12/11/2014 - 16:48

الدولة تعلن الحرب على مواطنيها../ بكر عواودة

أثبت المجتمع العربي أنه جاهز للسير خلف قيادات تحميه وتقوده إلى تحقيق الحقوق والكرامة، وأكدت الاحتجاجات الأخيرة والإضراب الناجح مدى جهوزية الناس للنضال

الدولة تعلن الحرب على مواطنيها../ بكر عواودة

لم يكن قتل الشهيد خير حمدان حدثا استثنائيا في مشهد العلاقات الموتور والمتصاعد نحو الاصطدام بين الدولة ومواطنيها العرب، فقد سبقه عشرات الشهداء ممن قتلوا بدم بارد على أيدي الشرطة الإسرائيلية منذ أحداث هبة القدس والأقصى سنة 2000، إلا أن وجود كاميرات مراقبة وثقت عملية الإعدام الميداني وظهور هذا التوثيق متأخرا بعد أن بثت الشرطة ادعاءتها الكاذبة المعتادة هو الاستثناء غير الاعتيادي حيث فضح التوثيق على الملأ سياسة ممنهجة في القتل العنصري والتبرير المؤسساتي المبرمج والجاهز لإدانة الضحية على طريقة جنوب أفريقيا العنصرية إبان الأبرتهايد أو قل على طريقة تعامل البيض مع السود في أميركا.

استثناء تقني رافقه حظ في توقيت النشر المتأخر لشريط الفيديو، كان كافيا ليؤكد للمواطنين العرب ما عرفوه دائما في كينونتهم، ولكنهم لم يعوه أبدا في كيفية ووحشية حصوله. هذا التوثيق القصير سرد قصة ومكانة المواطن العربي الحقيقية في عيون حكومات إسرئيل التي لم تبرح قيمة قرش شيدمي السفاح منذ مذبحة كفرقاسم.

وهنا يجب التنويه، كشاهد عيان ومتابع، أن انتشار شريط الفيديو في الساعات الأولى أشاع بين الناس في البداية حالة ترقب مشحونة بالغضب والاحتقان، ولكن هذه الحالة لم تتطور إلى مواجهات بل كان الترقب والانتظار سيد الموقف، حيث كانت هناك توقعات واسعة بين أوساط عديدة من الناس أن الشرطة ضُبطت هذه المرة بالجرم المشهود مع إثباتات قاطعة، وأنه لا محالة سينال المجرمون عقابهم. وكانت الناس تتوقع بيان من الشرطة يقدم الاعتذار ويتوعد رجال الشرطة بالمحاكمة، إلا أن الشرطة أمطرتنا ببيانات مضللة ومتناقضة وكاذبة فكانت كمن وقع في فخ، وكلما أمعنت في الشرح زادت الطين بلة. هذه البيانات وحضورها الاستفزازي المكثف إلى كفركنا، صدم المجتمع العربي عامة، وأهالي البلدة خاصة، حيث تقمصت الشرطة جملة وتفصيلا العمل بالمثل العربي 'أحشفا وسوء كيلة '، وحولت حالة الترقب إلى مواجهة مباشرة وعنيفة.

كلمات الدعم والتشجيع للقتلة من قبل رئيس الحكومة ووزرائه أثبتت للداني والقاصي أن المجرم الحقيقي ليس الشرطي، ربما الشرطي هو رأس الحربة، وليس أكثرمن أداة تنفيذ تقنية، المجرم الحقيقي هو منظومة الأخلاق والقيم والمعايير التي يتحلى بها هذا النظام وقادته في التعامل مع المواطنين على أسس عنصرية لا مثيل لها في العالم. الطلقات القاتلة التى أسقطت الشهيد أرضا لم تقتله وحده فحسب بل قتلت وأسقطت ادعاءات الدولة حول ديمقراطيتها، وأظهرت على الملأ التناقض الكامن بين يهوديتها وديمقراطيتها، يكفي لمن يتمعن شريط الفيديو ليرى كيف تم سحب خير حمدان وجره وهو ما زال جريحا، وكيف تم رميه بالسيارة ليتأكد أن الشرطة لم تتعامل مع مواطن ولم تدافع عن نفسها بل قتلت عدوا وتعاملت معه بعد أن جرحته كعدو وتركته ينزف في السيارة. بالنسبة للكثيرين فإن مشهد سحب خير حمدان بعد سقوطه أرضا جريحا أشد وأصعب من عملية إطلاق النار، لأنها تثبت الإصرار والترصد ودرجة الحقد العالية.

لا يخفى على أحد أن رئيس الحكومة نتنياهو يرى في إشعال النار العنصرية وتفشيها تجاه العرب فرصة تاريخية لربح الانتخابات القادمة، فبعد أن تمحور النقاش خلال الأسابيع الماضية حول سعر الميلكي في برلين وتل أبيب، وعن هجرة اليهود إلى برلين، وعن فشل السياسات الاقتصادية، اختفى بلمح البصر هذا النقاش واختفى معه كل المحللين الاقتصاديين وظهر مكانهم محللون أمنيون، وهذا ما يحتاجه نتنياهو للمرحلة القادمة خاصة أن رياح الانتخابات بدأت تلوح في الأفق، فلا يمكن لملمة وجمع المعسكر اليميني بدون عدو، وها هو يخلق عدوا من الداخل، ولهذا فأنا اعتبر أن تصريحات نتياهو خطيرة، واعتقد أنها ستستمر وستتصاعد لأنها تخدمه أولا في الانتخابات، وهذا بحد ذاته أمر خطير، ومؤشر على هشاشة النظام، وانعدام القانون الذي يحمي المواطنين غير اليهود في الدولة.

وماذا بعد؟ هل ستمر الجريمة بعد أيام الغضب؟

بات واضحا أننا أمام واقع جديد ومكشوف لا رتوش فيه، فهذا الحدث كشف ديمقراطية إسرائيل الزائفة وكشف معاييرها المزدوجة في تعاملها الإثني والعنصري. فها هو الأبرتهايد يتجسد أمام أعين العالم، فهم يَقتُلون ويَضحَكون ومن ثم يَتِهمون الضحية وبوقاحة حتى عندما تثبت الأدلة القاطعة عكس ذلك. وهذا الأمر يضع المسؤولية في أيدي الضحية فلا يمكننا توقع العدالة من هذا النظام، بل علينا تحصيلها والسعي لتحقيقها. وهذا ما تنتظره الناس من القيادات. الخطب التي ألقيت خلال المظاهرات وأعقبها بيان لجنة المتابعة بأنهم مزمعون على ملاحقة المجرمون هو أمر مهم، ولكن يتوجب متابعة خطوات المتابعة والقيادات وتوثيقها بموضوعية، فأكثر ما يضر بنضالنا هو الخطابات بدون رصيد حيث أن كثرتها وقلة العمل يفقد العمل السياسي شرعيته وجدواه بين الناس.

أيضا إننا أمام واقع تم تشريع قتل العربي لكونه عربيا، وهذا يحتم بناء آليات وإستراتيجيات نضال جديدة تتفق عليها مؤسسات المجتمع السياسية والاجتماعية. لا يمكن الاستهانة بما حدث، ولا يمكن أن نستمر بنظام الفزعات والاحتجاجات لبضعة أيام ومن ثم تطوى الملفات وتنسى. يتوجب على القيادات السياسة تجميع الخبرات المهنية والميدانية وتنظيمها، وبناء خطة عمل ممنهجة لصد الهجمات العنصرية ولفضح هذه السياسات دوليا ومحليا. لا يمكن أن تكتفي القيادات السياسية بالشجب والاستنكار، بل يجب أن تعمل على تنظيم المجتمع وبناء مؤسساته القاعدية للتصدي والصمود وهذا يحتاج إلى جهود كثيرة وإلى تجاوز الخلافات بين الأحزاب والحركات، وربما هذا يحتم علينا اليوم أكثر من أي وقت ترتيب أوراق لجنة المتابعة، وإعادة صياغتها لتكون ليس جسما تنسيقيا بل قلعة دفاع فاعلة ومتداخلة مع المجتمع والقيادات الميدانية واللجان الشعبية والحركات الشبابية. فأكثر ما نخشاه أن تمر هذه التضحيات الجسام دون تحقيق أي هدف من الأهداف المعلنة، وأقلها محاكمة القتلة وإقالة وزير الأمن الداخلي، وتغيير معاير التعامل مع العرب. فعندها أخشى أنه ستكون خسائر المجتمع المستقبلية من ناحية مناعته وحصانته وثقته بأبنائه كبيرة وغير قابلة للتعويض.

أثبت المجتمع العربي أنه جاهز للسير خلف قيادات تحميه وتقوده إلى تحقيق الحقوق والكرامة، وأكدت الاحتجاجات الأخيرة والإضراب الناجح مدى جهوزية الناس للنضال، حيث باتت قناعات الناس راسخة بأنهم يعاملون من قبل الدولة على أساس أنهم أعداء، وهذه نقطة انطلاق أولية لتنظيم الاحتجاجات وتدريجها بطريقة مدروسة ونقطة انطلاق لإعادة مفاهيم العمل الوطني والتطوع الأهلي والتكافل الاجتماعي إلى المجتمع نحو تحقيق العدالة والعيش بكرامة. 

التعليقات