28/09/2011 - 15:20

من كتب خطاب نتانياهو؟../ حنين زعبي

أثار خطاب أوباما غضب الفلسطينيين وحتى الإسرائيليين، وقال البعض أن خطاب أوباما يبدو وكأنه وصل بالفاكس من مكتب نتانياهو. لكن ربما علينا أن نسأل أيضا، من كتب خطاب نتانياهو؟

من كتب خطاب نتانياهو؟../ حنين زعبي
أثار خطاب أوباما غضب الفلسطينيين وحتى بعض المحللين الإسرائيليين، وقال البعض إن خطاب أوباما يبدو وكأنه وصل بالفاكس من مكتب نتانياهو. لكن ربما علينا أن نسأل أيضا، من كتب خطاب نتانياهو؟
 
يقولون إن الشعوب ترى في قوتها وهيبتها -ممثلة بقوة وهيبة نظامها- عوامل أهم من النجاح السياسي للنظام في تحقيق أمر ما، بمعنى أن الفشل في السياسة، أهون على الشعوب من قلة الحيلة السياسية.
 
وهذا أيضا ما تقوله شعبية نتانياهو بعد خطابه، إذ لم يهتم المجتمع الإسرائيلي فيما إذا نجح الخطاب في أن يحمل أفقا سياسيا ما، بل اهتموا في "الكبرياء" والقوة اللذين عبر عنهما الخطاب.
 
لكن قراءة الخطاب بهذا الشكل تخفي معالم نجاح سياسي مكن نتانياهو من خطاب "اللاأفق"، الذي يصفه البعض بالفشل. ومن يصف خطاب نتانياهو بأنه يعكس فشلا سياسيا إسرائيليا، إنما هو يريد إخفاء عناصر نجاحه (ليس من مصلحة الطرفين لا الإسرائيلي ولا السلطة الفلسطينية الكشف عن عوامل نجاحه)، أكثر بكثير مما يريد وصف الواقع بأمانة.
 
والسؤال هو لماذا وصلت إسرائيل سلطة ورأيا عاما، إلى تحمل "اللاأفق السياسي"، بل وإلى انتهاجه كسياسة، وإلى التعامل مع استمرار الوضع القائم – ما يسمى باللاأفق- كمصلحة إسرائيلية. من المسؤول عن تشكيل وضع قائم لا يشكل لإسرائيل ضررا أو تهديدا أو عاملا من عوامل عدم الإستقرار؟   
 
المحللون الإسرائيليون الذين وصفوا خطاب نتانياهو بخطاب "اللاأفق" ورأوا فيه فشلا سياسيا يتعلق بحل الصراع، يعرفون جيدا أنه بالمفهوم الإسرائيلي السائد فإن عدم حل الصراع، أو بالأحرى عدم الحاجة لحل الصراع، هو هو النجاح الإسرائيلي الكبير، وهو ما يلخص السياسات الإسرائيلية خلال العقد الأخير، أي منذ الانتفاضة الثانية.
 
إن سياسة "اللاأفق السياسي" هي الوجه الآخر لإستراتيجية نجحت في تحويل الاحتلال لواقع آمن إسرائيليا. بالتالي ليست الجرأة التي نحتاجها هي تلك التي "تكشف" عمن كتب خطاب أوباما، بل الجرأة التي نحتاجها هي تلك التي "تكشف" عمن كتب خطاب نتانياهو. إنه النهج الفلسطيني الذي تعاون بشكل كامل مع سياسة جعلت الإحتلال أمنا وسلاما على إسرائيل، ومن يجعل الاحتلال آمنا على المحتل، عليه أن يعرف أنه سيحصد في النهاية سياسة اللاأفق أو سياسة إدارة الصراع بدل حله.
 
لقد دعمنا قرار السلطة الفلسطينية التوجه للأمم المتحدة، كخطوة في مسار يعيد الاعتبار للمرجعيات الدولية، ويحيد ويهمش الدور الأمريكي الذي علينا التعامل معه كطرف في الصراع وليس كوسيط له.
ودعمنا وسنستمر في دعم رفض السلطة للضغوطات الأمريكية والإسرائيلية.
 
من جهة أخرى كسر خطاب أبو مازن لغة أوسلو فيما يتعلق بالتعامل مع الطرفين بموازنة، ووضع الخطاب، الواقع تحت الاحتلال حيث يجب أن يكون، أي في خانة صاحب المعاناة، كما اتخذ المحتل مكانته كمسؤول عن هذه المعاناة وكقامع وسارق وسجان ومنتهك لحياة الإنسان والشعب، ولا أظن أنه سبق لنتانياهو أو لطواقم المفاوضات أن سمعت هذا الكلام من قبل، ولا أظن أن لهجة خطاب أبو مازن، من تحميل المحتل كل المسؤولية، هي اللهجة التي كانت سائدة بين طواقم المفاوضات.
 
لكن الذي يصف المحتل كمحتل في أروقة الأمم المتحدة، عليه أن يتعامل معه أيضا كمحتل في شوارع الضفة الغربية متقطعة الأوصال، وفي غزة المحاصرة، التي منعت بث خطاب أبو مازن، واستدعت أحد أصحاب المقاهي الذي أراد الاستماع للخطاب للتحقيق. من يمنع شعبه من الاستماع لخطاب قد يشكل علامة فارقة في نضاله، -وقد مشروطة بإرادة وقرار فلسطيني رسمي قبل كل شيء- ومن يرجع لكي ينسق أمنيا كيف يحاصر ويجهض المقاومة الشعبية، هو نفسه الذي ساهم في كتابة خطاب نتانياهو، خطاب انسداد الأفق السياسي، بل وتعميق الاحتلال.    
 
وإذا كان أبو مازن، قد سار طريق الضغوطات والتهديدات الأمريكية بعناد وإصرار نحتاج تثبيتها ودعمها بكل قوتنا، فلن نرجو ألا يكون ذلك تعويلا على تنسيق مخابراتي آخر يطمئنه أن إسرائيل لن تعاقبه ماليا لأنها محتاجه له أمنيا. وإذا تحلي أبو مازن بالجرأة لكي يحمل إسرائيل كل المسؤولية، فعليه أن يتحلى بالجرأة لكي يعرف كم يتحمل نهج أوسلو المسؤولية عن خطاب نتانياهو، عبر إنتاج احتلال آمن لإسرائيل.
 
لقد رأى أبو مازن كم يحترم الشعب الفلسطيني ويدعم وقفات الصمود، وكما قرر أبو مازن أن يعيد الاعتبار للدعم الدولي، عليه الآن أن يقرر أن يعيد الاعتبار للنضال الشعبي. لا أحد يقرر متى تتحرك الشعوب، لم يقرر أحد موعد الانتفاضة الأولى، ولا موعد الانتفاضة الثانية، لكن المطلوب ألا تقف السلطة الفلسطينية في وجه الحراك الشعبي، المفروض وقف تام وحالي للتنسيق الأمني مع إسرائيل. لقد قرأنا الهدوء والاطمئنان الإسرائيليين من عدم تطور حراك شعبي، اطمئنان اعتمد بالكامل على التنسيق الأمني والمخابراتي بين أجهزة السلطة الفلسطينية وبين الجيش الإسرائيلي.
 
التنسيق الأمني مع المحتل، بالإضافة إلى أنه يحول السلطة لوكيل للاحتلال، فهو أيضا يجهض السياسة، وهو مقتل النضال الفلسطيني، وفقط باستثمار القوة الإستراتيجية للشعب الفلسطيني تستطيع أن تكتب الخطاب الإسرائيلي القادم.

التعليقات