقي الذي يتمسك به المحامي مثل تمسكه بأشعار جرير خاصة منذ غياب الإمامة الروسية الرشيدة وصعود النجم الصيني.
 
بعد الإبداعات النظرية التي تدين خصومه الكتاب بالحجة والدليل ينتقل الكاتب إلى واقعة تندرج في سلم أولوياته باعتبارها "القضية المزعجة". والقضية مركبة كما يبدو فيه أولا أن الكتاب "يهاجمون الرأي الآخر". وإذا كان من يتلقى هجوما على رأيه يشعر بالانزعاج فما هو موضع الخطأ في ذلك؟ وهل من المفروض أن يقوم كل فرد مفكر بقبول الرأي الآخر الذي لا يوافق عليه عوضا عن الهجوم عليه وتفنيده! يواصل الكاتب البحث في جعبته فيجد أن لـ"القضية المزعجة" بعدا آخر هو كون الأمور "عند بعضهم وصلت حد التخوين والهمز واللمز والتقريع، (كما حصل بحق الأخ عصام مخول).
 
والحق أن واقعة الهجوم الشنيع على عصام مخول قد حصلت من قبل اثنين أو أكثر من الكتاب كان بإمكان المحامي أن يركز هجومه على أقوالهم ويدحضها أو يرفضها كما فعل الأخ عصام مخول نفسه. وكان على الكاتب أن يراعي في كتابته حقيقة ان موقع عــ48ـرب الذي ينتسب إليه مهاجمو الأخ عصام استقبل ونشر على الصفحة الأولى الرد المطول كما قدمه عصام. الم تكن مبادرة موقع عــ48ـرب السباقة إلى التفاهم والحوار كافية للتخفيف من غضب الأخ جواد أو للتأثير على اختياره لغة لا تحمل الإهانات والإدانات كتلك التي قدمها في مقاله المتوج بالحياء؟
 
إضافة لذلك فإن الكاتب قد صعب الأمر علينا كثيرا في متابعة تحليله الذي تطرق فيه إلى الحركة الإسلامية ونظريتها السياسية وإلى ما أسماه "تيار سياسي يراوغ في مسألة وجود اسرائيل". ذلك لأنه أدرج أقواله السابقة بعد أن صرح بقوله "لن أخوض فيما أراه كأسباب حقيقية لمواقف المقاطعين والمهاجمين لشراكة النضال هذه. لكنني اعتقد"...
 
فإذا كان الكاتب لا يريد الخوض في الأسباب الحقيقية فهل يكون ما قدمه بقوله "لكنني أعتقد أن حركة دينية... تيار سياسي يراوغ..." مجرد أسباب غير حقيقية؟ وما هي الحكمة من سرد أسباب غير حقيقية؟ تحاشيا للبلبلة الواردة بشأن الأسباب الحقيقية والاعتقاد فإنني أحترم اعتقاد الاخ جواد وآمل أن نناقشه قريبا فيما كتبه عن الحركة والتيار.
 
 وفي الختام فإنني أشيد بالأخ جواد لأنه قدم لي ولنفسه ولكل فرد خيارا عمليا محمودا وذلك لقوله "أن لا يرى الواحد منا ضرورة أو دافعا أو سببا للمشاركة فيما يجري من عمليات احتجاج واسعة في بقع مختلفة في الدولة، هو أمر معقول ومقبول ومبرر". ومعنى ذلك أننا نستطيع أن نكتب ونتهم وندين ونثور ونثور دون أن نشارك في أي عمل لأن الأمر معقول ومقبول ومبرر! أما كان أجدر بالأخ جواد أن يطبق نظريته على الكتابة أيضا ويريح نفسه ويريح الآخرين من أعباء مشاركة مليئة بالإزعاج. وما الضرر أن نبقى في مجال المعقول والمقبول والمبرر!

التعليقات