28/05/2012 - 09:32

في مسألة العقل والتفكير!../ بن ثابت صليبا

بغياب شبكات المعلومات المتحتلنة تباعاً، وقلة المطبوعات والمنشورات ورداءة العلوم (أو عدمها) في تلك الفترة المثقلة بالجهل والغيبية من أواسط القرن 17، وصل الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596- 1650) في دراسته محركات وعلل التغيرات وأصول "المادة"، وبحثه المتواصل عن ماهية المعرفة (الحقيقة!!) إلى قناعة مؤكدة في عدم جواز اعتماد "المعرفة الحسيّة" (الاعتماد على الحواس) سبيلاً أساسيا في المعرفة الحقيقية (المؤكدة)، بالتالي وجد من الضرورة وبعد أن راودتة الشكوك حول كافة المعلومات المتوارثة، الاتخاذ من العقل والتفكير مسلكاً وحيداً لهذه الغاية! ومن هنا استنبط مقولته "أنا أُفكر، إذاً أنا موجود" التي كانت بمثابة الشعلة التي أنارت ما سمي فيما بعد عصر التنوير في القرن 18 الذي أدى إلى تغيير وجه البشرية وما زال حتى يومنا!

في مسألة العقل والتفكير!../ بن ثابت صليبا

بغياب شبكات المعلومات المتحتلنة تباعاً، وقلة المطبوعات والمنشورات ورداءة العلوم (أو عدمها) في تلك الفترة المثقلة بالجهل والغيبية من أواسط القرن 17، وصل الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (1596- 1650) في دراسته محركات وعلل التغيرات وأصول "المادة"، وبحثه المتواصل عن ماهية المعرفة (الحقيقة!!) إلى قناعة مؤكدة في عدم جواز اعتماد "المعرفة الحسيّة" (الاعتماد على الحواس) سبيلاً أساسيا في المعرفة الحقيقية (المؤكدة)، بالتالي وجد من الضرورة وبعد أن راودتة الشكوك حول كافة المعلومات المتوارثة، الاتخاذ من العقل والتفكير مسلكاً وحيداً لهذه الغاية! ومن هنا استنبط مقولته "أنا أُفكر، إذاً أنا موجود" التي كانت بمثابة الشعلة التي أنارت ما سمي فيما بعد عصر التنوير في القرن 18 الذي أدى إلى تغيير وجه البشرية وما زال حتى يومنا!

بالطبع لن نخوض هنا في الأسئلة الفلسفية رغم أهميتها وما فرضته على الفلاسفة والمفكرين منذ فجر التاريخ فيما يخص دراسة طبيعة الكون والوجود الملموس وما بعده (الميتافيزيقا) وطبيعة الإنسان وأطباعه وسلوكياته، وما أفرزته العلوم الختلفة من تعدد المدارس والآراء المختلفة بل والمتناقضة غالباً. إلا أنهم أجمعوا رغم اختلافهم على أهمية البحث والتفكير المضني في كل ما يثيره هذا الكون (الطبيعة) وبشريته من تساؤلات وعدم الأخذ في ظاهر الأشياء كحقيقة حتمية.

من هنا نعود الى زماننا حيث فائض وكثافة المعلومات (والعلوم تطورها وابتكاراتها) الواردة إلينا تفوق قدرتنا في فرزها وانتقاء الصواب من سواه، وهذا يشمل بالتأكيد معظم النواحي الحياتية (السياسية، الاقتصادية، المعلوماتية، العلمية والإعلامية، وووو!) بالتالي لا يجوز الاستكانه والسذاجة في التعامل مع المؤثرات الملتقطة كحقيقة أمر واقع. ولا ضير من إجهاد العقل قليلا في عملية قراءة وبحث وتفكير معمقة تخترق إطار المسألة العينية ذات الشأن، وذلك بغية الوصول الى نتيجة أقرب إلى الصواب بحيث نستطيع تكوين وجهة نظر متزنة أكثر ورأيا راسخاً بدرجة أعلى (حتى لو أتت مناقضةً لرأي الغالبية وسلوكهم أو كما يُسمونها اليوم في فضائياتنا الملوثَة الملوثِة "نبض الشارع"!). هذه هي منهجية التعاطي بالقضايا والمسائل المهمة خاصة إذا كنا نتكلم عن المهتمين والعاملين في الشأن العام بمجمله (السياسي الاجتماعي على وجه التحديد!).
نعم ... إنه الخيار الأصعب ولكنه هام وضروري، بالأخص إذا علمنا أن محرك التغيّرات والمستجدات الجارية على مختلف الصعد في هذا العالم تبقى خاضعة (رهينة) لمن يمتلك القوة (الدول العظمى)، المرتهن بطبيعتة إلى من يمتلك القوة الاقتصادية المستحوذة على خيرات ومقدرات الكون الطبيعية والبشرية! بالتالي ومن أجل استمرار سيطرة هذه القوة الاقتصادية وزيادة ثرائها وتأثيرها، فهي تمتلك أذرع مساعدة تطال كافة الأطر والمؤسسات السياسية والصناعية والعلمية وبالأخص الإعلامية، ولن أبالغ في هذا السياق إن أضفت اليها المجالين الرياضي والفني (وليس في عملية الاحتكار ونزع الملكية سوى أحد وجوهها؟؟ّ) وهي لن تتوانى في ممارسة كافة الوسائل والأساليب متجاوزة لكافة المعايير الأخلاقية "والقانونية" من أجل فرض هذه السيطرة، وغالباً ما تكون من خلال الترويض المبرمج المتجلي بحرف (لهو) السلوك البشري نحو المغالاة في عالم الاستهلاك وتداعياته ("الآيفون" يبقى ضمن هذا المسار!)، وحيث تفشل لا بد من استخدام القوة الجسدية (العسكرية) بديلاً في مسيرة السيطرة.

في كل الأحوال، ... ليس فيما ورد سوى ملامسة القشرة لمسألة أوسع من أن تُزج وتُختزل في مقال قصير يعتمد التبسيط مسلكاً من جهة، ومن جهة أخرى لا يعني هذا أن كافة الأمور في هذا العالم تسير وفق أهداف وأطماع هذه المنظومة، وليس جميع البشر خاضعين خانعين لمشيئتها وهم في حالة صدام مستمر كما تتجلى طوراً بصراعات هنا وأزمات بجوانب مختلفة ومتعددة هنا وهناك ... بالأخير ما أود التأكيد عليه في هذا السياق ضرورة التعامل بحذر مع كافة المعلومات والمؤثرات الواردة الينا والانتباه الشديد لمعاني المصطلحات وصيغتها، وعدم التكيّف مع الخطاب المنسجم بشكل عام وأهداف تلك المنظومة ضمن عملية "تلاعب" (manipulation) وسطوة على النقاء الذهني... فلن يُسعفنا سوى العقل ولن ينقذنا سوى البحث، القراءة والتفكير!
 

التعليقات