19/06/2013 - 15:41

علماء الأمة بين الشخير والنفير../ غسان عثاملة

انطلاقا من فهمنا الفطري والأساسي للإسلام فقد كنا ننتظر ونرجو من هؤلاء العلماء التدخل المسؤول لإصلاح ذات البين ورأب الصدع، وعلى أقل تقدير أن يذهبوا إلى سوريا في محاوله مستمرة لا تعرف الملل محاولين وأد الفتنه وإطفاء نارها والتوصل إلى حل يحقن دماء المسلمين

علماء الأمة بين الشخير والنفير../ غسان عثاملة

الفتوى التي أطلقها من القاهرة "علماء الأمة "، كما يسمون أنفسهم، والتي تقضي بالجهاد والنفير ضد النظام السوري وحلفائه، تمثل تصعيدا عدائيا غير مسبوق وإيغالا في مشروع تفتيت الأمة، وقد تصبح محطة بارزة عبر التاريخ وذاك لخطورتها وتداعياتها العبثية، وسيسأل عنها كل واحد من هؤلاء العلماء والمشايخ عندما يقف أمام الخالق عز وجل. تلك الفتوى هي في حقيقتها دعوة غير مباشرة لاستباحة دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم وتاريخهم، هي دعوة وتحريض واضح على أن يقتل المسلم أخاه المسلم، هي  إذكاء لنار الفتنة التي لعن الله موقدها والتي سوف تذهب بالأخضر واليابس على حد سواء وتعيدنا إلى عصور الجاهلية والتخلف، إلى عصور ما قبل الإسلام.

انطلاقا من فهمنا الفطري والأساسي للإسلام فقد كنا ننتظر ونرجو من هؤلاء العلماء التدخل المسؤول لإصلاح ذات البين ورأب الصدع، وعلى أقل تقدير أن يذهبوا إلى سوريا في محاوله مستمرة لا تعرف الملل محاولين وأد الفتنه وإطفاء نارها والتوصل إلى حل يحقن دماء المسلمين.

على مدى أكثر من خمسة وستين عاما لم يجتمع هذا الحشد من العلماء والمشايخ ليطلقوا صرخة موحدة للنفير والجهاد في فلسطين، حيث أصموا آذانهم فلم يسمعوا استغاثات الأقصى أول القبلتين وثاني الحرمين الشريفين. لم يسمعوا صوت الجرح والعويل والبكاء الذي ملأ الفضاء صارخا  "وامعتصماه" في أرض الرباط. لقد أسمعت صرخاتنا من به صمم من أحرار العالم جراء الظلم
والاحتلال الجاثم على صدورنا، لكننا لم نسمع عندهم سوى صدى صراخنا مشوبا بشخيرهم حيث كانوا يغطون في سبات عميق،  مثلما لم نر الآلاف المؤلفة من "المجاهدين" يزحفون لنصرتنا.

لماذا أيها العلماء لم نسمع صوتكم وفتاواكم وموقفكم من التفجيرات الانتحارية التي تجري يوميا في العراق والتي تستهدف الجوامع والحسينيات والأسواق المكتظة بالمسلمين؟ لماذا صمتت شفاهكم ولم تنطقوا ببنت شفة وآلة القتل العميلة والتكفيرية تحصد كل يوم عشرات بل مئات القتلى من المسلمين بالعراق؟ لماذا لم نسمع منكم ردا أو فتوى على نحر الأطفال والشيوخ والنساء وقد شاهدتم جميعا ذلك المعتوه المشوه وهو يتباهى بما اقترفت يداه هو ورفاقه التكفيريون من جريمة  يندى لها الجبين؟ لماذا لم نسمع منكم ردا أو فتوى على تمزيق القتلى والتمثيل بأجسادهم واكل قلوبهم وأكبادهم؟ وأين أنتم من نبش قبور الصحابة وإخراج ما تبقى من أجسادهم الطاهرة من قبورهم وهدم مزارات الأنبياء في حلب؟ أين أنتم من إلقاء الأحياء من على أسطح البنايات؟ وأين انتم أيها الشيوخ والعلماء من تعرية الأسرى وضربهم بالعصي وأعقاب البنادق حتى الموت والرقص على أجسادهم؟ أين أنتم من وصية الرسول صلى الله عليه وسلم للجيش (لا تقتلوا صبيا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا ولا مريضا ولا راهبا ولا تقطعوا مثمرا ولا تخرجوا عامرا ولا تذبحوا بعيرا ولا بقرة إلا لمأكل)؟ أين فتاواكم من منظومة الأخلاق المتكاملة، هذه التي جسدها رسولنا العظيم صلى الله عليه  وسلم والتي تم تجاوزها جميعا والعمل بعكسها؟

لقد تم قتل الطفل والشيخ والمرأة والتمثيل بأجسادهم عل مرأى من العالم كله ومنكم يا علماءنا ومشايخنا فقد صمتم صمت أهل القبور. لم نسمع صوتكم الموحد وفتاواكم حول تقسيم السودان وإقامة إسرائيل جديدة في جنوبه.. لم نسمع صوتكم الموحد وفتاواكم وحشودكم فيما يجري في بورما حتى هذه اللحظة من قتل للمسلمين وإحراق بيوتهم واغتصاب نسائهم.. لم نسمع صوتكم الموحد وحشودكم وفتاواكم لفك الحصار عن غزه أو إغراق أنفاقها بمياه الصرف الصحي على يد "زلمتكم" هناك.

لماذا تتساوقون مع التقسيمات المذهبية الهدامة التي هندسها العقل الاستعماري لتفتيت الأمة؟  وكيف تقبلون أن يغلب الاختلاف المذهبي الثانوي على مصالح الأمة الكبرى، وهكذا تصبح الشيعة وإيران على رأسها أعداء للعالم السني؟

منطق الأمور يستدعي أن تحتوي الفئة الكبرى في المجتمع الإسلامي (السنة) أي تعارض ينشأ مع أقلية مذهبية، حتى ولو فرضنا جدلا أنها بغت، انطلاقا من قيم وسماحة الإسلام بحيث تسعى للصلح ورأب الصدع، لا أن يتجند المشايخ والعلماء لضخ الدماء في عروق العصبية المذهبية الهدامة. كيف يعقل أن يدعو علماء الأمة لقتل من يشهد أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله، ويستبيح تحت أي حجة حرمة دماء المسلم لكونه مختلفا معه مذهبيا أو فكريا، خاصة وأن دروس الفتنة الكبرى لم تزل ماثلة بآثارها وانعكاساتها على حياتنا حتى هذا اليوم؟

وأخيرا وليس آخرا، أقول: يا أيها العلماء ومشايخ هذه الأمة الذين لم نشهد اجتماعا لكم  بهذا العدد بأي قضية من القضايا التي تمزق الأمة وتبعثرها وتستبيح دماءها وأعراضها على طول العالم وعرضه، بينما نسمعكم اليوم في تلك الفتوى المشؤومة والتي لا شك عندي وعند الملايين من أبناء الأمة بأنكم سوف تسألون عنها يوم القيامة، أقول إنكم انتم المسؤولون عن نتائج مثل هذه الفتوى، وفي رقابكم عاقبة كل قطرة دم تراق لموحد أو أي مواطن ، اليوم وغدا، سواء في بلاد الشام أو في العالم الإسلامي عامة.
 

التعليقات