18/05/2013 - 10:23

دين تاريخي في ذمة السياسات البريطانية../ نواف الزرو

نعتقد أن على بريطانيا ليس فقط الاعتذار، وإنما تصحيح هذه الجريمة -الخطيئة التاريخية والإستراتيجية بحق فلسطين والعرب، بل وعليها أن تدفع التعويضات المتراكمة منذ اكثر من قرن من الاستعمار والتواطؤ لصالح المشروع الصهيوني!

دين تاريخي في ذمة السياسات البريطانية../ نواف الزرو

كي لا تمر هذه الذكرى الخامسة والستين للنكبة واغتصاب فلسطين هكذا، بالاكتفاء بإحيائها بالفعاليات التي تابعناها في فلسطين وخارجها، فإننا نتذكر كي لا ننسى أبدا، أن هناك دينا تاريخيا ضخما في ذمة السياسات البريطانية، لا يمكن تصفيته أو نسيانه أو المسامحة به، وإن تقادم عليه الزمن، فالنكبات والعذابات الفلسطينية هي نتاج السياسات الإستعمارية البريطانية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وصولا إلى الراهن الفلسطيني، فبريطانيا هي صانعة النكبة الفلسطينية والضياع واللجوء، ورغم زخم الأحداث والتطورات المتلاحقة في المشهد الفلسطيني العربي الشرق - أوسطي، ورغم الأعباء الكبيرة التي يرزح تحتها الواقع الفلسطيني، ورغم النكبات المتصلة التي تنصب على رؤوس الفلسطينيين منذ عام 48، بل وفي كل دقيقة وفي كل مشهد فلسطيني، ورغم كل التضحيات اليومية للشعب الفلسطيني التي من شأنها ربما أن تشغل بال الجميع عما حصل في الماضي، إلا أننا لا يمكننا أن نغفل أساس الهولوكوست الفلسطيني المفتوح، ولا يمكننا أن نغفل ذلك الدور البلفوري البريطاني في صناعة الدولة الصهيونية والهولوكوست الفلسطيني!

وحيث تحل في هذه الأيام الذكرى الخامسة والستون للنكبة واغتصاب فلسطين، فلعلنا نستحضر في هذا السياق أهم المعطيات المتعلقة بذلك الدور والتي كنا نشرناها في مقالات سابقة، فإن نبشنا في الذاكرة الجمعية الوطنية الفلسطينية والعربية، ونبشنا في تاريخ القضية، فإننا نستحضر في مقدمة ما نستحضر ذلك الوعد البلفوري الإجرامي، وصك الانتداب وتوصيات بيل بتقسيم فلسطين، وكذلك قرار التقسيم الذي منح الصهاينة وطنا قوميا، ودولة عسكرتارية باتت خنجرا في الخاصرة العربية، يضاف إلى ذلك الدور البريطاني في العدوان الثلاثي على مصر، وعدوان حزيران/67 وهزيمة العرب واحتلال ثلاثة أضعاف فلسطين المحتلة 48، وكذلك المشاركة البريطاني في الحرب الأمريكية الاطلسية الثلاثينية على العراق 1990-1991، والعدوان الأمريكي –البريطاني على العراق /2003/ ..!
تصوروا...!

وفي كل هذه المحطات الرئيسية الكبرى في تاريخ فلسطين والعرب والمنطقة، كان لبريطانيا دائما الدور المركزي في بناء وصناعة الأحداث والمشاريع والدول، ولعل إقامة "إسرائيل" على خراب فلسطين وتشريد أهلها في الشتات تبقى الكارثة الأكبر التي حلت بنا في ظل المؤامرة البريطانية –الصهيونية!

لم تتوقف الحكومات البريطانية المتعاقبة على مدى أكثر من قرن ونصف من الزمن عن دعم وتعزيز المشروع الصهيوني والدولة الصهيونية، في الوقت الذي لم تتوقف فيه أبدا عن حبك المؤامرات وصناعة الأحداث في المنطقة لصالح تلك الدولة وعلى حساب الأمة والعروبة، بل إنه نحو قرن كامل من الدعم البريطاني المطلق لـ "إسرائيل".

وتبدأ حكاية الغرام والعشق من قبل بريطانيا بالمشروع الصهيوني و"الوطن القومي لليهود" وبـ"إسرائيل" على نحو حميمي وعلى وجه الحصر في 1917، حينما أصدر وزير الخارجبة البريطاني جيمس آرثر بلفور يوم 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 تصريحا مكتوبا وجهه باسم الحكومة البريطانية إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد (1868-1937)، يتعهد فيه بإنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين".

المؤرخ البريطاني لورد ارنولد توينبي الذي كتب موسوعة قصة التاريخ، لم يملك -كما يوثق لنا د. أسعد أبو شرخ وهو كاتب وأكاديمي فلسطيني- "سوى أن يجرم بلده بريطانيا على ما اقترفته بحق الشعب الفلسطيني وتسليم وطنهم لقمة سائغة للحركة الصهيونية"، والسبب في تجريم بريطانيا واتهامها بصراحة ووضوح وعلانية لأنها هي صاحبة وعد بلفور الذي يتبرأ منه تماماً مما جعله يشعر كمواطن إنجليزي "بالذنب وتبكيت الضمير على ما حل بالشعب الفلسطيني جراء هذا الوعد المشؤوم".

والواضح اليوم أن الحكومات البريطانية المتعاقبة لم تتعظ ولم تندم، بل هي تواصل نهجها وسياساتها الاستعمارية المتصهينة في فلسطين، فبعد أن تسببت وأنتجت تلك الدولة النكبة وقضية اللاجئين وضياع فلسطين، يأتي وزير خارجيتها الأسبق لشؤون الشرق الأوسط "كيم هاويلز" ليعيد إنتاج المشهد والدور، وليتخذ موقفا بريطانيا جديدا يواصل فيه خطى جريمة وعد بلفور للصهاينة حيث يعلن: "أن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أماكن إقامة أجدادهم "غير منطقي"، مضيفا: "من الصعب جداً أن نحل مشكلة اللاجئين التي تراكمت منذ 1948، ويجب تقبل أن التاريخ يسير، وأنها أصبحت جزءاً من إسرائيل، ولن نرى عودة للعائلات بعد الاحتلال، وهذا الحال حدث في العديد من الصراعات حول العالم".

ورأى الوزير البريطاني، "أن الأفكار القديمة والأهداف والآمال يجب أن يعاد تعريفها وأحدها مسألة عودة اللاجئين، فمنطقياً لن يعود هؤلاء الذين تركوا بلادهم في العشرينيات والثلاثينيات"، وأضاف: "تاريخياً مر أكثر من ستين عاماً، وأصبحت تلك الأماكن جزءاً من "دولة إسرائيل"، وأردف: "العملية ليست سهلة لأنها ترتبط بالهوية الوطنية"، فهل هناك جريمة أبشع من هكذا جريمة بريطانية... تلك الإمبراطورية التي منحت فلسطين وطنا لمن ليس له بالأصل وطن، ولمن لا يستحق مثل هذا الوطن على حساب الشعب العربي الفلسطيني.

نعتقد أن على بريطانيا ليس فقط الاعتذار، وإنما تصحيح هذه الجريمة -الخطيئة التاريخية والإستراتيجية بحق فلسطين والعرب، بل وعليها أن تدفع التعويضات المتراكمة منذ اكثر من قرن من الاستعمار والتواطؤ لصالح المشروع الصهيوني!

التعليقات