27/03/2015 - 18:46

المشتركة: بين المأمول والممكن / باسل غطّاس

لا ضير في إعادة التأكيد بأن تجربة اتحاد الأحزاب العربية في قائمة واحدة هي حدث جوهري وعلامة فارقة في تاريخ العمل السياسي العربي الفلسطيني في الداخل.

المشتركة: بين المأمول والممكن / باسل غطّاس

لا ضير في إعادة التأكيد بأن تجربة اتحاد الأحزاب العربية في قائمة واحدة هي حدث جوهري وعلامة فارقة في تاريخ العمل السياسي العربي الفلسطيني في الداخل.

 ودعونا مرة أخرى نعود ونكرر بأن القائمة المشتركة الواحدة لم تقم بسبب رفع نسبة الحسم أو حسب المقولة التي يجترها البعض، والتي تأتينا من الإعلام الصهيوني المسيطر على استهلاكنا الإعلامي مع الأسف كقولهم: 'يخلف على ليبرمان الذي وحدكم'. كان من الممكن أن نتغلب على رفع نسبة الحسم أيضا من خلال خوض الانتخابات في قائمتين، إذا خيار القائمة الواحدة جاء نتيجة حتمية لتكوّن ولنشوء إرادة سياسية لدى الأحزاب العربية الممثلة في البرلمان والتي كان بعضها يعارض تاريخيا هذه الفكرة ولنجاح القيادات السياسية في التغلب على العديد من العقبات والمعوقات، وجزء كبير منها مرتبط بصراعات أو خلافات حزبية داخلية.

 ولا بد من ذكر دور لجنة الوفاق كطرف خارجي في التجسير والتيسير، وهو ما أدى إلى توقيع اتفاقية الشراكة في نهاية مشوار المفاوضات الصعب. كانت هناك قوى جدية تتمسك بورقة القائمتين لآخر لحظة ولكن الرأي العام الذي سميناه فيما بعد 'إرادة شعب' أسقط هذه الورقة، وكما تبين لاحقا من نتيجة الانتخابات النهائية والأهم من مساقات وعمليات التحول التي سبقتها في كافة المستويات، خاصة التعاون بين كوادر الأحزاب والقوى المحلية، واجتماع الأضداد في كل موقع وموقع على دعم القائمة، فإن خيار القائمتين لو نجح ما كان ليحقق أي نتيجة ذات شأن لا من حيث عدد المقاعد، أي نسبة التمثيل، ولا من حيث الأجواء وصقل الإرادة والإجماع الشعبي الذي تحقق وتمثل بطرد شبه كامل للأحزاب الصهيونية من القرى والمدن العربية.

يمكن تلخيص ظهور المشتركة بأنه انتصار لفكرة المشروع الجماعي للعرب الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين وحاملي المواطنة الإسرائيلية في وجه يهودية الدولة وعنصريتها وقمعها وتمييزها وإقصائها والذي يشكل البديل الديمقراطي الوحيد لها والذي يحمل في طياته المساواة الكاملة في دولة لكل المواطنين والاعتراف بالحقوق الجماعية للأقلية القومية وخاصة حقها في إدارة شؤونها.

الآن تبدأ القائمة المشتركة ومرجعياتها السياسية في الأحزاب في مواجهة التحديات الأساسية في ظل سقف عال جدا من التوقعات لدى الشعب الذي احتضن مشروع الوحدة وصوت له واحتضنه، كما لم يجمع على شيء من قبل. وهذه التحديات نوعان، الأول داخلي وهو ما يعنينا في هذا المقال، والآخر خارجي والمتعلق بظروف العمل البرلماني والشعبي في ظل حكومة نتنياهو القادمة وسنأتي عليها بالتفصيل في مناسبة أخرى.

داخليا تنتظر المشتركة الكثير من الصعاب التي يجب تذليلها لكي يتاح فعليا الحفاظ على هذه الوحدة وعدم التفريط بها مهما كانت الأسباب.

العمل البرلماني يتضمن ثلاث دوائر مترابطة ومتقاطعة وبينها علاقات تبادلية مؤثرة وأحيانا حاسمة. الدائرة الأولى- هي دائرة النائب الفردية التي بها يعمل ويتميّز ويبرز النائب الفرد بطاقاته ومهاراته وقدراته، ومن الطبيعي أن يحاول كل واحد وواحدة من النواب أن يبادر ويعمل ويسجل إنجازات فردية وبروز إعلامي، أولا لأن هذه هي وظيفته ورسالته التي انتخب من أجلها، وثانيا لأن مستقبله السياسي أحيانا مرتبط بما يفعله وينجزه ويسوّقه للجمهور. هذا سيخلق عملية تنافس شخصية مفروض أن تكون صحية وأن تسهم إيجابيا في محصلة عمل مجموع الأعضاء إلى إنجازات محسوسة وملموسة.

 ولكن التنافس قد يأتي بنتائج سلبية خاصة للحصول على الإثارة الإعلامية والبروز على حساب الآخرين وأحيانا على حساب القضية نفسها، وهنا يصبح التحكم في إيقاع التنافس الشخصي وتشجيعه ضمن قواعد عمل متفق عليها في داخل كتلة المشتركة، وبالاستناد إلى البرنامج السياسي المتفق عليه قضية مركزية، وإلا وصلنا إلى وضع من الشطط السياسي أو النزق الشخصي أو كليهما، وهذا طبعا سيؤثر على عمل ونتائج القائمة المشتركة ككل. ولهذا فإن أول تحد للكتلة الجديدة سيكون وضع قواعد العمل هذه وتوضيح المناطق الرمادية بين الشخصي والجماعي، مع التأكيد على تشجيع التميز والإبداع والتنافس الشخصي، ففي النهاية وسطية ورمادية فردية ستؤدي بالضرورة إلى كتلة وسطية ورمادية، وفي نفس الوقت تحجيم نفسية 'السوبرستار' والبحث عن الأضواء بكل ثمن والابتعاد عن التهريج وتعزيز صيغ التعاون والعمل الجماعي، والسعي للتأثير ونيل المكاسب والحقوق العينية للناس.

الدائرة الثانية- هي دائرة الأحزاب والمركبات للمشتركة، وهي تخوض هذه التجربة الجديدة كليا لأول مرة وهي مخيفة لها وتحمل مخاطر عديدة وتثير أسئلة عديدة حول الخطاب السياسي لكل منها وسقف الخطاب السياسي الجمعي للمشتركة وحول هوية الحزب وهل ستضيع في المشتركة، حول مرجعيات النواب لأحزابهم، وفي النهاية الفائدة أو المنفعة التي سيجنيها كل حزب من المشتركة. وهذه كلها أسئلة وتحديات حقيقية ينشغل بها أي حزب ذو مؤسسات وبرامج سياسية مستندة إلى أفكار واجتهادات نظرية.

هنا لا تزال التجربة غضة ويافعة ولا مجال للتسرع في التنبؤ بكيفية تأثير الأحزاب المركبة ونزوعها الطبيعي للحفاظ على هويتها وخطابها وتميزها السياسي من ناحية، ولكي تستطيع تجبير إنجازات عملية تحسب لها من ناحية أخرى على عمل المشتركة. هنا أيضا يجب وبشكل تدريجي وضع قواعد لعبة واضحة تنظم العلاقة بين الأحزاب وبين كتلة المشتركة، ضمن خطين أحمرين، الأول من جهة الأحزاب، التمسك بخطاب سياسي متفق عليه مع سقف واضح لا يجري التسامح مع خرقه أو تجاوزه، ومن ناحية ثانية ترسيم حدود متفق عليها  للتدخل الحزبي بعمل الكتلة منعا لمحاولة 'استئثار' أو تجبير إنجازات بعينها لصالح حزب دون آخر، وترسيخ القناعة بأن النجاح جماعيا هو الطريق الأفضل بل الوحيد لإغناء الرصيد الحزبي أيضا.

الدائرة الثالثة- هي طبعا دائرة الكتلة المشتركة والتي تشكل اليوم من حيث العدد الكتلة الثالثة في البرلمان، وهذا أيضا شيء جديد نكون به لأول مرة ونجاح الكتلة برلمانيا في القيام بدورها المنتظر منها ليس مفهوم ضمنا، ويتطلب الجمع بين المهنية العالية والعطاء غير المحدود وبين وضع خطط واستراتيجيات العمل على مستوى الكتلة. وهذا كله يتطلب من الكتلة وبسرعة وضع دستور عمل داخلي للتحكم بالأدوات والمصادر البرلمانية، ولتشكيل لجان فرعية لوضع تصورات لخطة العمل والأولويات، وتوزيع الأدوار والمواقع بين النواب. في كل الأحوال شرط النجاح في كل هذا توفر قيادة جماعية للكتلة تفضل استراتيجيا العمل الجماعي، على البروز الفردي كرافعة لنجاح مشروع الوحدة ولتحقيق التوقعات وللدفاع عن حقوقنا ووجودنا في وجه العنصرية الصهيونية المستشرية.

التعليقات