04/12/2014 - 22:08

مغامرة نتنياهو محسوبة/ د. إمطانس شحادة

قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو بإقالة وزير المالية يائير لبيد ووزيرة القضاء تسيبي ليفني، وتقديم موعد الانتخابات العامة للكنيست، لا يخلو من مغامرة شخصية وحزبية بالنسبة لنتنياهو وحزب الليكود، للوهلة الأولى على الأقل، إذ لا ي

 مغامرة نتنياهو محسوبة/ د. إمطانس شحادة

قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو بإقالة وزير المالية يائير لبيد ووزيرة القضاء تسيبي ليفني، وتقديم موعد الانتخابات العامة للكنيست، لا يخلو من مغامرة شخصية وحزبية بالنسبة لنتنياهو وحزب الليكود، للوهلة الأولى على الأقل، إذ لا يمكن لأحد أن يضمن نتائج الانتخابات المقبلة ولا مجريات الحملات الانتخابية. فلكل معركة انتخابية ديناميكيتها الخاصة. لكن متابعة معمقة للتحولات في المشهد السياسي الإسرائيلي ومواقف المجتمع الإسرائيلي، وهي غير غائبة من حسابات نتنياهو ومستشاريه الذين يعوا تماما التحولات السياسية والديموغرافية والأيديولوجية التي مر بها المجتمع الإسرائيلي في العقدين الأخيرين، والمزاج السياسي الشعبي الحالي، بإمكانها أن توضح أن هذا القرار عقلانيا إلى حد ما، خاصة في غياب فرصة لتشكيل حكومة بديلة بمشاركة الأحزاب الحريدية وشاس. 

فاز معسكر اليمين بـ6 دورات انتخابية من أصل 8 منذ العام 1992 ولغاية العام 2013 (يشمل الانتخابات الخاصة لرئاسة الحكومة في العام 2001)، وجاءت هذه الانتصارات لتعكس إعادة تموضع الأحزاب في الخارطة السياسية الإسرائيلية وإعادة ترسيم حدود الإجماع السياسي. وأدعي في هذه المقالة أن التحولات السياسية في المشهد الإسرائيلي، خاصة نتائج انتخابات 2013، تعكس نمو توافق سياسي نيو-صهيوني (الصهيونية المحافظة)، في مسألة هوية ووظيفة دولة إسرائيل، ومسألة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية، وحول النظام الاقتصادي من جهة، وبروز تصدعات جديدة، تدور حول مكانة الأحزاب الدينية المتزمتة والمجتمع الحريدي، وموضوع تقاسم العبء (أمنيا واقتصاديا) من جهة أخرى. ففي حين يفسر التوافق النيو-صهيوني الجديد استمرار انتصار واستقرار حكم معسكر اليمين ويمين الوسط في إسرائيل في العقدين الأخيرين، يفسر التصدع الجديد التغيرات في قوة الأحزاب داخل معسكر اليمين ويمين الوسط. ينعكس هذا الإجماع في البرامج السياسية للأحزاب الإسرائيلية المركزية وفي مواقف المجتمع الإسرائيلي. طبعا لا يفسر هذا التحول وحده نتائج الانتخابات وهناك عوامل إضافية، منها شخصنة الانتخابات البرلمانية وتقييم الأداء والهويات، إلا أن هذا الجانب مركزي ومغيب في كثير من الحالات من التحليلات، خاصة العربية.     

انعكاس الإجماع والتصدع السياسي

متابعة البرامج الانتخابية للأحزاب الإسرائيلية الرئيسية في الانتخابات الأخيرة توضح وجود توافق وتقارب في عدة محاور أساسية، من جهة، وخلافات في محاور جديدة، من جهة أخرى. ففي جانب تعريف هوية إسرائيل ووظائفها نجد أن الأحزاب الأساسية، حزب "الليكود" وحزب "العمل" و"يوجد مستقبل" (يش عتيد) و"البيت اليهودي" وحزب "الحركة - تسيبي ليفني"، تتفق في برامجها السياسية على تعريف إسرائيل كدولة يهودية ووظائفها المشتقة من هذا التعريف. فمثلا يعرف البيت اليهودي في مقدمة برنامجه السياسي دولة إسرائيل على أنها دولة اليهود وفقا للوعد الإلهي الديني، وهي دولة يهودية تحتكم لنظام ديمقراطي. ويحدد حزب الوسط العلماني "يوجد مستقبل" رؤيته لهوية دولة إسرائيل ويقول، "نحن نؤمن بكون إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية بروح تصور أنبياء إسرائيل، ونؤمن بحقنا في العيش في دولة مع أغلبية يهودية، التي تعيش في حدود آمنة وقابلة للدفاع". كذلك يعرف حزب العمل في برنامجه الانتخابي الأخير دولة إسرائيل على أنها دولة الشعب اليهودي، ويرفض "حزب العمل إمكانية عودة اللاجئين إلى داخل حدود دولة إسرائيل للحفاظ على الأغلبية اليهودية والطابع اليهودي".

في محور رؤية الأحزاب لحل القضية الفلسطينية، نجد أن الأحزاب المركزية قريبة جدا في رؤيتها لطبيعة الحل، على الرغم من بعض التفاوت في الموقف المعلن. وقد يكون حزب "البيت اليهودي" هو الأوضح والأكثر صراحة في موقفه في هذا السياق، إذ يرفض إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية كحل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ويرى أن الحل يجب أن يشمل ضم مناطق "ج" مع سكانها إلى إسرائيل، وإقامة سلطة فلسطينية أو إدارة ذاتية في المناطق الفلسطينية كثيفة السكان، دون أن تكون دولة. أما طرح حزب "يوجد مستقبل" لحل القضية الفلسطينية، فلا يأتي بجديد يكسر الإجماع الإسرائيلي. وما يهم حزب "يوجد مستقبل" هو ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات بهدف التوصل إلى حل يضمن وجود دولتان لشعبين، والذي من خلاله يتم أيضاً الحفاظ على الكتل الاستيطانية ضمن سيادة دولة إسرائيل، ويمنع شرخ بين إسرائيل وحلفائها الأبرز الولايات المتحدة وأوروبا. ما تطرحه أحزاب الوسط (يوجد مستقبل والحركة) لا يختلف كثيرا عن الطرح الرسمي لحزب الليكود وخطاب نتنياهو في بار إيلان (عام 2009)، لكن يختلف بعض الشيء عن طرح حزب "البيت اليهودي". لكن هذا التفاوت حول طبيعة الحل الأنسب، من وجهة نظر إسرائيلية، لم يمنع أي منهم المشاركة في الائتلاف الحكومي، ولم يضع أي منهم شرط قبول موقفه على بقية الأحزاب لدخول الائتلاف الحكومي.

في الجانب الاقتصادي، متابعة البرامج الاقتصادية للأحزاب الرئيسية تفيد أن كافة الأحزاب التي دخلت في الائتلاف الحكومي (الليكود-بيتينو، الحركة-تسيبي ليفني، يوجد مستقبل والبيت اليهودي) تتبنى النظام الاقتصادي الليبراليى- اقتصاد السوق الحر، ولو طالب البعض بترويضه. ونجد أن الأحزاب تتفق على أهمية التعامل مع التشوهات في تطبيق نظام السوق الحر، مثل، ارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائية للطبقات الوسطى والضعيفة. وتتبنى في الوقت ذاته حلول مشتقة من نظام السوق الحر، وتعتقد أن حل المشاكل الأساسية للطبقات الوسطى لا يكمن بعودة الدولة إلى إدارة الاقتصاد أو بدولة الرفاه. حتى حزب العمل لم يلغ أهمية دور السوق الحر والقطاع الخاص في العملية الاقتصادية، وفعليا تبنى مبادئ "الطريق الثالث" الذي يدمج بين تدخل الدولة في الاقتصاد وبين الاقتصاد الحر.

تصدع جديد  

معالم التصدع الجديد الذي برز في الانتخابات الأخيرة، خاصة بين حزب الليكود-بيتينو وبقية الأحزاب المتنافسة، مثل "البيت اليهودي" و"يوجد مستقبل" و"الحركة" وحزب العمل، يرتبط بمكانة الأحزاب والفئات الحريدية في إسرائيل ومدى تأثيرهم على إدارة الدولة وتقاسم العبء والموارد. وهنا حصل تغيير عميق. إذ وضع حزب "يوجد مستقبل" بالأساس، وحزب البيت اليهودي وحزب "الحركة"، هدف (ومن ثم شرط) واضح بمنع إشراك أحزاب المتدينين-الحريديم في الحكومة وسن قانون يلزم الشباب المتدينين بالخدمة العسكرية والعمل على دمجهم في أسواق العمل، وتقليص الدعم الحكومي والمخصصات للمدارس الدينية.

في هذا الواقع، وتحت هذا الإجماع الصهيوني الجديد، الذي ينعكس أيضا في مواقف المجتمع الإسرائيلي (سنخصص لهذا الجانب مقالة خاصة)، يدرك نتنياهو، أنه على غرار الانتخابات في السنوات السابقة لن يكون انتقال جماعي لمصوتين من معسكر إلى آخر، وجل ما يمكن توقعه هو انتقال داخل المعسكرات ذاتها، لذلك سيحصد معسكر اليمين ويمين الوسط على الحصة الأكبر من عدد المقاعد في الكنيست الـ20. لذلك لا نخاطر إذا قلنا إن رئيس الحكومة المقبل سيكون من معسكر اليمين. وتبقى مهمة نتنياهو وحزب الليكود أن يكون الحزب الأكبر في معسكر اليمين. في هذا الواقع من الصعوبة بمكان تحول مغامرة نتنياهو في تقديم الانتخابات إلى مخاطرة شخصية وحزبية غير عقلانية. 

التعليقات