28/03/2014 - 13:07

المرحلة الحاسمة.. قاب قوس أو أدنى../ د. باسل غطاس

العنوان الرئيسي للمرحلة المقبلة سيكون التصعيد في مقاومة الاحتلال، التوجه للأمم المتحدة والمؤسسات الدولية وازدياد المقاطعة الدولية لاسرائيل

المرحلة الحاسمة.. قاب قوس أو أدنى../ د. باسل غطاس

تدخل المنطقة هذه الأيام، ولأشهر قادمة، فترة دقيقة تتجه فيها للحسم في عدد من القضايا الهامة التي ستؤثر على مستقبل المنطقة وشعوبها.

هذا الأسبوع (29\3) من المفروض أن تقوم الحكومة الاسرائيلية بإطلاق سراح الدفعة الرابعة والأخيرة من الأسرى المحكومين من قبل توقيع إتفاقية أوسلو، وكل الدلائل تشير إلى محاولة حكومة نتانياهو التملص من التزاماتها في هذا الاتفاق أو على الأقل التملص من إطلاق سراح الأسرى من عرب الداخل، حيث مع صدور هذه الكلمات كان من المفروض أن تكون الاستعدادات لإطلاق سراح الأسرى على قدم وساق، ولكن الأمور كما يبدو تتجه للتسويف والتأخير ومحاولة جعل الموضوع مربوطا بمثل مصير المفاوضات الحالية بين إسرائيل والفلسطينيين وفيما إذا كانت ستتجدد أم لا، وهناك كما يبدو محاولة إسرائيلية في اللحظة الأخيرة لإبتزاز تعهد أمريكي لإطلاق سراح جوناثان بولارد، الجاسوس الاسرائيلي في أمريكا، كجزء من الرزمة.

في كل الأحوال عدم إلتزام إسرائيل بإطلاق سراح الدفعة الرابعة سيشكل خرقا فاضحا للتعهدات الدولية، وسيعني بالضرورة تصعيد في الاحتقان والغضب الشعبي. المفاوضات الجارية تقترب من نهاية فترتها المحددة في الشهر القادم وهي تسير برعاية أمريكية مطلقة مع شبه تغييب لدور الرباعية. وتحولت الرعاية إلى تدخل مباشر فيها بواسطة جون كيري وزير الخارجية ومحاولة فرض تصور أمريكي جديد للحل الدائم يتماهى تقريبا مع كل المطالب الإسرائيلية ويعتبر حتى أقل من مخطط كلينتون الذي رفضه الفلسطينيون عام 2000 قبيل انطلاق الانتفاضة.

احتمال الاستجابة الفلسطينية للمطلب الأمريكي بالدخول في دورة مفاوضات جديدة ضعيف، خاصة بعد قرارات مؤتمر القمة العربية في الكويت والتي رفضت مجرد التعامل مع المطلب الإسرائيلي بالاعتراف بيهودية الدولة كشرط أساسي لأي اتفاقية سلام، والعودة للتأكيد على خطة السلام العربية.

وكذلك فإن تصاعد وتكثيف البناء الإسرائيلي في المستوطنات في ظل المفاوضات يضيق هامش المناورة لدى القيادة الفلسطينية، ويجعلها في وضع لا تستطيع معه الاستجابة للضغوط الأمريكية للاستمرار في المفاوضات العبثية. هذا يعني بالضرورة اقتراب لحظة الحقيقة ودخول المنطقة إلى مرحلة خطيرة من انسداد الأفق السياسي.

على المستوى الإسرائيلي الداخلي استطاعت الحكومة الحالية التغلب على خلافاتها الداخلية وتمكنت من تمرير رزمة قوانين حققت لمركبات الائتلاف الحكومي ما كان في صلب البرنامج الإنتخابي لكل منها. هذا يعني أن الائتلاف الحالي كان قويا بما فيه الكفاية للتعامل مع القوانين العنصرية ضد العرب سواء قانون برافر أو قانون رفع نسبة الحسم وغيرها. ممكن القول إنه في هذا المضمار قام الائتلاف الحكومي بإنجاز ما قام لأجله، وأنه استنفذ نفسه بهذا السياق. ولكن هل هذا الائتلاف سيكون قادرا على الصمود في مرحلة انسداد الأفق السياسي والجمود القادمة؟ هل ستستطيع هذه الحكومة التعامل مع المستجدات التي ستحدث بلا ريب بعد توقف المفاوضات وازدياد الاحتقان الشعبي والغضب وأعمال المقاومة ووصول السلطة الفلسطينية أيضا إلى ما يشبه نهايتها مما يعني بالضرورة تصاعد الضغوط الدولية وازدياد الدعوات بمقاطعة إسرائيل.

من غير الواضح مدى تماسك الائتلاف الحكومي الحالي في هذه الظروف، ويعتمد ذلك على عدة عوامل أهمها موقف حزب "الحركة بقيادة تسيبي ليفني"، وهو باعتقادنا الحلقة الأضعف في الإئتلاف، وبحسب تصريحات ليفني، فإن السبب الرئيسي لانضمامها للإئتلاف الحكومي هو العملية السلمية، ففي حال انسحبت ليفني من الحكومة سيظل لنتانياهو أغلبية ضئيلة وهذا يعني زعزعة وتصدعا كبيرا في الحكومة،لا أعتقد أنه يمكنها الاستمرار لفترة طويلة في الحكم بغالبية 62 عضو برلمان فقط.

طبعا سيتأثر قرار ليفني شخصيا بالموقف الأمريكي ودرجة "اللوم الأمريكي" لإسرائيل على تعثر المفاوضات، وعلى الاستمرار في البناء في المستوطنات، فازدياد التوتر في العلاقات الأمريكية الاسرائيلية سيؤثر بالتأكيد على قرار ليفني وحزب "الحركة" بالانسحاب من الحكومة.

لا أرى في المرحلة المقبلة، على خطورتها ودقتها، تحركات سياسية هامة أو مفاجئة على الساحة السياسية الحزبية الداخلية باسرائيل فحزب "يش عتيد"، وهو الحزب الثاني المرشح للخروج من الائتلاف الحكومي في حالة انسداد الأفق السياسي، يعاني من حالة تدهور شديدة في شعبيته وغير معني في الفترة القادمة في انتخابات جديدة وانتقاله للمعارضة لن يفيده في ترميم صورته. وأكثر ما يخشاه لبيد أن يكون هو حلقة ثانية ومثيرة للسخرية للبيد الأب الذي وصل مع حزبه "شينوي" إلى المشاركة في الحكم مع شارون بدون المتدينين تماما كما فعل لبيد الابن، ثم اختفى الحزب تماما من الحلبة السياسية في الانتخابات التي تلت.

حزب الليكود يتمترس بمواقف غاية في التطرف اليميني الاستيطاني، ومن الممكن القول إن المستوطنين يقبضون على الحكم في إسرائيل بواسطة الليكود أكثر من البيت اليهودي. وتمكن هؤلاء من الحصول على تأثير كبير في مركز حزب الليكود وهم يقررون من يمثل الليكود في الكنيست ومن ثم في الحكومة. هكذا نجحوا في الانتخابات الأخيرة من إقصاء شخصيات ليكودية تتمتع بشعبية كبيرة ولكنها عقلانية مثل بيني بيغين ومريدور وريفلين. ويطوق هؤلاء نتانياهو من اليمين ويحاصرونه من قلب حزبه بحيث لا يستطيع أن يقوم بخطوة واحدة جدية باتجاه الحل السلمي المبني كما قال على أساس حل الدولتين.

الليكود لا زال ضد حل الدولتين، وكل ما يقوم به نتانياهو هو مناورات دولية لإدارة الصراع كما أسهبنا بشرح إستراتيجيته في ذلك في مقالات سابقة. هذا يعني عمليا أن مصير المفاوضات محتوم ومعروف سلفا فإن نتانياهو وحكومته الحالية لا تريد ولا تستطيع حتى لو أرادت أن تتقدم ولو خطوات باتجاه حل يرضي الطرف الفلسطيني بالحد الأدنى، وعليه فإن دخول المنطقة في مرحلة انسداد الأفق السياسي هي مسألة وقت، قد تكون أسابيع إذا فشل كيري في إيجاد صيغة ما مرضية للطرف الفلسطيني لتمديد فترة المفاوضات أو لأشهر قليلة بانتظار انتهاء جولة إضافية من مفاوضات عبثية.

العنوان الرئيسي للمرحلة المقبلة سيكون التصعيد في مقاومة الاحتلال، التوجه للأمم المتحدة والمؤسسات الدولية وازدياد المقاطعة الدولية لاسرائيل.
 

التعليقات