29/07/2013 - 13:38

أية مفاوضات وأي استكشاف؟../ د. فايز رشيد

مثلما هو مُتوقع، أسفرت جولة كيري الأخيرة عن تنازل السلطة الفلسطينية عن شروطها للعودة إلى المفاوضات، نتيجة للضغوطات التي تمارسها عليها الإدارة الأمريكية من خلال وزير خارجيتها!

أية مفاوضات وأي استكشاف؟../ د. فايز رشيد

مثلما هو مُتوقع، أسفرت جولة كيري الأخيرة عن تنازل السلطة الفلسطينية عن شروطها للعودة إلى المفاوضات، نتيجة للضغوطات التي تمارسها عليها الإدارة الأمريكية من خلال وزير خارجيتها! صحيح أن السلطة حددت موقفها من أن مباحثات واشنطن بين صائب عريقات رئيس ملف المفاوضات في السلطة وبين تسيبي ليفني وإسحق مولخو مستشار نتنياهو، ستكون عبارة عن اجتماعات قليلة بمشاركة أمريكية لاستكشاف وجهات النظر، هذا في الوقت الذي لم تتزحزح فيه إسرائيل قيد أنملة واحدة عن مواقفها المتعنتة! رغم ذلك تم تحديد يوم الثلاثاء 30 يوليو الحالي موعدا لبدء المفاوضات في العاصمة الأمريكية.

السلطة، للأسف، لا تتعلم من الدروس، فمباحثات عمّان التي أُجريت من قبل مع مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي لم تُسفر عن شيء جديد سوى المزيد من تعنت المفاوض الإسرائيلي، ورغم ذلك تذهب السلطة لاجتماع واشنطن، رغم وضوح الموقف الإسرائيلي بشكل تام، فقد أعلن نتنياهو عن رفض إسرائيل التام والمطلق لأن تكون المفاوضات مع الفلسطينيين على أساس حدود عام 1967. ليس ذلك فحسب بل أعلن وزراء حكوميون في الائتلاف الحالي رفضهم التام لإجراء مفاوضات على أساس هذه الحدود، ولإقامة دولة فلسطينية وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين المعتقلين في إسرائيل قبل توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993. لقد صرّح وزير الإسكان الإسرائيلي أوري أرييل من حزب المستوطنيين "البيت اليهودي": "إنني لن أسمح بأي إجراء من شأنه أن يجمد الاستيطان كما سأعارض إطلاق سراح الفلسطينيين القتلة. لقد قلت مراراً بأن لا حل قريبا للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ولهذا فإن ما هو متاح ومهم فعله، هو إدارة الصراع وليس حلّه".

من جانبه عبّر رئيس حزب المستوطنيين"البيت اليهودي" نفتالي بينيت عن "رضاه"من أن المفاوضات ستجري من دون شروط مسبقة من الجانب الفلسطيني، وقال بالحرف الأول الواحد "إن هذا نتيجة لإصرارنا على أن تستمر الحياة بشكل سليم، بما في ذلك استمرار البناء في القدس ويهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة). أما رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست ورئيس حزب"إسرائيل بيتينيو" الفاشي أفيغدور ليبرمان فقد صرّح قائلاً: "أنه ليس واضحاً مدى شرعية محمود عباس، ولكن على ضوء حقيقة أننا نرفض تجميد الاستيطان، ومن أجل منع مباحثات في مراحل متقدمة، فمن الأجدر إبلاغ وزير الخارجية الأمريكي مسبقاً بخططنا الاستيطانية القادمة، وهذه الخطط على وشك التنفيذ". وزير المواصلات إسرائيل كاتس المقرب من نتنياهو أكد رفضه إطلاق سراح أسرى فلسطينيين في حال تم طرح مثل هذا الأمر على الحكومة، واعتبر استثناء المفاوضات مع الفلسطينيين دون تحقيق أياً من شروطهم، إنجازاً كبيراً.

هذا غيض من فيض التصريحات التي يطلقها القادة الإسرائيليون عن المفاوضات مع الفلسطينيين التي تذهب إليها السلطة الفلسطينية، دون تحقيق أيٍّ من شروطها، بالتالي: ما هو السبب الذي حدا بالسلطة الى الموافقة على اجتماعات واشنطن مع إسرائيل؟ بالتأكيد هو: الضغوطات الأمريكية! وهذا عذر أقبح من ذنب. السلطة للأسف رغم كل ما تراكم لديها من تجربة مع الإدارات الأمريكية المختلفة، لا تدرك حقيقة واضحة وضوح الشمس: أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون وسيطاً نزيها بين الفلسطينيين والعرب من جهة وبين حليفتها الاستراتيجية إسرائيل من جهة أخرى. هي لا تملك إمكانية الضغط على تل أبيب، بل تمارسه على الجانب الفلسطيني وعلى العرب.

قبيل جولة كيري الأخيرة، تعهدت الولايات المتحدة بإيجاد خطة إنمائية للسلطة الفلسطينية بقيمة أربعة مليارات دولار، من خلال منح واستثمارات أمريكية وأوروبية وعربية. كان هذا هو"الطُعم" الذي استخدمته الولايات المتحدة لاستدراج محمود عباس إلى مفاوضات مع إسرائيل. من ذلك يتضح أن الإدارة الأمريكية: ليست فقط لا تمارس الضغوطات على إسرائيل وإنما تتبنى المواقف الإسرائيلية جملة وتفصيلاً.

جون كيري وزير خارجية الدولة العظمى الأولى في العالم، لا يعمل كمراسل فقط لإسرائيل من خلال ما يبلغه لرئيس السلطة محمود عباس من مواقف وشروط إسرائيلية، وإنما يُترجم ما يقوله نتنياهو ويحوله إلى وقائع: لقد تحدث رئيس الوزراء الصهيوني من قبل عمّا أسماه: "أولوية السلام الاقتصادي"، فهو يطمح إلى إنشاء مشاريع إنمائية أمريكية اولاً في الضفة الغربية، واستعمالها كمدخل للهيمنة السياسية، وإبقاء الاحتلال على الفلسطينيين والنفاذ من خلالهم إلى العالم العربي. هذه الخطة الأمريكية-الإسرائيلية تصب في مجرى مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الذي كان قد اقترحه شيمون بيريز رئيس الدولة الصهيونية الحالي، وبالتعاون مع خبراء اقتصاديين من كل من إسرائيل والولايات المتحدة، وتبناه الطرفان يهدف أيضاً إلى: جعل إسرائيل مكوناً رئيسياً من مكونات المنطقة إن لم يكن العامل الرئيسي الأساس.

هذا المشروع، إضافة إلى كل الأهداف السابقة، يُقفل الأبواب على الحلول السياسية العادلة للصراع الفلسطيني العربي-الصهيوني، ويكون بمثابة إلهاء للفلسطينيين عن حقوقهم الوطنية العادلة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، هذه التي ضمنتها الشرعية الدولية للفلسطينيين، من خلال قرارات صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة على مدار سنوات الصراع، منذ إقامة الدولة الإسرائيلية في عام 1948 وحتى هذه اللحظة.

للأسف، السلطة الفلسطينية حشرت نفسها في زواية المفاوضات، باعتبارها الخيار الأوحد في التعامل مع دولة الكيان الصهيوني. هذا الخيار(مثلما قلنا ذلك مراراً نحن وغيرنا) أثبت عقمه وفشله مع إسرائيل، التي استفادت وما تزال تستفيد منه وأيضا من الانقسام الفلسطيني والوضع الفلسطيني عموماً. قرارات الشرعية الدولية يتوجب اعتبارها مرجعية أساسية ورئيسية بدلاً من المفاوضات مع إسرائيل. كما أن تجاوز الانقسام والعودة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية وبناء استراتيجية جديدة في التعامل مع الكيان الصهيوني عمادها الرئيسي: هو المقاومة (.............) هي الخيار الإستراتيجي الفاعل في التعامل مع الدولة الصهيونية.. بالتأكيد ستلتف الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج من حول هذه المقاومة، وهذا ما سيجبر إسرائيل على الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية.
 

التعليقات