27/12/2011 - 10:39

بين صحة التمثيل وصحة الوطن: أين لبنان من الربيع؟../ بولا يعقوبيان

ليس صحيحاً أنّه لا يوجد خيار آخر لقانون انتخابي أفضل، وليس صحيحاً أنّ الحل البديل هو النسبية أو قانون الستين أو المحافظة المطاطة بحسب الحاجة. كذلك ليس صحياً ولا صحيحاً أن يهدف قانون الانتخاب فقط إلى تحقيق صحة التمثيل التي تعكس اليوم صورة الوطن المريض بداء الطائفية. لكن هدف القانون هو حمل الوطن إلى الشفاء وإجبار ممثلي الأمة على حمل همّ المواطَنة وبناء الدولة

بين صحة التمثيل وصحة الوطن: أين لبنان من الربيع؟../ بولا يعقوبيان
فجأة، وفي غفلة من الزمن، أصبحت صحة التمثيل أهم من صحة الوطن، هذا إذا ما سلمنا أنّ صحة التمثيل تتأمن فعلاً عبر قانون اللقاء الارثوذكسي الذي يَقترح أن تنتخب كل طائفة نوابها في البرلمان اللبناني. هذا ما تحاول مجموعة مذهبية إقناع اللبنانيين به، وتسوِّق له بلا كلل وكأنّه اكتشاف العصر أو انّه يحل مشاكل لبنان ومعضلاته المتشعبة. فاللبنانيون لم ولن يتمكنوا من بناء وطن، ولا يحق لهم أن يحلموا بغير الطبقة المذهبية الغرائزية لتمثيلهم. فوفق هؤلاء، صحة التمثيل لا تصح إلا عبر التمثيل المذهبي الذي يعني تطبيقه أن تستعر الغرائز الطائفية دون ضوابط، وأن يمتطي كل طامح جواد الخطاب الانعزالي ليستحق عن جدارة لقب نائب الجماعة الدينية. فقانون "كل جماعة تنتخب مذهبها" هو الكارثة الجديدة بحق لبنان، ويجب على الشباب اللبناني أن يقف في وجه مشاريع مماثلة، لا تؤسس لوطن جامع، بل تكرس فكرة المزارع وتزيد من حدة الخطاب الطائفي والمزايدات المؤدية للحروب.
 
ليس صحيحاً أنّه لا يوجد خيار آخر لقانون انتخابي أفضل، وليس صحيحاً أنّ الحل البديل هو النسبية أو قانون الستين أو المحافظة المطاطة بحسب الحاجة. كذلك ليس صحياً ولا صحيحاً أن يهدف قانون الانتخاب فقط إلى تحقيق صحة التمثيل التي تعكس اليوم صورة الوطن المريض بداء الطائفية. لكن هدف القانون هو حمل الوطن إلى الشفاء وإجبار ممثلي الأمة على حمل همّ المواطَنة وبناء الدولة.
 
لم يُصَبْ الفكر اللبناني بالعقم الكامل بعد، إلا أنّ أمراء الطوائف والتجمعات المذهبية لن ينجم عنهم إلا مشاريع طائفية بعيدة عن طموحات الشباب اللبناني، وتبعدهم عن مشروع المواطنة الحقيقية. ففي وقت تناقش فيه الدول العربية دساتير وقوانين انتخاب عصرية، يبقى لبنان أسير شعارات تحوِّل فصوله إلى خريف دائم.
 
هذا النداء هو محاولة للكف عن الاستسلام للأمر الواقع، وهو دعوة أيضاً إلى طرح وبلورة فكرة تقوم على معالجة معضلة قانون الانتخاب من دون الوقوع بين سندان الطائفية ومطرقة مخاوف الأقليات الدينية. فما الذي يمنع مثلاً، أن نبقي التوزيع المذهبي على حاله، إنما يكون الانتخاب على قاعدة أن المسيحي ينتخب المسلم والمسلم ينتخب المسيحي، وفق لبنان دائرة واحدة. يكون في هذه الدائرة لكل مواطن الحق في الاقتراع لـ64 نائباً من الطائفة الأخرى. وبالتالي، عبر قانون مماثل، نحقق الأهداف التالية:
 
أولاً، يضطر الطامحون إلى تمثيل اللبنانيين إلى اعتماد خطاب وطني جامع وإلى الاعتدال في مسلكهم، فهم أبناء بيئتهم إلا أنّ من سيعطيهم صوته هو "الآخر".
 
ثانياً، تجري المحافظة على العيش المشترك في أبهى حلله، ليكاد فعلاً أن يصبح عيشاً واحداً، وتعم المحبة وتصبح مدن لبنان ساحات تلاق، وينتفي منطق التحاصص الجغرافي والسياسي.
 
ثالثاً، تصبح الكفاءة هي المعيار الأول للتوظيف، وتفقد "خدمات النائب" من أهميتها، لكون لبنان دائرة واحدة ولا يمكن التفضيل على هذا الأساس، إنما تنتقل المنافسة بين النواب إلى الممارسة المطلوبة من ممثلي الشعب، وهي التشريع والرقابة والمحاسبة.
 
رابعاً، تحتفظ الطوائف بالتوزيع الحالي، وبالتالي تتبدد هواجس الأقليات، وتصبح لدينا أكثرية مسلمة تنتخب أقلية مسيحية، وأقلية مسيحية تختار ممثلي الأكثرية المسلمة، في ممارسة تشكل تلاقياً ومصلحة وطنية بدل نظام العزل المطروح.
 
خامساً، تبتعد الطوائف اللبنانية عن التناحر في ما بينها، وتصبح المنافسة على الأفضل.
 
سادساً، تبتعد تلك الطوائف عن البحث عن قوى خارجية تدعمها، وتصبح بحاجة بعضها إلى بعض.
 
سابعاً، يعود لبنان وطن الرسالة والتسامح والمحبة بين أبنائه الذين ارتضوا في أوج صعود التعصب والتطرف في العالم أن يعتمدوا طرحاً يطمئن الأقليات، ويؤسس لدولة مدنية عادلة. دولة تضمن وصول المعتدلين من جميع الطوائف إلى مواقع المسؤولية، وينقرض فيها أصحاب المشاريع الطائفية.
 
يمكن إضافة وسرد الكثير حول هذا الطرح الذي يبقى طرحاً وطنياً مجنوناً، إلا أنه أقل جنوناً من الحرب والقتل على الهوية، علّه في يوم ما يقع الاختيار على قانون كهذا بعد أن نكون قد استهلكنا كل الخيارات الممكنة، وهي أصلاً لم تعد كثيرة.
 
حان الوقت لتحرك شعبي لا يُجيَّر ولا يستغل من أي طرف سياسي، ويكون هدف ذلك التحرك وضع قانون انتخاب يضمن حقوق الوطن والمواطن. وإذا كان هذا الطرح طوباوياً حالماً، فيكفِي منه هدفاً أن أطرحه في إطار صراع الأفكار، وفي مواجهة من يحاول أن يصوّر لأبناء هذا الوطن أنّ لا سبيل فيه غير الانعزال.
 
"الأخبار"

التعليقات