08/06/2015 - 11:52

تحية بالكردية/ رامي منصور

كعروبيين وديمقراطيين علينا الاستفادة من تجربة حزب العدالة والتنمية ليس لجهة مصالحة الإسلامي والديمقراطي، وإنما باستغلال المكون الإسلامي الأساسي في الحضارة والوعي العربيين لتصبح موحدة وجامعة وليست إقصائية.

تحية بالكردية/ رامي منصور

إذا كان لا بد من تطرق إلى الانتخابات التركية بعد أن أصبحت نتائجها المخيبة للحزب الحاكم الشغل الشاغل لشريحة لا بأس بها من أبطال فيسبوك، سواء الشامتين بأردوغان أو المطمئنين، فإن أول الكلام سيكون إبداء الإعجاب والتقدير والتحية للأكراد الذين تمكنوا من خلال تحالف واسع، يساري متعدد القوميات والإقواميات، من تجاوز نسبة الحسم ودخول البرلمان لأول مرة، كاسرين “هيمنة الحزب الواحد” على مؤسسات الدولة وسياساتها.

وإذا فشل حزب “العدالة والتنمية” في الاستفتاء على “تركيا الجديدة” التي يسعى إليها، فإنه نجح في الانتخابات الأهم في تاريخ تركيا الحديث بجر الأكراد إلى اللعبة الديمقراطية وفتح أمامهم الباب للمنافسة الانتخابية وهو ما فشل به الأتاتوركيون طيلة عقود. فقد نجح رجب طيب أردوغان، وبصورة مفارقة ولافتة، بتعزيز الانتماء لتركيا لدى الأكراد ليس من خلال خطاب قومي تركي/ أتاتوركي، فهذا الخطاب إقصائي، بل من خلال خطاب إسلامي ديمقراطي احتوائي يعزز الانتماء لدى الأقليات “غير التركية” إلى الأمة التركية المسلمة. ومن هذا المنظار يمكن تفسير إصرار الأكراد على المشاركة السياسية والمنافسة الانتخابية. فتركيا ما قبل عقد ونصف كانت تركيا علمانية عسكراتية قومجية لا مكان فيها للأقليات القومية والإقوامية سواء كانت مسلمة أو سريانية أو غير الناطقين بالتركية. وهذا ما يجهله كثر، فقد يكون أردوغان خسر معركة تعديل النظام السياسي لكنه كسب الأمة التركية الرحبة المتسعة للجميع.  إنه زعيم تاريخي بحجم أتاتورك حسب خبراء، لأنه يصنع أمة تركية جامعة احتوائية في الجمهورية الكمالية الإقصائية.

دفع أردوغان وحزبه ثمن “تتريكه” للأكراد من خلال خطابه الإسلامي المنفتح الذي جعل الأكراد يكتشفون فجأة بأنهم شركاء في البلد وأن الانتماء للأمة التركية لا يعني الانتماء للأمة الكمالية الأتاتوركية الإقصائية، بل الانتماء لأمة لها وطن فيه شعوب وتعدد قومي وإقوامي ولغات وغالبيته من المسلمين، وعلى هذا القاسم المشترك يجتمع معظم الأتراك اليوم.

وكعروبيين وديمقراطيين علينا الاستفادة من تجربة حزب العدالة والتنمية ليس لجهة مصالحة الإسلامي والديمقراطي، وإنما باستغلال المكون الإسلامي الأساسي في الحضارة والوعي العربيين لتصبح موحدة وجامعة وليست إقصائية. قد تختلف الظروف في الحالتين العربية والتركية، لكن الاستفادة من هذه التجربة ضرورية ومفيدة، خصوصا وأن المشرق العربي غني بالقوميات والإقواميات والأعراق والديانات.

واللافت أن الزعيم الكردي عبد الله أوجلان كان أول الداعمين والمتحمسين لمشاركة الأكراد في اللعبة الانتخابية، وثبت أن رهانه كان صائبا.

وإذا كان “ليس للكردي إلا الريح” أو الجبال كما قال شاعرنا محمود درويش، فلنا أن نقول بكل اعتزاز هنيئا للكردي الذي أجاد حمل البندقية وأجاد الممارسة السياسية دون أن يتنازل عن بندقيته. إنها عبرة لمن يعتبر.

واللافت أيضا، أن ليس كل خسارة هي خسارة بالكامل، فقد تكون هذه فرصة لأردوغان للتخلص من رئيس الحكومة “الثعلب” داوود أوغلو واستقدام لاعب قديم هو عبد الله جول.

مقاربة

شمت بعض أنصار الرئيس السوري بشار الأسد بخسارة حزب العدالة والتنمية الأغلبية البرلمانية المطلقة في الانتخابات الأخيرة، واعتبروا ذلك ثمن موقفه أو “خطيئته” في سوريا. وهذا الموقف العاطفي لا حاجة للرد عليه، لأنه تجسيد مصغر لأزمة ثقافة السجال العربية إن صحت التسمية. فهي لا تعرف إلا المناكفة والمزايدة، وإذ تأزم الوضع فالسلاح في متناول اليد، وإن لم يكن كذلك، فإن دعوات الإبادة النازية حاضرة جاهزة للاستخدام، ليس ضد أعداء الخارج، بل ضد “الأشقاء”.

ما حققته تركيا في عهد أردوغان، أي خلال عقد ونصف العقد فقط، يثير الإعجاب سواء لجهة التنمية الاقتصادية أو عقلنة خطاب الإسلامي السياسي حتى لو أصبح شعبويا في كثير من المرات، أو لجهة تحجيم دور العسكر في الدولة والمجتمع. وإذا كان للعرب الحق بانتقاد أدروغان، فلن يجدوا ما ينتقدونه إذا ما اجروا مقارنة بما يجري في أوطانهم. مثلا انتقاد سلطويته وعجرفته الشخصية، فإن ابن حفيد أي زعيم عربي لا تقل عجرفته أو سلطويته عن أردوغان، أو مثلا انتقاد التضييق على الحريات ومنها الصحافية، وهذا انتقاد محق، لكنه لا يمكن أن يصدر عن مؤيد لديكتاتور أو مناصر للثورة المضادة، لأن مئات الصحافيين قتلوا أو سجنوا في الأعوام الأخيرة في سوريا ومصر والعراق وغيرها. 

أتمنى لشعوبنا العربية قائدا “تسلطيا متعجرفا” مثل أردوغان يدفع ثمن انفتاحه السياسي إلى درجة قبول مشاركة ممثلين عن من يحملون السلاح في وجه جيشه في اللعبة الديمقراطية. أتمنى “قائدا شعبويا” مثله حقق التنمية الاقتصادية لشعوب وطنه ووضع حدا للانقلابات العسكرية وفساد العسكر.

قبل أكثر من عقد كانت الصورة الأكثر شيوعا لتركيا هي تلك لتركيا الذليلة المنبوذة بسبب إسلامها وتخلفها الاجتماعي والسياسي على أبواب الاتحاد الأوروبي. اليوم باتت تركيا قوة إقليمية اقتصادية قبل أن تكون سياسية. وهذا هو مقياس النجاح. فقد نجح أردوغان من نقلها من الاقتصاد السابع عشر عالميا إلى المرتبة العاشرة عالميا.

وأخيرا، نقول مبروك لتركيا، بالكردية پیرۆزە والتركية Tebrikler.

على صلة: صلاح الدين دمرطاش: النجم الكردي الجديد

التعليقات