09/08/2014 - 10:21

ما بعد بعد غزة../ باسل غطاس

مرحلة ما بعد غزة البطولة والصمود لن تكون كما قبلها بالتأكيد، والنتائج محكومة بأداء الفلسطينيين بالأساس

ما بعد بعد غزة../ باسل غطاس
لم تضع الحرب على غزة أوزارها نهائيًا بعد، وغبار الدمار الوحشي للعدوان الإسرائيلي لا يزال يطغى على المشهد، التطورات لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها استئناف الحرب، وإن كنا نرجح تمديد التهدئة وصولا لوقف إطلاق نار متفق عليه قريبا. عليه فمن المبكر إجراء تلخيص نهائي وشامل للحرب ونتائجها. ومع ذلك فمن الضروري في هذه المرحلة بالذات التي تجري فيها المفاوضات في القاهرة تحليل وفهم مركبات الوضع الحالي خلال التهدئة الأولى لـ72 ساعة التي اتفق عليها الأطراف، فهذا من شأنه توضيح إمكانيات الطرف الفلسطيني في تحصيل أفضل النتائج وصولا ليس فقط لفرض شروط المقاومة بفرض وقف إطلاق النار الدائم، وإنما بتوفير العوامل المحلية والإقليمية والدولية لتحقيق الشروط لإنهاء الاحتلال والفصل العنصري والتوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية.
 
إسرائيليًا:
 
مركبات الوضع الحالي وبعيدًا عن التسميات المحببة إعلاميا من انتصر ومن انهزم في هذه الحرب هي كما يلي:
 
• القوات البرية انسحبت تمامًا من القطاع، بحسب المصادر الإسرائيلية، وإن كانت لا تزال تتمركز على الحدود مع القطاع؛
 
• الجبهة الداخلية لا تزال متأهبة وتعيش حالة من عدم الاستقرار والخوف، وإن كانت في المنطقة الأبعد عن الحدود قد بدأت في العودة إلى طبيعتها تدريجيًا. حالة التوتر الشديد التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي لا تزال في أوجها، وتتطلع إلى انفراج سريع ينقذ ما بقي من الإجازة الصيفية للإسرائيليين ويجعلهم يتحضرون للسنة التعليمية المقبلة؛
 
• الأضرار الاقتصادية هائلة، وهي أكبر بكثير مما صرح به حتى الآن، والاقتصاد كله في حالة من الترقب، وهذا يعني خسائر مباشرة نتيجة الحرب بمقدار يتجاوز عشرة مليارات شيكل، وخسائر غير مباشرة ستتمثل في تباطؤ الاقتصاد وهبوط مداخيل الحكومة من الضرائب، مما يعني زيادة العجز والاقتراض وزعزعة في التصنيف الإئتماني، وهذا سيترجم إلى خسائر بعشرات مليارات الشواقل في السنوات القليلة المقبلة. في حالة إطالة أمد الحرب سيكون الاقتصاد الإسرائيلي مرشحًا لخسارة عقد كامل من النمو مثلما حدث بعد الانتفاضة الثانية؛
 
• الحلبة السياسية في إسرائيل تشهد تيارات عنيفة لا تزال كلها تحت السطح، ولكنها ستظهر بقوة قريبًا وهذا ما يعلمه نتانياهو، وهو يعرف أنه موجود بين خيارين كلاهما مر وسيؤدي إلى اقتراب نهايته السياسية. الخيار الأول التعنت في المفاوضات والإصرار على إظهار إنجاز سياسي يستطيع تسويقه إسرائيليًا على أن الحرب حققت أهدافها، وهذا يعني المخاطرة بعودة الحرب إزاء إصرار المقاومة والطرف الفلسطيني على شروطها. الخيار الثاني القبول بشروط المقاومة برفع الحصار وتوسيع مناطق الصيد، وإطلاق سراح السجناء مقابل تحقيق تهدئة لفترة طويلة من الزمن. نتانياهو خاسر في كلا الخيارين حيث ستتضح الهزيمة العسكرية والسياسية لتصرفه الأحمق في الحرب، وفي انهيار كل عوامل وإستراتيجيات إدارة الصراع التي اتبعها في السنوات الست الماضية.
 
إقليميًا ودوليًا:
 
• مع نجاح إسرائيل في إدارة المعركة الدبلوماسية لصالحها في البداية فقد فقدت إسرائيل بسرعة التفهم والتأييد الدولي إزاء مسلسل المجازر الدموي وجرائم الحرب التي ارتكبتها وهي تقف الآن في موقف حرج جدًا دوليًا، خاصة على مستوى الشعوب والمنظمات المدنية، وفي نفس الوقت تعود القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني عادلة إلى قلب الضمير العالمي، وستواجه إسرائيل موقفا صعبا بالعودة إلى مرحلة المراوحة والتسويف في الوصول إلى حل دائم وانهاء الاحتلال. أي أن تجدد إطلاق النار والعودة للقصف الجوي العشوائي وقتل المدنيين سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعش الدبلوماسية الإسرائيلية والقضاء التام على ما اعتمدته إسرائيل تاريخيا من لعب دور الضحية بينما كانت هي الجلاد. وفي كل الأحوال فعلى صعيد المنظمات الدولية الرسمية يجب ملاحقة إسرائيل لمعاقبتها على جرائم الحرب التي ارتكبتها، ويجب أن يرتعد خوفا كل ضابط إسرائيلي من رئيس الأركان حتى آخر الطيارين وضباط المدفعية والمدرعات من مصير مشابه لمجرمي الحرب في رواندا والبوسنة. لن يكون هذا سهلا مع قوة ونفوذ اللوبي اليهودي في كل مكان إلا أن دم الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين يغطي وجوههم وأياديهم وسيظل يلاحقهم إلى يوم الدين؛
 
• إسرائيل تراهن على نشوء محور "معتدل" يشمل إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر والسعودية، ولكن هذا المحور هو وهمي في العقلية الإسرائيلية التي تفكر بشكل "صليبي"، ولا تتعلم من التاريخ، فقوة الحق الفلسطيني من ناحية، وصمود المقاومة على الأرض من ناحية أخرى، سيجعلان إقامة أي محور من هذا النوع أضغاث أحلام حتى لو كان هناك التقاء لمصالح بعض الأنظمة العربية مع إسرائيل لفترة زمنية محددة.
 
فلسطينيًا:
 
• نقاط القوة كثيرة، أولها الصمود على الأرض، وإن كان بثمن إنساني ومادي باهظ. هذا الصمود هو ما أدخل إسرائيل إلى المأزق الذي بينا مركباته سابقا، وهو، وفقط هو، سيكون الورقة الأقوى في يد القيادة الفلسطينية؛
 
• ثانيها الذهاب إلى القاهرة بوفد فلسطيني موحد وتحويل مطالب المقاومة إلى مطالب الشعب الفلسطيني، وهذا بدأ يؤتي ثماره أولا ببدء تعديل في الموقف والسلوك المصري الذي سيلعب دورا مركزيا خلال المفاوضات؛
 
• تبني إستراتيجية فلسطينية تقوي وتوطد المصالحة الوطنية وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية، وأولها منظمة التحرير الفلسطينية، وتعيد اللحمة لقضية فلسطين، وتقطع الطريق على أي محاولة إسرائيلية - أميركية بتحويل غزة إلى قضية منفصلة لا علاقة لها بإسرائيل أو بالضفة الغربية والقدس، والتعويل على أن تقوم مصر بتوفير الحل الجغرافي والاقتصادي لها. ينبغي فرض إعادة الوحدة والتواصل الجغرافي والإنساني بين القطاع فورا، وأن يكون هذا من ضمن تفاصيل رفع الحصار عن قطاع غزة.
 
مرحلة ما بعد غزة البطولة والصمود لن تكون كما قبلها بالتأكيد، والنتائج محكومة بأداء الفلسطينيين بالأساس.

التعليقات