03/04/2013 - 11:26

حكومة هيتو الأمريكية "الإخوانية" وتقسيم سورية../ علي جرادات

وعلى غرار ما أقدم عليه "إخوان" مصر يحاول امتدادهم السوري التفرد بالقرار السياسي للمعارضة السورية مع ما ينتجه ذلك من استقطاب، (وبالتالي صراع)، فكري سياسي ومجتمعي هو في الحالة السورية أسوأ وأخطر، شكلاً ومضموناً، منه في الحالة المصرية

حكومة هيتو الأمريكية

سيان: بالنية كان أو بالنتيجة أو بهما معاً تنطوي خطوة "الائتلاف الوطني" المُسيطر عليه "إخوانياً"  تشكيل حكومة تدير "المناطق المحررة" على تقسيم سورية الدولة. وهذا ما يفسِّر تقاطع النظام مع أجنحة المعارضة الوطنية الديمقراطية في رفض هذه الخطوة التي رعتها الجامعة العربية بتوجه خليجي تقوده قَطَر، وإيحاء دولي وإقليمي تقوده الولايات المتحدة، بل، ورفضها "الجيش الحر" ورئيس "الائتلاف الوطني" والعديد من شخصياته الوطنية التي جمدت عضويتها فيه، متهمة "الإخوان"، (علناً)، بالتفرد ومحاولة اختطاف نتائج الصراع الدائر في سورية وعليها.

إذاً، مرة أخرى، وعلى غرار ما أقدم عليه "إخوان" مصر يحاول امتدادهم السوري التفرد بالقرار السياسي للمعارضة السورية مع ما ينتجه ذلك من استقطاب، (وبالتالي صراع)، فكري سياسي ومجتمعي هو في الحالة السورية أسوأ وأخطر، شكلاً ومضموناً، منه في الحالة المصرية، ذلك للأسباب الأساسية التالية:

1: لئن كان الفرع المصري لجماعة "الإخوان المسلمين" قد خطف سلطة الدولة المصرية واستحوذ عليها موحدة فإن فرعها السوري يحاول السيطرة على سلطة الدولة السورية من دون ضمان عدم تقسيمها أو تقاسمها لأمد طويل على الأقل، بحسبان أن النظام السوري ما زال يحظى بقاعدة شعبية واسعة، ناهيك عن أن تماسك مؤسساته الأمنية والعسكرية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية قد فاق كل تصور، ويحتاج فهم أسبابه، (برأيي)، إلى قراءة ملموسة ليس المجال هنا للخوض فيها، لكنها، (الأسباب)، في الحالات جميعاً لا تتعلق فقط بخصوصية بنية النظام والمعارضة ومضمونهما بما لكل منهما وما عليه، بل تتعلق أيضاً بخصوصية سورية الموقع والدور والمكانة في الواقع الجيو سياسي العربي والإقليمي والدولي، وفي واقع الصراع العربي الإسرائيلي، بخاصة، ما يجعل الصراع الدائر في سورية وعليها غير قابل للتوقف حتى لو تمت إطاحة النظام بالقوة العسكرية المدعومة خارجياً أو تمت إطاحة رأسه بالاغتيال، (مثلاً)، ذلك أن من شأن هذا أو ذاك ألا يفضي إلى استمرار هذا الصراع، فقط، بل، وربما إلى احتدامه وتمدده إلى محيط سورية العربي والإقليمي، بحسبان ما في سورية المجتمع ومحيطها العربي وغلافها الإقليمي، وفي لبنان والعراق وتركيا وإيران تحديداً، من تنوع ديني وطائفي ومذهبي وإثني وقومي، علماً أن هذه خصوصية هي، وإن كانت مصدر غنى وثراء حضاري داخلي،  فإنها ظلت مجال استعمال لم ينقطع لمخططات المستعمرين الغربيين الرامين إلى تكريس تقسيم الأقطار العربية، بل والعمل على زيادة تفتيتها بهدف إحكام السيطرة عليها، وما سياسة "الفوضى الخلاقة" سوى آخر طبعات هذه الإستراتيجية الاستعمارية ثابتة الهدف متغيرة التكتيكات والوسائل والأدوات والسيناريوهات.

2: لئن كان الفرع المصري لجماعة "الإخوان المسلمين" قد فك عرى علاقته بالحركات الشبابية الثورية والقوى السياسية الوطنية الديمقراطية المعارضة بعد إطاحة الرئيس المصري السابق، مبارك، (وإن بعد مغازلة نائبه، اللواء عمر سليمان، و"المجلس العسكري" لاحقاً)، فإن الفرع السوري للجماعة قد استعجل أمر فك عرى علاقته بنظير هذه الحركات والقوى في سورية قبل أن يتحقق إسقاط النظام أو إطاحة رأسه. الأمر الذي ينطوي على خطر تقسيم أو تقاسم سلطة الدولة السورية، وعلى تفتيت قوى المعارضة وإدخال أطرافها في حالة من الاستقطاب والصراع على جلد الدب قبل اصطياده. هذا فضلاً عما يقدمه ذلك من خدمة سياسية لا تقدر بثمن ليس فقط للقوى الخارجية التي تقودها الولايات المتحدة بتنسيق مع إسرائيل الرامية إلى تحويل سورية من لاعب إلى ملعب، بل أيضاً لحركات التكفير والتطرف والجهل والإجرام والإرهاب التي راحت تتكاثر تكاثراً بكتيرياً في جسد المجتمع السياسي والمدني السوري وما انفكت تغزوه من أربعة أرجاء المعمورة لا بهدف إسقاط النظام الحاكم، فحسب، ولكن بهدف إسقاط الدولة السورية بوصفها دولة "كافرة"، أيضاً. ويبدو أن ثمة صدى لهذا الهدف لدى "إخوان" سورية، وإن دون إعلان. ففي مقابلة مع فضائية الميادين أفصح المعارض الوطني الديمقراطي السوري، ومسؤول هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديمقراطي في الخارج، هيثم مناع، عن سر موثق بالصوت والصورة في شريط فيديو، (قال إن هيئة التنسيق ستكشف عنه في الوقت المناسب)، يؤكد أن قيادياً "إخوانياً" كبيرا التقى في تركيا مجموعة من المقاتلين لإقناعهم بواقعية نجاح خطوة تشكيل حكومة تدير "المناطق  المحررة" بالقول: "ثمة فرصة واقعية لنجاح هذه الخطوة...... فـ"حماس"، تمكنت من طرد حركة "فتح" وإقامة "دولة الحق" في غزة رغم معاداة إسرائيل ونظام مبارك لذلك.... بينما تدعم تركيا قيام مثل هذه الدولة في الشمال السوري.... وبالتالي، فإنه يجب عدم التردد في إقامة مثل هذه الدولة إلى جانب الدولة السورية القائمة لأن حسم الصراع بين هاتين الدولتين سيكون لمصلحة الأولى بسبب ما تحظى به من دعم سياسي ومالي وتسليحي عربي وإقليمي ودولي لم يتوافر لـ"دولة حماس" في غزة". ويضيف مناع أن القيادي "الإخواني" رد على تساؤل عفوي لأحد المقاتلين: "وماذا لو أدى ذلك إلى تقسيم سورية إلى دولتين"؟! بالقول: " عندها سنكون أمام "دولة الحق" مقابل "دولة الكفر" وسوف تهزم الأولى الثانية لا محالة، إن عاجلاً أو آجلاً" . هكذا إذاً بصراحة ووضوح ومن دون مواربة، وتماماً كما تقول، بل، وتمارس على الأرض، "جبهة النصرة" وأخواتها، وما أكثرها.

3: لئن كان الفرع المصري لجماعة "الإخوان المسلمين" قد خطف ثمار انتفاضة الشعب المصري واستحوذ على السلطة الناشئة عنها، وعلى أكتاف من أشعلها، عبر تنسيق غير معلن مع الولايات المتحدة وحلفائها العرب والإقليميين والدوليين، فإن فرعها السوري يحاول الاستحواذ على سلطة الدولة السورية بتنسيق وترتيب معلنين وصريحين، بل ومفضوحين، مع الولايات المتحدة وحلفائها إياهم. وإلا لكان بلا معنى اختيار غسان هيتو "الإخواني الهوى- الأمريكي الجنسية لرئاسة حكومة "الائتلاف الوطني" المعارض الذي تسيطر عليه جماعة "الإخوان المسلمين"، تكويناً وقراراً.

قصارى القول: لئن كان ثمة خطر يحيق بمصر الدولة بسبب الاستقطاب الفكري والسياسي والمجتمعي الذي أنتجه موقف وسلوك الفرع المصري لجماعة "الإخوان المسلمين" تجاه انتفاضة الشعب المصري ومطالبها في الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية، فإن الخطر الذي ينطوي عليه موقف وسلوك الفرع السوري للجماعة تجاه الصراع الدائر في سورية وعليها هو خطر أكثر كارثية. أما لماذا؟  فلأن "إخوان" سورية يريدون السيطرة على سلطة الدولة فيها ليس فقط من خلال الاستعانة الصريحة بالولايات المتحدة وحلفائها وقبل إطاحة نظامها أو رأسه، إنما أيضاً من دون ضمان عدم تقسيم سورية الدولة والهوية والجغرافيا والمواطنة، وفي أقله من دون ضمان عدم إدخال وحدة هذه الدولة في أتون صراع دامٍ طويل الأمد، علماً أن أياً من طرفي الصراع المسلح التدميري الاستنزافي في سورية وعليها لم يتمكن من حسم موضوع السلطة لمصلحته رغم مرور عامين على اندلاعه. 
  
 

التعليقات