16/12/2013 - 12:46

الراطنون بالمفاوضات.. و"الراسخون" بالاستيطان../ نزار السهلي

يتحدثون عن كل شيء ويسقطون حق الشعب في مقاومة محتله، وفي جوهر المسعى والموقف "المفاوضات"..

الراطنون بالمفاوضات.. و

ضجيج "التصريحات" والمواقف المفتعلة من كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حول المفاوضات لا يترك مجالاً لأي لبس أو غموض لحقيقة الوضع البائس لأصحاب مشروع "المفاوضات أولاً وأخيراً" التي انبرى لها الجانبان تسويقا وتزيينا لأوهام سرعان ما اكتشفها الفلسطيني القابع فوق أرضه والمتروك لشتاته منذ مدريد إلى الآن، فلا الأضواء بهرته، ولا ضجيج التصريحات المنمقة بدلت من واقع الحال.

لم يطل الأمر كثيرا لنكتشف كم العورات الفاضحة لمسلك السلطة الفلسطينية بالتزامن مع السياسة الإسرائيلية الحاصدة "لجوائز" المفاوضات من رصيد الحقوق الفلسطينية والعربية، بل تجاوز الأمر ما هو أخطر من توصيف سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مع ملف المفاوضات و الملتزمة بمقولة إسحاق شامير "سنجرجرهم عشرات السنين في أروقة المفاوضات"، فيما رهنت السلطة الفلسطينية مواقفها بالضامن الأمريكي والغربي وغادرت عقليتها الربط بين الخاص الوطني والعام القومي عبر تكريس مفاهيم ضيقة انتهت إلى الاستكانة إلى خيارها الأوحد "المفاوضات" مهما كانت الإجراءات على الأرض، طغيان الشعارات والمواقف الارتجالية للقوى السياسية الفلسطينية إرضاءً للذات أفقدها دورها الريادي في مواجهة سياسة الاحتلال وسلطة المفاوضات مكتفية بإصدار بياناتها الموسمية.

إن أبلغ نتائج فعل هذا المشهد "السلطوي" أنه غدر بكل تضحيات الشعب الفلسطيني منذ عقود، وارتضى لنفسه مع فصائل حركة التحرر الفلسطيني أن يكون مكونا سياسيا يتبع "سلطة المفاوضات" ماليا وسياسيا مما سهل لعبور مشروع الاستيطان المكتملة فصوله بعد "أوسلو"، نجحت إسرائيل في تفكيك بنية السلطة "الوطنية" الفلسطينية وإفراغها من مضمونها والإبقاء على حالتها الارتجالية والفارغة إلا من حالة وظيفية تسهم في حماية مشروع الاستيطان في الضفة تحت بند التنسيق الأمني الذي تقوم من خلاله سلطة رام الله بضرب أية حركة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي عبر الملاحقات الأمنية والاعتقالات والدلالة على المطلوبين للاحتلال، في هذا المقام لم تتغير تلك السياسة القائمة على ركائزها سلطة المفاوضات بالتوازي مع ثبات مشروع الاستيطان الذي تقوم على ركائزه "الدولة اليهودية"، إذاً ما الذي تعنيه مسيرة المفاوضات بالنسبة للسلطة الفلسطينية وإسرائيل؟

نحن لا نقدم إجابة ولا جردة حساب سنوات الإفادة أو الخسارة من تلك السياسة، ولا بصدد تكرار الحديث عن المشروع الإسرائيلي، لقد فاضت كل أدبياتنا وثقافتنا وتاريخنا المنكوب بتلك الإجابات المدوية كصفعات في وجوهنا وعقولنا، المصيبة اليوم أن سلطة رام الله ومن يرقد تحت أجنحتها المالية من فصائل البيانات الفلسطينية كلهم مستمرون في حالة التضليل عبر محاولات الالتفاف على خيباتهم فمنهم من يدعو لوقف المفاوضات احتجاجا على عدم التزام "الإسرائيلي"، ومنهم يدعو الى إعادة النظر فيها ومنهم من يتشدق بالمفاوضات السرية في الداخل والخارج، ومنهم من يتظاهر بالاستقالة كأنه يحمل البشارة إلى الشعب الفلسطيني بمنجزه العظيم!

يتحدثون عن كل شيء ويسقطون حق الشعب في مقاومة محتله، وفي جوهر المسعى والموقف "المفاوضات".

كل تلك المواقف تتضح صورتها على الجانب الآخر الذي تكشف وقائعه سياسة الاستيطان التي خردقت جنبات الدولة الفلسطينية التي يتوهم البعض بإقامتها وعاصمتها "القدس الشريف"، كما يحلو للبعض أن يتبع جملة الدولة بالعاصمة كتعبير عن الفخامة اللفظية كما في تعبير "حل عادل لمشكلة اللاجئين"، فيما سياسة التهويد آخذة بالاتساع طولا وعرضا، ومع ذلك يصر الراطنون بالمفاوضات على الظهور بمظهر الملتزم بوهمها بديلا عن وهم "السلام" والتهديد مرارا باللجوء للمحافل الدولية "للشكاوى" إذا لم يلتزم الاحتلال "بتعهداته" التفاوضية، نقول بإيجاز إن هشاشة المواقف الفلسطينية وانحدار حركة التحرر الفلسطيني إلى مستوى من "فصائل البيانات" المنددة لا تفيد في وقف سياسة التهويد المتسارعة لمدينة القدس، ولا تستطيع تلك السياسة أن توقف مئات من مشاريع الاستيطان للأرض الفلسطينية، ولا مواجهة الاعتداءات المتواصلة على الشعب الفلسطيني، على العكس تماما يثبت الراطنون بالمفاوضات عبر سياسة "النأي بالنفس" عما يجري لأهلنا داخل الخط الأخضر من محاولات الإذابة والتهميش والاقتلاع عبر مخططات التهويد للجليل والنقب، وهذا ليس منفصلا عن سياسة "النأي" بالنفس عما يجري للاجئين في سورية ومصر ولبنان وعبر البحار، و ما هو مؤكد في حدود قطاع غزة المحاصر بكوارث الانقسام وبين الضفة المرتهنة لتفاهمات التنسيق الأمني مع الاحتلال أن الإبقاء على سلطة جل انفعالاتها النضالية والارتجالية ترسيخ الاستيطان وإدامة الانقسام و"القتال" في المحافل الدولية وفي الغرف السرية هو لكسب الود الإسرائيلي، وهي في حالة استجابة مستمرة للضغوط الإسرائيلية والأمريكية على خلاف ما تظهره صورة الراطنون بالمفاوضات حتى لو كان تسريبا عن تهديدات أمريكية لحجب المساعدات المالية للسلطة في حال التصعيد مع الجانب الإسرائيلي، والادعاء عليه في محافل النفاق الغربي، يبقى إسقاط سلاح قوة الاحتكام للشعب الفلسطيني أهم خسارة منيت بها عقلية إدارة النضال الفلسطيني منذ عقدين، ما نراه اليوم من تلك العقلية الكارثية لسلطة رام الله ما هي إلا بوابة العبور للتطبيع مع الاحتلال من خلال الربط مع مشاريع اقتصادية وإنمائية وأمنية، يتجسد ذلك بالاتفاق الأخير الموقع بين السلطة والاحتلال والأردن لربط البحرين الميت والأحمر، وهو في سياقه الطبيعي لترسيخ سيطرة المحتل على الأرض وإضعاف الوضع الفلسطيني في مجابهة الاحتلال والإصرار على إنتاج العقم والخطأ السياسي الذي تفنن في اشتقاقه قوى سلطة المفاوضات، والغوص في رمالها أوقع المعارضة "الفصائلية" في مأزقها التاريخي المفتعلة لتناقضاتها الوهمية مع السلطة وطغيان بياناتها يدلل على القصور والعجز عن توفير متطلبات المواقف الصحيحة.

إن عدم استيعاب المتغيرات الجذرية في عالمنا اليوم، ومنطقتنا يضع حركة التحرر الوطني الفلسطيني في ذات الشرنقة والقوالب الجامدة من البيانات لن تعيد العلاقة مع جماهير الشعب الفلسطيني مع حالة الارتباك والتمزق والانقسام التي يعيشها الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية بمستوياتها المختلفة إذا ما قورنت بحجم الهجمة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني فوق أرضه وشتاته سيبقى الراطنون بالمفاوضات أسرى السياسة الإسرائيلية الراسخة بالاستيطان المثقل "بيهودية الدولة " إن استقال فريق المفاوضات أو اشتكى لغير شعبه!

التعليقات