13/05/2015 - 21:16

اليرموك في الاتجاه المعاكس، والاتجاه الصحيح/ قصي عمامة

اليرموك في الاتجاه المعاكس، والاتجاه الصحيح/ قصي عمامة

كانت العاشرة بتوقيت المخيم، في الدوحة يجلس إبراهيم حمامي على اليمين من فيصل القاسم، فيما على يسار ذات المقدم الشهير جلس أحمد المصري لتبدأ المباراة السمجة بين رجلين جمعهما البرنامج التلفزيوني الذي لا يفلح إلا في جعلنا موتورين أكثر مما نحن عليه. حمامي جاهزٌ بـ"مستنداته" ليلقيها بوجه الخصم، فيما المصري يتحين لحظة الانقضاض عليه. صحفي وكاتب قال القاسم معرفاً عنهما، وهما يحاولان عبثاً الحديث عن مخيم اليرموك المحاصر في دمشق، وبدأ العرض.

وكانت الثانية عشر بتوقيت الدوحة، في المخيم كانت الكهرباء كالعادة مقطوعة، السكان الذين لا زالوا في اليرموك يتابعون بشغف السماء، ولم يبدأ العرض الناري بعد، لعلهم يتوقعون البرميل في وقت مبكر اليوم، فيسرعون إلى أي مكان قد يكون آمناً ولو لحين، فيما تعلو أصوات الاشتباكات من ساحة الريجة، فهناك يقاتل الآخرون الآخرين كل ليلة.

حضر كل شيء في الدوحة إلا المخيم، حضرت فتح ومنظمة التحرير، حضرت حركة حماس وفتح الانتفاضة والقيادة العامة والنظام والمعارضة وبيان مزعل، ذُكر النظام العالمي والنظام السوري والنظام المصري والكوري وأحمد جبريل، قالا وصبرا وشاتيلا وحرب المخيمات، مرّا على احتلال العراق ومجاعة الصومال، ولم يأتيا على ذكر المخيم. تنافس الضيفان وفق العادات الفلسطينية الجديدة على بعضهما ولصالح منظماتهما وفصائلهما، على المخيم وليس من أجله. استمرا ما اسماه القاسم بـ "الحوار"، عُرض الشهداء في سوق الإعلام كي يثبت كل منهما موقفاً جديداً لا رجعة عنه، "نحن لسنا منقسمين فحسب، نحن نأكل من لحم بعضنا لأجل الزعيم، أي زعيم".

غضب المصري حين سمى حمامي منظمة التحرير باسم مختصر، غضب أكثر من تلك اللحظة التي عرض فيها عليه حمامي صور قتلانا، احمر وجهه كما لم يصبه أي احمرار حين قطعت رؤوس أبنائنا في شوارع المخيم في الأول من نيسان، صاح المصري بأعلى طبقة تسمح بها أحباله الصوتية ليردع حمامي عن ما ارتكب من خطيئة.

توتر حمامي، فقد حمّل المصري حركة حماس "فوق" ما تستطيع، وجردها من نضالها من أجل إطعامنا في ليل المخيم، كيف ينكر كيف دافعت عنا الحركة؟ كيف ينسى أن حماس لم تبع مقاتلي المخيم من أكناف بيت المقدس؟ كيف يقول أن الحركة ناورت بالمخيم أكثر مما فعلت فتح؟ رجفت يداه وتعرق، مسح رأسه بكف يده وصاح بالمصري بأن لا يعيد هذا الكلام وإلا وإلا.

لا ماء اليوم أيضاً في المخيم، يسير الرجال حتى مشارف يلدا التي يسكنها رصاص قناص كي يحصلوا على ماء ملوث يشربه الأطفال، ولا يبالون بما يقوله الطبيب الوحيد في اليرموك، عن أمراض الكلى التي يسببها ماء البئر البعيد، النساء يجلّن في بقايا السوق الطويل، يتمتعن بتقليب أوراق الصبار ورجل العصفور، ويحترنّ، أيهما نطبخ اليوم؟

نكر الرجلان كل حسب دوره في الكلام نصف الجثة، ونسبا لبعضهما جرم فصل الرأس عن الجسد، نصف شهدائنا قتلى، قال حمامي، قتبنى المصري القسم الثاني منهم وأعطاهم الجنة، ثم اختلفا على أي النضال أجمل، نضال السقوط أم الصعود؟ احتد المصري فقد أدخلت منظمة التحرير الطعام والمساعدات والكراتين إلى المخيم. يندهش حمامي من هذا الكذب! فمن أدخل الكرتونة هي حملة الوفاء، كيف ينكر؟ يبحث في ما معه من صور، يشتم المصري إيران، ينتفض حمامي ويشتم، يرد المصري ويقدح.

في المخيم أيضاً ينتفض أحمد، وأحمد هو طفل ولد في الأمس فقط، ينتفض الرضيع الذي لا يزيد وزنه عن كيلو غرام واحد، أمه فقدت الحليب وتعاني من الجفاف، زوجها يحتد أيضاً فلم يستطع اليوم الحصول على كرتونة من يلدا، لا أوراق رسمية معه تثبت أنه متزوج، لا طعام له قال من يوزع المساعدات، شتم أبو أحمد الموزع، فرد له الموزع الشتيمة وقدحه، وانصرف.

انتهت هذه الحلقة، هذا قيل في الدوحة،  نعدكم أن يستمر القبض حتى الدولار الأخير، هناك في المخيم، لم ينته العرض بعد، نحن في الحلقة الستمئة ونيف، نعدكم أن يستمر العرض حتى نقطة الدم الأخيرة.

(*) ناشط من مخيم اليرموك. المقال خاص بـ"عرب 48"

 

التعليقات