21/02/2014 - 09:26

ولى ذاك الزمان يا رفاق.. وإلى غير رجعة../ مصطفى طه

وَلّى ذاك الزمن الذي كان فيه الحزب الشيوعي الإسرائيلي قادرًا على ان يكون "كرباج" الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني، إضافة لكرباج السلطة.. وولّى إلى غير رجعة.. نُطمئنكم

ولى ذاك الزمان يا رفاق.. وإلى غير رجعة../ مصطفى طه

اختيار أهل الناصرة بين رامز جرايسي وعلي سلام ليس التجمع من أفرزه، وترشيح الأخت حنين زعبي جاء أصلاً ليمنع مثل هذا الخيار بطرح بديل من نوع آخر يكسر الاحتكار السياسي، وما لحق بمسيرته من فساد السلطة والذي كان عنوانه إما الاحتواء أو الاستثناء، ويرفض حالة الاحتقان الطائفي، التي شكلت دفيئة لفرز البلد ليستمد كل من شقي النقيض قوته منه، وبفعله، على حساب هدم النسيج الاجتماعي، الذي يجب أن يكون مقدسًا من باب المسؤولية الوطنية على الأقل. الخيار الثالث هذا لم تقبله البلد، وأصوات المرشحين الثلاثة الذين جاؤوا لتغيير رامز الشخص والنهج فاقت الأصوات الداعمة لرامز بأكثر من خمسة آلاف صوت في الجولة الأولى، ودلت النتائج أن التغيير أصبح مطلبًا شعبيًا لأهل الناصرة، والقائمة الأهلية جزء من البلد. 

لماذا لم يسأل الشرفاء والمبدئيون بينكم مثلاً: كيف خاض دوف حنين قائمة رئاسة بلدية تل-أبيب على رأس قائمة مدعومة من إثني عشر ضابطًا في الجيش ميول بعضهم يمينية متطرفة؟!، وكيف انسحبت الجبهة من قائمة يافا، وانضمت الى تحالف يرأسه الليكود.

ولماذا لم نسمع نقاشكم حول سر "لغز" انسحاب مرشحكم للرئاسة في دير الأسد، المحامي نصر صنع الله، في الجولة الثانية ودعم أحمد ذباح، عضو كديما حاليًأ والليكود سابقًا، وصديق شارون التاريخي، والذي حسمت أصوات معسكره "برايمريز" حزب "كديما" لصالح موفاز، جزار مخيم جنين؟ وما طبيعة و"ثمن" الصفقة إضافة للقائم بالأعمال؟! ونستطيع أن نضرب عشرات الأمثلة من الماضي القريب أو البعيد حول سلوك حزبكم وجبهتكم في العديد من المواقع التي اخترتم فيها الوقوف مع الطرف المنافس للتجمع أو أي من القوى الوطنية الأخرى على الدوام.

والتجمع حين يقرر لا ينتظر وصاية من أحد، ولا يستأذن سوى قواعده وقرارات هيئاته ودائرة أنصاره، والتجمع لا يقبل بأقل من الندية كقاعدة الحد الأدنى الممكن للتعامل مع الآخر، وهذا تنازل بذاته يا رفاق، قياسًا بما اقترفتم من ظلم بحق الكثير من الوطنيين، تيارات وأفراد على مدى عقود طويلة من الزمن.

نفهم ونتفهم نفسية الحزب الشيوعي وجبهته على أثر زلزال الانتخابات المحلية الذي اجتاحهما مؤخرًا، ونقدر مدى أهمية انتخابات الناصرة بالنسبة لكم كمعقل أخير لاسترجاع القليل مما تبقى من ماء الوجه، وندرك جيدًا أنها جاءت في ظرف ذهبي لبعض قياداتكم، حين أزاحت الأنظار، ولو مؤقتًا، عن مطلب عقد مؤتمر استثنائي لاستخلاص نتائج الفشل  الذريع، ونعرف نظرية ضرورة خلق عدو مشترك، ولو وهمي، لاستجماع القوى من حولكم، ونعرف ونعرف... ولكن التجمع لن يكون فريسة ولا كبش فداء، ولن تستطيعوا!! فالتاريخ قد تغيّر يا رفاق، ولغير صالحكم كما تعلمون، فمهلاً مهلاً..

وَلّى ذاك الزمن الذي كان فيه الحزب الشيوعي الإسرائيلي قادرًا على ان يكون "كرباج" الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني، إضافة لكرباج السلطة.. وولّى إلى غير رجعة.. نُطمئنكم.

وَلّى ذاك الزمن الذي احتكر فيه إعلامكم ساحة العمل فخوّن الشرفاء، ولَمّعَ بعض المشبوهين في افتتاحيات "الاتحاد" و"الجديد" و"الغد" و"قضايا السلم والاشتراكية" "وزوهديرخ"... ولستم وحدكم في الميدان، ولن يخلو الميدان "لحميدان" بعد..

وَلّى ذاك الزمن الذي أدخل فيه الحزب الشيوعي وجبهته اصطلاحات لم تكن معروفة في قاموسنا من قبل في "حوار" المختلف من أبناء جلدتنا...

وَلّى ذاك الزمن الذي وُصفت فيه التيارات الوطنية "بالقومجيين" و"طحالب رجعية نمت في المياه الراكدة" (عن أبناء البلد)، و "همتكديمت"، و "أبناء كينج" و "جماعة آرنس" (عن الحركة التقدمية)، وغيرها من السموم ضد كل من جاء منافساً لكم في ساحة شُبّه لكم أنها حكر عليكم، و "جماهير" مجرد احتياطي أصوات ترقص على إيقاع طبولكم...

لنا أن نتصور وضع فلسطينيي الداخل اليوم لو تعامل الحزب الشيوعي بمسؤولية وطنية مع التيارات الوطنية كمنافسين لا أعداء يجب اجتثاثهم، وناقشهم سياسياً وفكرياً بأحد صيغة ممكنة، ولكن بحضارية ومسؤولية وطنية تُقدّر حجم الدمار اللاحق بثقافتنا الجمعية على الأمد الطويل بفعل هذا السلوك الاستئصالي للمختلف، ولنا أن نتصور أيضاً وضع الحزب الشيوعي نفسه لو سلك بعكس ما سلك حين كان تياراً شبه وحيد على الساحة لسنوات، وكان له الدور الأبرز في القضايا النضالية اليومية في الدفاع عن الأرض والمسكن وحقوق العاملين وتخريج الأكاديميين، وهذا الدور لا يمكن، ولا يجوز إنكاره بطبيعة الحال، مهما اختلفنا.

ما كان خلاف التيارات الوطنية معه من هذا الباب أصلاً، بل حول البرنامج السياسي الذي مثّله وتعامل مع فلسطينيي الداخل "كجماهير"، وجزء من المجتمع الإسرائيلي، واحتياط لليسار في أحسن الحالات. كان الخلاف من منطلق هوية فلسطينية رفضت أن توضع في قالب "الوطنية الإسرائيلية"، فتمردت على محاولة جعلها هوية "عرب إسرائيل" أو "جسر عبور"، ورفضت التعامل مع إعلان قيام الدولة كتجسيد "لحق تقرير المصير للشعب اليهودي" بل كمشروع استعماري يتناقض كلياً مع المشروع الوطني الفلسطيني، الذي أقيمت الدولة على أنقاضه، وليس صدفة أن تفاخرت قيادة الحزب الشيوعي حينها في إسهامها في "حرب الاستقلال"، وليس صدفة أن وقّع "مئير فلنر" على وثيقة استقلال إسرائيل فور إعلان "بن غوريون" عن قيام الدولة، أسابيع قليلة بعد مجزرة دير ياسين، وليس صدفة أن كان العلم الإسرائيلي ونشيد "هتكفا" جزءا من تراث هذا الحزب إلى زمن ليس ببعيد، ولا زال حتى اللحظة لبعضهم، في الوقت الذي كانت "القوات الخاصة" للحزب الشيوعي تهاجم بالعصي كل من تجرأ على رفع أعلام فلسطين بوصفهم "مندسين" حتى مطلع سنوات التسعينيات، وليس صدفة أن كان الحزب الشيوعي الإسرائيلي يقدم التهاني لرئيس الحكومة ومتصرفي اللواء، بما فيهم كينيج، في "عيد الاستقلال"، وليس صدفة أيضاً أن "اعترضت" قيادته على قانون التجنيد الإجباري للعرب الدروز كونه لا يشمل الفتيات، ولا يعطي فرصاً متساوية للانصهار في مؤسسة الجيش بوصفه بوتقة قادرة على صهر المجتمع، وليس صدفة أن كُتبت في بروتوكولات جلسات الهيئات الحزبية اصطلاحات مثل: "في حينه دافعنا عن "الييشوف" الإسرائيلي ونددنا بعمليات فتح الإرهابية"، وليس صدفة أن كانت قيادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي عرّابة صفقة الأسلحة التشيكية سنة 1948، وليس صدفة أن حصلت صحيفة الاتحاد على ترخيص إصدارها بعد أسابيع معدودة من تقديم الطلب بعد النكبة مباشرة، فيما بقيت حركة الأرض تصارع للحصول على ترخيص جريدة منذ تأسيسها سنة 1958 إلى أن أعلن رئيس الحكومة ووزير الداخلية "ليفي اشكول" عن حلّها وإخراجها عن القانون سنة 1965 عندما حاولت تقديم قائمة انتخابية للكنيست في نفس العام تحت اسم القائمة الإشتراكية، ونُفيت جميع قيادتها داخل الوطن وخارجه  هل صدفة؟ وليس صدفة أن هبطت قوة الحزب الشيوعي الإسرائيلي (ماكي) في الدورة الرابعة لانتخابات الكنيست سنة 1959 من ستة مقاعد إلى ثلاثة بعد الخطاب الذي ألقاه جمال عبد الناصر على أثر خلافه مع السوفييت، وهذا ليس صدفة لأن أهلنا في الداخل الفلسطيني عروبيون وطنيون بالفطرة، وكان خطاب واحد من ناصر كافيا لقلب معادلات في نفوس الكثيرين، في الوقت الذي عمل الحزب الشيوعي على إقصاء وتخوين نصف المجتمع بمحاولات اجتثاث جذور الحركات الوطنية المنافسة له...

فهل اعتبر العقلاء في الحزب الشيوعي الإسرائيلي وجبهته من الدور الذي مثل فيه "كرباج" الحركة الوطنية ولا زال؟! أما زلتم تؤمنون يا رفاق أنكم لا زلتم قادرين على تخوين كل مَنْ ليس معكم؟! ألم تستوعبوا بعد مدى عقم التفكير الذي يقسّم مجتمعه إلى ملائكة أو شياطين، ويتعامى عن أن البشر هم منزلة بين المنزلتين، فكيف يكون الشخص بينكم أربعين عامًا، ملاكًا متنورًا ويصبح شيطانًا ظلاميًا متخلفًا بلطجيًا بين ليلة وضحاها حين يغرد خارج سربكم!!

نستطيع، نعم نستطيع، أن نسهم جميعاً في رفع المستوى الهابط دون الهبوط لمستواه، ونستطيع أن نتفق ونختلف ونتناقش بأعنف صورة ممكنة، والحجة بالحجة، والوثيقة بالوثيقة، ولكن بأدب وحضارية وأخلاق ترفض تخطّي الخط الأحمر الأخلاقي في التعامل مع المختلف، والحقيقة قد تكون مؤلمة، ولكن ذلك لا يغيّر من كونها حقيقة وإنكارها ليس حلاً لمن يؤمن بضرورة نقد مسيرته بجرأة ومسؤولية في آن، وهذا ليس عيباً.

ما هذه الصبيانية القاتلة التي تستسهل إلصاق صفة "العمالة" أو "الخيانة" "والتخلف" و "البلطجية" ببعضنا البعض دون أن يرفّ لنا جفن؟! ألا تفرض علينا أخلاقنا أن نتعامل حتى مع العدو بأخلاق "المعركة"؟! فكم بالحري عند الحديث عن منافسين، لا أعداء من أبناء جلدتنا؟!

ما هذا الانحدار الذي يضرب ثقافتنا الجمعية  في الصميم على المستويين السياسي والأخلاقي من ناحية، ويوجّه السهام إلى نحور بعضنا بعضاً، والعدو الحقيقي يتربص لنا جميعاً وراء الزاوية في النهاية؟!

ألا تتطلب المسؤولية الوطنية والأخلاقية أن نُخضع الثانوي للرئيسي، ولو من باب التكتيك على الأقل، في مرحلة نتعرض فيها جميعاً للخطر، فنضع نقطة، ونقلب صفحة، ونفتح أفقاً آخر يطوي عقلية عقيمة لفظها الزمن منذ زمن؟ّ

أونستغرب حين نسأل: ما سر عزوف نصف مجتمعنا عن السياسة؟!
ومن قال إن السياسة هي فن اللعب الصبياني الذي يستعذب الحقد السادي ومحاولات التشويه المُمَنهج على الدوام؟!
وكيف تسلل هذا السلوك المهين إلى واقعِ شعبٍ أصيل، طيّبٌ بطبعه وطبيعته، أخلاقي بتربته وتربيته، عروبي وطني بفطرته؟!
ألا تستدعي المسؤولية استبدال معاول الهدم، واستحضار حجارة ركام الماضي لبناء حاضر يتهدده المستقبل لإنقاذ ما تبقى مما هو مُشرقٌ فينا وقبل فوات الأوان؟!

التعليقات