27/04/2012 - 14:11

الإبعاد.. بين القبول أو استمرار الاعتقال../ عبد الناصر فروانة

لا يزال قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي إبعاد الأسيرة هناء الشلبي في الأول من نيسان/ إبريل الجاري من الضفة الغربية إلى قطاع غزة يتفاعل بين أوساط المهتمين بشؤون الأسرى وحقوق الإنسان

الإبعاد.. بين القبول أو استمرار الاعتقال../ عبد الناصر فروانة
لا يزال قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي إبعاد الأسيرة هناء الشلبي في الأول من نيسان/ إبريل الجاري من الضفة الغربية إلى قطاع غزة يتفاعل بين أوساط المهتمين بشؤون الأسرى وحقوق الإنسان.
 
واختلفت الآراء والاجتهادات حول إبعاد الأسرى خارج أو داخل المناطق الفلسطينية بشكل عام، وإبعاد الأسيرة الشلبي الى غزة بشكل خاص بعد خوضها إضراباً عن الطعام استمر لمدة 43 يوما متواصلة احتجاجاً على إعادة اعتقالها ادارياً.
 
اختلاف الأراء لم يكن على مبدأ الإبعاد، فالكل يُجمع على أن الإبعاد وما يعنيه من نفي وترحيل قسري أو النقل الجبري للأشخاص المحميين بشكل فردي أو جماعي داخل أراضيهم أو خارجها، عن طريق القوة أو الإكراه، هو ممارسة محظورة وخطيرة وغير قانونية، بل ويذهب البعض لاعتبارها جريمة حرب وفقا لبعض مواد ونصوص المواثيق الدولية.
 
كما ويُجمع المختصون والسياسيون أيضاً على أن الإبعاد وتحت أي ظرف من الظروف، وأياً كانت دوافعه وملابساته، شكله ومضمونه، مؤقتا ولفترة زمنية محددة أم دائما، أكان داخل الأراضي المحتلة أم خارج حدودها، هو سلوك مدان، وسياسة يجب العمل على وقفها ومحاسبة مقترفيها، لأنها تشتت الأسر وتشرذم العائلة، وتشرد السكان وتخلق مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية يصعب حلها.
 
ويرى الحقوقيون أن الموافقة على الإبعاد، في إطار اتفاقية ثنائية أو جماعية، لفترة زمنية محدودة ووفقاً لاشتراطات محددة، كما حصل مؤخراً مع الأسيرة هناء الشلبي بعد أن تعرضت للضغط والإكراه، ومن قبلها إبعاد مئات الأسرى والمواطنين خلال انتفاضة الأقصى، (لا) تمنح الإبعاد الشرعية والصفة القانونية، ويبقى من حق المبعدين العودة بشكل فردي أو جماعي إلى ديارهم ومكان سكناهم، بل ويجب العمل على إعادتهم عاجلاً أم آجلا حتى ولو كان إبعادهم قد حظىّ بموافقتهم في حينها..
 
هذا هو الفهم العام والوضع القانوني للإبعاد، والذي لا يختلف حوله اثنان، وإنما الاختلاف كان حول دوافع قبول الإبعاد والتذرع بمبررات الموافقة..
 
إن ثقافة القبول بالإبعاد مقابل الإفراج، هي ثقافة جديدة ظهرت وتجلت بشكل واضح خلال انتفاضة الأقصى وغدت ظاهرة، وبدأت بالتحديد منذ العاشر من أيار/ مايو عام 2002 وهو اليوم الذي أبعدت فيه سلطات الاحتلال تسعة وثلاثين مواطناً فلسطينياً كانوا قد احتموا داخل كنيسة المهد في بيت لحم وحوصروا من قبل قوات الاحتلال لمدة 40 يوماً. تم إبعاد 13 مواطنا منهم إلى عدة دول أوروبية، و 26 مواطنا أبعدوا إلى قطاع غزة، وذلك وفقاً لاتفاقية فلسطينية – إسرائيلية لم يكشف عن تفاصيلها أو بنودها لغاية اللحظة، و لم يُسمح لأي منهم بالعودة لغاية اليوم بالرغم من مرور عشر سنوات على إبعادهم.
 
ومن بعدها تكررت مرارا عمليات إبعاد الأسرى الفلسطينيين إلى الخارج أو لقطاع غزة، في إطار اتفاقيات فردية، أو صفقات جماعية كما حصل في المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى الأخيرة "وفاء الأحرار" التي أُبعد بموجبها 40 أسيرا للخارج، و163 أسيرا من سكان الضفة والقدس إلى قطاع غزة ممن كانوا يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد أو لسنوات طويلة.
 
ووفقا للأرقام فإن إجمالي من تم إبعادهم خلال الانتفاضة الأولى قد بلغ 140 مواطنا، فيما ضعف هذا الرقم تم إبعادهم خلال انتفاضة الأقصى، حيث بلغ عدد من أبعدتهم إسرائيل إلى الخارج وقطاع غزة قرابة 280 مواطناً، وأن الملاحظ أن الغالبية العظمى ممن أبعدوا خلال انتفاضة الأقصى كان إبعادهم في إطار اتفاق فردي أو جماعي.
 
إذاً نحن أمام مرحلة جديدة ومختلفة، عنوانها القبول بالإبعاد وتبريره، القبول بما كنا نرفض قبوله في المراحل التي سبقتها، بل وأن البعض صور بعض حالات الإبعاد وكأنه انتصار..
 
نعم.. هذا القبول لم يكن له وجود في المراحل التي سبقت انتفاضة الأقصى تحت أي ظرف من الظروف، وأن مجرد التفكير به كان مرفوضاً، فيما كانت الفصائل الفلسطينية والحركة الأسيرة تُصنف القبول بالإبعاد على أنه شكل من أشكال "الهروب" أو "السقوط والانهيار"، بل وأن أدبيات بعض الفصائل كانت تصفه بـ "الخيانة".
 
واستناداً لذلك فان العديد من الأسرى رفضوا الإفراج مقابل موافقتهم على الإبعاد، وتسلحوا بثقافة البقاء في الوطن ورفض الرحيل والهروب، على قاعدة أن "نار الوطن خير من جنة الإبعاد والغربة والتشرد"، وأنه سيأتي اليوم الذي سيتحررون فيه إلى بيوتهم.
 
ومن الأهمية بمكان أن نستحضر أشهر عمليات الإبعاد التي أثارت ردود فعل غاضبة من المجتمع الدولي، عندما حاولت إسرائيل إبعاد 415 معتقلا فلسطينياً خلال الانتفاضة الأولى إلى مرج الزهور في الجنوب اللبناني بتاريخ 12 كانون الأول/ ديسمبر 1992 وألقت بهم على الحدود اللبنانية، لكن هؤلاء المعتقلين رفضوا الإبعاد وأصروا على العودة إلى ديارهم وعائلاتهم وأماكن سكناهم، ونجحوا في ذلك بعد أن مكثوا قرابة عام في خيام نُصبت لهم على الحدود اللبنانية – الفلسطينية.
 
وبتقديري أن من بين الأسباب التي كانت تدفع الأسرى لرفض الإبعاد في المراحل التي سبقت إنتفاضة الأقصى، أنه كان الأمل بالتحرر والعودة للبيت والعائلة، أكبر بكثير مما هو عليه خلال انتفاضة الأقصى، وذلك في ظل كثرة صفقات التبادل التي لم تُبعد أحداً قسراً، هذا من جانب، ومن جانب آخر تعدد الإفراجات السياسية التي أعقبت " أوسلو " في إطار " العملية السلمية " والتي كفلت للأسرى المحررين العودة إلى ديارهم ومكان سكناهم.
 
فيما اليوم يرى البعض – وأنا واحد منهم - بأن القبول بالإبعاد، خير من البقاء في السجن، خاصة لمن يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد أو لسنوات طويلة، في ظل غياب أي أفق سياسي لتحررهم، وفي ظل قصور المقاومة وندرة صفقات التبادل في العقود الثلاثة الأخيرة حيث أن المدة الفاصلة ما بين صفقة 1985 وصفقة "شاليط " الأخيرة 2011 تجاوزت الربع قرن، كما وأن الأخيرة شملت إبعاد 203 أسرى للخارج ولغزة ووضعت الأسير أمام خيارين لا ثالث لهما ( السجن أم الإبعاد ) مما يعزز ويُكرس من ثقافة القبول بالإبعاد..!
 
أسئلة كثيرة تتبادل للذهن في هذه اللحظات حول أسباب قبول الإبعاد في العقد الأخير، ودوافع رفضه خلال العقود التي سبقته...
 
لكن بكل الأحوال وأياً كانت الإجابات فإن سياسة الإبعاد تبقى خطيرة على المجتمع ومرفوضة فلسطينياً وجريمة حرب وفقا للتوصيف الدولي. وأن الإبعاد لم يكن ولن يكون يوماً انتصاراً بالمعنى الحقيقي للانتصار تحت أي ظرف من الظروف، وهو ليس حلا جذرياً، وإنما حلٌ مؤقتٌ يفرز مشكلة دائمة، لكن قد تكون في ظرف ما وكاستثناء أقل ألمٍ وقسوةِ من مشاكل البقاء في السجن.
 
 أما الانتصار الحقيقي ويجب العمل من أجل تحقيقه فهو بالتأكيد يتمثل بعودة الأسرى والمبعدين كافة إلى بيوتهم وعائلاتهم وأماكن سكناهم.
 
---------
عبد الناصر فروانة أسير سابق، وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية
عضو اللجنة المكلفة بمتابعة شؤون الوزارة بقطاع غزة

التعليقات