27/05/2013 - 12:37

كل يوم نكبة.. مخطط "برافر"../ نزار السهلي

شحيحة هي النقاشات التي تدور في الأروقة السياسية حول مفهوم النكبة المتواصل للسكان الأصليين، ويعني هذا لمن صمد داخل فلسطين ال48 من أهلنا في المثلث والجليل والنقب والقدس، إذ تقتصر المسألة في بعدها السياسي وإدارة عملية الصراع مع خطط التهويد والأسرلة على عاتق الصامدين من أهلنا داخل "الخط الأخضر" الذين وجدوا أنفسهم دون إسناد فعلي وحقيقي بعد التخلي عن قضيتهم في مرحلة ما بعد أوسلو، وهي المرحلة الأخطر إذا ما أخذنا عملية المفاوضات التي جرت طيلة عقدين كان نتاجها الأخير القبول الفلسطيني والعربي بعبارة "تبادل طفيف" للأراضي، الأمر الذي يعني عمليا المضي قدما في تمرير المشاريع الإسرائيلية القاضية بإحكام طوق النكبة بآخر فصولها وإقرار يهودية الدولة..

كل يوم نكبة.. مخطط

شحيحة هي النقاشات التي تدور في الأروقة السياسية حول مفهوم النكبة المتواصل للسكان الأصليين، ويعني هذا لمن صمد داخل فلسطين ال48 من أهلنا في المثلث والجليل والنقب والقدس، إذ تقتصر المسألة في بعدها السياسي وإدارة عملية الصراع مع خطط التهويد والأسرلة على عاتق الصامدين من أهلنا داخل "الخط الأخضر" الذين وجدوا أنفسهم دون إسناد فعلي وحقيقي بعد التخلي عن قضيتهم في مرحلة ما بعد أوسلو، وهي المرحلة الأخطر إذا ما أخذنا عملية المفاوضات التي جرت طيلة عقدين كان نتاجها الأخير القبول الفلسطيني والعربي بعبارة "تبادل طفيف" للأراضي، الأمر الذي يعني عمليا المضي قدما في تمرير المشاريع الإسرائيلية القاضية بإحكام طوق النكبة بآخر فصولها وإقرار يهودية الدولة..

المأساة المركبة التي يعيشها عرب الداخل من خط البداية لسباق ماراثوني اسمه "يهودية الدولة "و"التبادل الطفيف للأراضي". ففي الشق الأول تجري عملية الملاحقة للوجود الفلسطيني داخل أراضي ال48 من خلال عمليات مصادرة الأراضي وإقرار القوانين العنصرية التي تهدف إلى كتم الصوت الوطني، وملاحقة رموز الأحزاب العربية وفي مقدمتها حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي استشعرت المؤسسة الصهيونية مخاطر وجوده في المجتمع الفلسطيني وما يمثله من مخاطر على "يهودية الدولة" لتنبري المؤسسة الصهيونية بإصدار تشريعاتها العنصرية بحق الأرض والإنسان الفلسطيني، كان آخرها وليس ختامها قانون "برافر" القاضي بترحيل سكان النقب ومصادرة أراضيهم، أما في ملف القدس فللحكاية وجوه متعددة من العار.

العمل الحثيث الذي تقوم به سلطات الاحتلال لتطويع المجتمع الفلسطيني من خلال سن تشريعات التجنيد والخدمة المدنية مع "متلازمة" تطويق الوجود العربي في الداخل، يقابله أيضا إصرار فلسطيني على رفض كل أشكال العدوان على الهوية والأرض والتاريخ.

في الشق الثاني للمأساة، إعفاء الطرف الرسمي الفلسطيني نفسه من تبعات المواقف الإسرائيلية ومن مسؤوليته الوطنية والتاريخية حول الحق والوجود الفلسطيني في ال48 واختصار المسألة برمتها بهذا الجانب حول "حق العودة" بإشارة لفظية "حق عادل يتفق عليه الطرفان "..

أما النكبة وذكراها الموسمية فهي لا تغدو في العقل التفاوضي الفلسطيني أكثر من مسألة "إسرائيلية" داخلية، وبالتالي "كل واحد يقلع شوكو بإيدو"..الأمر ليس مقتصرا على اقتلاع شوكة الاحتلال بل على اقتلاع الصبار الفلسطيني من خلال الانسجام مع الطروحات القائلة بتبادل طفيف للأراضي.. الأمر الذي يعني احتماء الموقف الرسمي الفلسطيني من قضية عرب ال48 بمظلة أوسلو ومن ثم المفاوضات المتواصلة لتمرير وتسهيل فصول النكبة وليس العكس برفع مظلة الاحتلال والعدوان عن شعبنا في الداخل.

والأنكى أنك قد تجد حالة من التململ الساقط لكثير من "قيادات" العمل التفاوضي لحالة التحرك الحزبي والجماهيري في الداخل حول القضايا الوطنية والقومية، كونها تحرجها وتعريها، وتبرز مدى الخلل الذي ينخر عظامها، ولا تدخر جهدا في تعميق هذا الخلل وإكسابه دوما أبعادا جديدة من التساوق والتماهي مع الطروحات الإسرائيلية تحت الطاولة وفوقها. وكلها ترمي لاستئصال الوجود الفلسطيني وطرده خارج الحوزة الجغرافية والبشرية للمشروع الصهيوني الذي لا يقبل الحلول الوسط لأن مرتكزاته تقوم على نفي الآخر ماديا وتاريخيا، وما كل الطروحات الصهيونية والإجراءات المتخذة بحق الفلسطينيين في المثلث والنقب والجليل مع إعفاء السلطة لنفسها من مسؤولياتها إلا لإعادة تمسيخ وتهميش هذا القطاع من الشعبي وإخراجه من دائرة الصراع، ومنعه من الانخراط في المشروع الوطني..

لكن الهجمة الشرسة التي يتعرض لها شعبنا في الداخل أيضا تتمحور حول وعيه وفهمه لهذه المعادلة الذي وضعته في مواجهة مع المشروع الصهيوني لأنه يدرك طبيعته الطاردة والنافية لوجوده، وما يلفت الانتباه هنا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي كانت تتظاهر بالرفض إزاء قضية "المساواة" لكنها في الواقع كانت تدعم وتشجع التيارات الداعية لمثل هذه الطروحات في إطار مخططاتها الهادفة لاحتواء الفلسطينيين داخل الخط الأخضر والمنضويين تحت مسمى الأحزاب العربية المتفرعة عن الأحزاب الإسرائيلية.. فئة قليلة استطاعت أن تغرد خارج سرب تلك الأحزاب مع تشكيل وانطلاق فكر وفكرة التجمع خارج إغراءات ووعود "الأحزاب اليسارية" الإسرائيلية، ليتجاوز التجمع سقف الأحزاب "الإسرائيلية" ويحلق نحو فكرته الوطنية والقومية، لتصوب نحوه السهام الصهيونية لتحسسها مخاطر مشروعه الوطني..

اليوم تقف الجماهير العربية داخل الخط الأخضر وحدها لمواجهة مشاريع "الأسرلة" القديمة والجديدة لتثبت كل يوم أن النكبة ليست حدثا له ذكرى مرت منذ أكثر من ستة عقود، وهم يستصرخون صباح مساء لمواجهة فصول النكبة ومؤامراتها المستمرة مع كل إشراقة شمس يضع فيها المشرع الصهيوني خططته لتصفية الوجود الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والقدس، وكلها تحتاج لأكثر من تبادل طفيف ليس للأرض، إنماعلى المفاوض الفلسطيني أن يلتفت إلى شعبنا في الداخل ويستبدل ذهنيته المستسلمة ببعض من المسؤولية الوطنية المقاومة التي يتصف بها شعبنا في الداخل لإعادة تأطير فاعلية الحق الثابت والإطاحة برخاوة عقله المفاوض النائي بنفسه عن لب الصراع المتمثل بالأرض والإنسان الفلسطينيين، اللد والرملة والنقب ويافا وعكا والناصرة وشفاعمرو وطمرة والرينة وعين حوض وكفركنا وكوكب وترشيحا وكل مدن وقرى فلسطين يعيش فيها أصحابها التاريخيون الذين تعرضوا للنكبة يواجهون اليوم سياسة واجراءات عنصرية مستمرة تستهدف طمس وجودهم وهويتهم، وهم بحاجة لأكثر من عبارات تحتفي بإحياء ماضي النكبة بل بواقع اليوم القاضي بتجنيد الهمم للتصدي لمخططات أحفاد هرتزل وبن غوريون للثبات والصمود فوق الأرض.
 

التعليقات