14/12/2013 - 14:50

ترقبوا فشل المفاوضات../ هاني عوكل

أجهل تماماً ما الحاجة لتفاوض فلسطيني ـ إسرائيلي، يتوسطه الأميركان الذين أرغموا الطرف الفلسطيني على تقديم تنازلات بشأن إعادة عجلة التفاوض من جديد، بينما ظلت إسرائيل ملتزمة بتعميق وتكريس الاستيطان، والأهم أنها تجاهر باستحالة ولادة سلام في المنطقة

ترقبوا فشل المفاوضات../ هاني عوكل

أجهل تماماً ما الحاجة لتفاوض فلسطيني ـ إسرائيلي، يتوسطه الأميركان الذين أرغموا الطرف الفلسطيني على تقديم تنازلات بشأن إعادة عجلة التفاوض من جديد، بينما ظلت إسرائيل ملتزمة بتعميق وتكريس الاستيطان، والأهم أنها تجاهر باستحالة ولادة سلام في المنطقة.

وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي كثرت جولاته، وآخرها مجيئه إلى المنطقة بالتزامن مع وصول المنخفض القطبي إلى المنطقة، هذا الوزير يبدو أنه قرر الإفصاح الحقيقي عن مجرى عملية التفاوض، التي كانت منذ انطلاقتها محاطة بسرية تامة.

قبل كيري والحديث عن بنود خطته الأمنية، كان الرئيس باراك أوباما في منتدى "سابان" بواشنطن والخاص بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، يقول إن "هناك حاجة لوجود فترة انتقالية"، الأمر الذي يعني من حديثه صعوبة تحول السلطة الفلسطينية إلى دولة وربط ذلك بالوضع الإسرائيلي تحديداً.

هذا التصريح إلى جانب بنود خطة كيري الأمنية، المتعلقة ببقاء سيطرة إسرائيل على غور الأردن لعشر سنوات، يعني أن الأميركان يوافقون على المسعى الإسرائيلي الهادف إما بإقناع السلطة الفلسطينية الذهاب إلى مربع الإملاءات الإسرائيلية، أو إحراجها لتفشل المفاوضات من طرفها وبالتالي تصبح المسؤولة عن هذا الإجراء.

أي عاقل يلاحظ على الفور أن واشنطن تريد فرض ترتيبات انتقالية على الطرف الفلسطيني، آخذةً بعين الاعتبار، إبقاء السلطة عند صفة الحكم الذاتي المراقب من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، مع عدم الخوض في بعض الملفات الحساسة والمهمة وتأجيلها.

الأهم من ذلك، أن أوباما استحضر موضوع قطاع غزة في حديثه، ولعله يقول إن أي مساعٍ للاتفاق بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي سترتكز على خريطة الضفة الغربية، وتستثني غزة من حسبة التحول الدولاني، هذا في حال وافق الفلسطينيون على الطلبات الإسرائيلية.

لكم أن تتخيلوا أن تسع جولات قام بها كيري إلى المنطقة، زائداً عليها استهلاك ما يزيد عن نصف المهلة التي حددها الوزير والمقررة تسعة أشهر، للوصول إلى اتفاق بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ومع ذلك يبدو أن البون شاسع في وجهات النظر، كما يبدو أن الطرف الأميركي لا يلتزم بصفات الحياد.

معروف عن الولايات المتحدة ارتباطها بعلاقات إستراتيجية مع إسرائيل، ولا يمكن لأي أحد أن يقتنع بنزاهة الطرف الأميركي الذي قرر أن يكون قبل كل شيء، شريكاً لإسرائيل في عملية التفاوض، ذلك أن الحديث صراحةً عن موضوع بقاء غور الأردن تحت السيطرة الإسرائيلية، يشكل ضرباً لكل الجهود المبذولة من أجل إنقاذ المفاوضات.

من بين السهام الكثيرة التي تقتل المفاوضات، موضوع الإصرار الإسرائيلي على يهودية الدولة، إذ لا يبدو أن موضوعاً واحداً فقط يشكل العقدة في المنشار، إنما هي كثيرة الملفات التي من شأنها نسف العملية التفاوضية برمتها.

لكن لماذا يفصح كيري عن ملامح خطته الأمنية في هذا الوقت بالذات؟ خصوصاً وأن الولايات المتحدة تتفهم الهواجس الأمنية الإسرائيلية وتعرف مطالبها بالكامل؟ ربما هذا الإعلان مرتبط بأكثر من جانب، لعل أولها الوضع الفلسطيني المتهالك الذي لا يستند إلى أي ظهر داخلي أو خارجي.

حقيقةً وبالنظر إلى الواقع الفلسطيني، أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه في أضعف مراحله، ولا يسمح له الانخراط في مفاوضات مع طرف معاد ويتمتع بالفحولة والقوة، والأنكى من ذلك أنه لا يوجد طرف نزيه إنما هم الأميركان الذين يدللون إسرائيل أيما دلال.

ثم إن الوضع العربي بالجملة لا يبشر بالخير، ويبدو أن ضعفه وتشرذمه هو الآخر ينعكس سلباً على قدراته الدبلوماسية وعلى القضية الفلسطينية، فهذا هو الاستيطان يبنى بوتيرة صاروخية للغاية، وبالرغم من مضاعفة ميزانية المستوطنات بعشر مرات وما يصل إلى حوالي 175 مليون دولار خلال الشهر الحالي، مع ذلك لم نسمع عن موقف يلجم إسرائيل ويوقفها عند حدها.

وعلى اعتبار أن العرب منشغلون في همومهم الداخلية، فإن ذلك يشكل المرحلة الذهبية لإسرائيل حتى تستكمل مشاريعها في الضفة الغربية، أضف إلى ذلك أن تل أبيب تخلط ملف المفاوضات بملف الاتفاق الدولي مع طهران حول الملف النووي.

قبل أيام من اتفاق جنيف الذي أغضب إسرائيل كثيراً، ضغط الأميركان على نتنياهو من أجل تجميد الاستيطان، وفعل الأخير ذلك حتى لا تفشل المفاوضات، لكنه أعاد السماح بتكثيف الاستيطان تزامناً مع التوصل إلى اتفاق دولي مع طهران.

حين لم يتمكن نتنياهو من إقناع واشنطن بضرورة التمهل وخطورة التوصل إلى اتفاق جنيف، قرر أن يستأسد ويفتح الاستيطان على غاربه، حتى يبدي انزعاجه الشديد من هذا الاتفاق الذي يعتقد أنه يحقق مصلحة إيران ويمضي بها قدماً في تخصيب اليورانيوم وصولاً إلى التمكن من صنع القنبلة النووية.

بعظمة لسانه قال نتنياهو في منتدى "سابان" إن "جهودنا للتوصل إلى السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين سوف لن تحقق شيئاً إذا نجحت إيران في صنع قنابل نووية". هذا يعني أولاً أن نتنياهو لا يرغب في تحقيق سلام مع الفلسطينيين إلا كما يريد هو، وثانياً تحاول إسرائيل العمل بقوة من أجل إفشال اتفاق جنيف بشأن النووي الإيراني.

في معرض حديثه أوضح نتنياهو سياسة إسرائيل في تعاملها التفاوضي مع الفلسطينيين وفي موقفها أيضاً من الملف النووي الإيراني، إذ تقوم هذه السياسة وفق حديث نتنياهو عن أهمية الدبلوماسية، لكن حين تكون مقرونة بشروط وعقوبات... إلخ.

بمعنى أن في الملف الفلسطيني ستنجح الدبلوماسية إذا وافق الفلسطينيون على الشروط الإسرائيلية، مع ما يترتب على ذلك من ضغط أميركي، وعقوبات إسرائيلية اقتصادية وغير ذلك. وهذا حال الموقف الإسرائيلي من الملف النووي، الذي يقوم على ترعيب وعقوبات قوية وتهديد عسكري حقيقي، حتى تنجح الدبلوماسية وتأتي أكلها.

وعلى كل حال، مستفيدة إسرائيل سواء من فشل المفاوضات مع الفلسطينيين أو من نجاحها، فإن نجحت فهذا يعني القبول الفلسطيني والتنازل لصالح إسرائيل وأمنها الإستراتيجي، وإن فشلت المفاوضات فيعني ذلك أن تل أبيب ماضية في مخططاتها العنصرية.

وطالما أن الرئيس أبو مازن مكسور الظهر لأسباب الانقسام الفلسطيني والتشتت العربي، فإنه لن يحيد عن اعتبار السلام خياره الإستراتيجي، اللهم سوى أنه سيطرق باب المحافل الدولية لاستكمال النضال الدبلوماسي، بعد أن يضيع الوقت وتفشل المفاوضات.

وشئنا أم أبينا ستسقط المفاوضات أرضاً، إن لم يكن اليوم ففي المستقبل المنظور، لأنها لا ترتكز على أرضية صلبة، ولأن أطرافها في خلاف بائن وواسع، وأحدهما مصاب بالعقم، والأهم أن اللاعب الأميركي قرر سلفاً اللعب لصالح إسرائيل ودفعنا نحو "الخوازيق".

التعليقات