26/06/2013 - 13:35

تمخضت "نهضة" "الإخوان" فولدت مذهبية../ علي جرادات

في 21 تشرين ثاني 2012، بعد نحو نصف عام من ولايته انتهك الرئيس المصري الدستور، وتجاوز صلاحياته، عندما أصدر "إعلاناً دستورياً"، صار بموجبه حاكماً بأمره، وللدقة بأمر مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين

تمخضت

في 21 تشرين ثاني 2012، بعد نحو نصف عام من ولايته انتهك الرئيس المصري الدستور، وتجاوز صلاحياته، عندما أصدر "إعلاناً دستورياً"، صار بموجبه حاكماً بأمره، وللدقة بأمر مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين.

ربما لم يدرك الرئيس المصري أنه بذلك إنما يقصم ظهر شرعيته القانونية، ويوحد صف معارضيه، وينهي إلى غير رجعة كل إمكانية للحوار معهم، ويقسم مصر الشعب والمجتمع والفكر والسياسة والشارع إلى معسكرين: معسكر "للثورة شعب يحميها"، ومعسكر "سلطان غشوم خير من فتنة تدوم"، ويضع الدولة المصرية وأعمدة استقرارها الأساسية، القضاء والمواطنة والجيش، أمام خطر لم تعرفه في تاريخها الحديث، بحسبانها أول دولة عربية عرفت صياغة اللوائح والوثائق الدستورية الحديثة قبل ما يقارب القرنين، بل إن فراعنتها كانوا- قبل 7000 سنة- يُقسمون اليمين أمام قاضي القضاة. بذلك "الإعلان الدستوري"، وللدقة بتلك المناورة لتمرير دستور غير توافقي، وافق عليه 20% فقط من هيئة الناخبين، صارت شرعية صندوق الاقتراع للرئيس المصري مجال طعنٍ مشروعاً، علماً أنها صارت في خبر كان بغياب شرعية الانجاز، خاصة وأنها جاءت بعد، وباسم، وعلى كتف، ثورة شعبية.

هنا بالضبط يكمن سر وجوهر أزمة، بل مأزق، سلطة "الإخوان" التي عدا طابعها الاستحواذي الإقصائي بالمعنيين السياسي والاجتماعي، لم تأتِ بإنجاز يذكر على الصعيد الوطني والقومي، بل، وزادت طين مصر بلة بالمعاني كافة لدرجة أن ينتقل قطاع واسع من منتخبي "الإخوان" بسرعة قياسية إلى معارضيهم، عدا مفارقة أن جزءاً منهم صار يترحم على سلطة النظام السابق، ومفارقة أن ينفض عنهم رديفهم السلفي، حزب النور، وأن يصبح حزب مصر القوية بقيادة عبد المنعم أبو الفتوح، الخارج من عباءة قيادة "الإخوان"، بين المنادين بحل الأزمة/ المأزق بالتوجه إلى انتخابات رئاسية مبكرة. إذ على عكس توقعات الرئيس المصري و"جماعته" لم يوقف تمرير الدستور تداعيات "الإعلان الدستوري"، بل، زادها تعقيداً، وصولاً إلى ما يجري الإعداد له من تظاهرات، وربما اعتصامات، مليونية سلمية في ميادين محافظات مصر كافة في 30 حزيران الجاري، مناسبة مرور عام على تولي مرسي رئاسة مصر، كتظاهرات دعت إليها، وتشرف على تنظيمها، حركة "تمرد" الشبابية الثورية التي جعلت مطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة شعاراً سياسياً ناظماً تلتف اليوم حوله جميع ألوان المعارضة الوطنية المصرية الديمقراطية، بل وجزء من الحركات "الإسلامية" في مواجهة "الإخوان" ومن لا يزال يناصرهم "ظالمين أو مظلومين" من حركات "إسلامية" تفوقهم تطرفاً وتغذياً من الفكر السلفي الوهابي السعودي.

هنا لم يجد "الإخوان" من سبيل للدفاع عن سلطتهم غير سبيل إشهار سلاح المذهبية الفتاك بغرض كسب ود الجماعات "الإسلامية" "الجهادية" التكفيرية المتطرفة، واستجداء الدعم المالي والسياسي من الولايات المتحدة وحلفائها الدوليين والإقليميين وتوابعها العرب الخليجيين، حيث دعوا إلى "الجهاد" وفرض حظر جوي في سورية"، (المرادف لتدميرها). هكذا أعلن دون وجل أو خجل، ومن قلب أهم حواضر العرب، القاهرة، "علماء أهل السنة والجماعة" بقيادة القرضاوي، ومثلهم، وعلى خطاهم، أعلن، إنما باسم مصر الدولة ومفتاح الأمة، السيد مرسي أمام حشد جماهيري واسع من أنصاره "الإسلاميين" بغرض تأليبهم ضد معارضي سلطته السياسية الفاشلة والمترنحة، بذريعة "نصرة الشعب السوري" وحماية "أهل السنة والجماعة" من "الروافض" الشيعة العرب والإيرانيين.

هذا الموقف الخفيف المستعجل والخطير في آن ليس مفاجئاً ولا غريباً. فالسعودية كانت-لمن ينسى- أول دولة زارها مرسي بعد تسلمه منصب رئاسة مصر، ومنها- بمذهبية صريحة- غازل نظامها السلفي الوهابي التابع، حيث قال: "تحالف مصر والسعودية مهم لحماية المذهب الإسلامي السني"، ما يعني أن "الإخوان"- منذ البداية- عقدوا العزم على مواصلة سياسة مبارك الخارجية التابعة، بل الخاضعة، للسياسة الأمريكية، إنما بعد "أخونتها" ومذْهَبَتِها، خلافاً لتوجهات مؤسسة الأزهر كمرجعية دينية تعترف بالمذاهب الإسلامية كافة، ومنها المذهب الشيعي الذي تسمح بتدريسه أسوة ببقية المذاهب، وخلافاً لتوجهات مصر القومية الكبيرة في عهد زعيمها الراحل عبد الناصر القائل: "المهم أن تبقى سورية". هكذا بتسامٍ يعي أولوية رص الصف ضد "قوى الاستعمار والرجعية العربية"، رد- رغم سخطه- على جناح سوري أطاح تجربة وحدة مصر وسورية الرائدة في مهدها عام 1961.

مشكلة "الإخوان"، وللدقة مأزقهم، أنهم تقمصوا، وهم المحافظون السلطويون الاستحواذيون الاقصائيون  بطبعهم، دور قيادة  التغيير الثوري في مصر، إن بالمعنى الوطني والقومي، أو بالمعنى الديمقراطي بشقية السياسي والاجتماعي. ذلك دون أن ننسى أن التغيير المقصود هنا له مسطرته المعتمدة شعبياً، والمتمثلة في أثر التجارب السابقة من حالات النهوض الوطني والقومي والديمقراطي الباقية في ذاكرة ووجدان الشعب المصري وشعوب الأمة بعامة.

فعلى صعيد الإنجاز القومي والاجتماعي ما زالت حاضرة في المخيال الشعبي المصري والعربي عموماً إنجازات العهد الناصري بعد ثورة 23 يوليو. وعلى صعيد الإنجاز الديمقراطي بمعناه السياسي ما زالت تعيش في هذا المخيال إنجازات الحركة الوطنية المصرية بقيادة سعد زغلول في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. علماً أن ثورة 25 يناير كانت بمثابة امتداد وثمرة تاريخية لهذه التجارب، أطلقها جيل شبابي ناهض كان من المنطقي ألا يسكت طويلاً عن ركوب الإخوان المتسرع لثورته، فبادر عبر حركة "تمرد" إلى استعادة الزمام وقطعْ الطريق مبكراً على محاولات حرف الثورة عن أهدافها، لا بدعوات اصلاحية اختبرت نتائجها، بل بوعي أكثر عمقاً لضرورات التغيير الجذري، بما يعيد للثورة دورها في إحداث التغيير المنشود والمنسجم مع أهدافها المستجيبة للحاجات والمطالب الواقعية لشعب عانى الجوع فرفع شعار الخبز، وعانى الاستبداد فرفع شعار الحرية، وعانى القهر والاستغلال فرفع شعار العدالة الاجتماعية، وعانى التبعية والخضوع فرفع شعار الكرامة الوطنية والقومية والإنسانية.

   قصارى القول إن جل ما قامت به سلطة "الإخوان" على مدار عام هو إحلال الرغبات الأيديولوجية محل حقائق المجتمع والتاريخ والعصر والجغرافيا، كأنها مسلمات ينبغي على الجميع، وليس على أنصار "الاخوان" فقط، التسليم بها والانصياع لها. وكل ذلك في ظل التمسك بصنمية شرعية صندوق اقتراع يقضمها بتسارع انعدام شرعية الإنجاز الذي لم يلمسه ثوار مصر، ولا عمالها، ولا فلاحوها، ولا قاطنو عشوائياتها ومقابرها، ولا شبابها المتعطل عن العمل، ولا مثقفوها وإعلاميوها وفنانوها ومبدعوها وقضاتها، ولا مفجر ثورتها من الشباب الحالم بعهد جديد، ولا الخائفون من العطش القادم، ولا الواعون للخطر المتربص في سيناء المستباحة، ولا المتشبثون بالموقف القومي من قضية فلسطين المهمشة، ولا أغلبية لا ترى في مصر إلا كياناً يصهر كل مكوناته في بوتقة الوطن والمواطنة بعيداً عن سعار مذهبية تفتك بتاريخ راسخ من التسامح والتعايش وتقاسم أعباء بناء الوطن والدفاع عنه.

بإيجاز لقد استعجل الإخوان أمر "أخونة" مصر ومذهبتها، فجاءت ثمرة عام من حكمهم فجة مرة سرعان ما بادر شباب مصر إلى رميها، وإلى إطلاق موجة جديدة من ثورة لا تستعجل الثمر، إنما تريده ناضجاً حلواً. كيف لا وقد تمخضت وعود مشروع "نهضة مصر" "الإخواني" فولدت سعار مذهبية تفتك بمصر وشعبها ومعه شعوب الأمة كافة. قال المتنبي:
نامت نواطير مصر عن ثعالبها ...... فقد بشمنَ وما تفنى العناقيد.    

التعليقات