07/07/2015 - 17:58

على رسلك يا شيخ../ علي زبيدات

وعلى أثرِ هذا التحريض بدأت موجةُ تكفيرٍ، قلَّما شهدناها، في مُجتمعنا تلاها التهديد والوعيد بالقتل والذبح وتقطيع الأوصال والأطراف وقطع الرؤوس وجزِّ الأعناق مُرفقة بصور رؤوس مقطوعة وصور سكاكين وأسلحة في مواقع التواصل الاجتماعيّ عدا عن الكلا

على رسلك يا شيخ../ علي زبيدات

الطالب علي زبيدات - سخنين

على رسلك يا شيخ، هوَ عنوانُ مقالةٍ وددّتُ أن أكتُبها على أثر دعوات الشيخ بالموت الرباني والأمراض والأوبئة على مجموعةٍ من البشر يختلف مع تصرفاتها، وأردت أن أوَضحَ أني انا أيضًا أختلف مع هذه التصرفات ولا أقبلها، ولكن أدعو على من أختلف معه بالهدايةِ والصلاح بدلَ الموت الربانيّ والإيدز.

   شُغلتُ بالدراسة، ولم أجد الوقت للكتابة ومرّت هذه الزوبعة بعد موجةِ تأييدٍ ورفضٍ في أوساطِ مُجتمعنا لتصريحات الشيخ وهجوم قذر شبيه بهجوم اليمين الفاشي على النائب حنين زعبي لأنّها قامت بمشاركة منشور لم يتطرق  للموضوع بالمرّة، بل رفضت نهج الإقصاء الذي ينتهجه الشيخ، فحُرّفت أقوالها وهوجمت من قبل أفراد من هذا الشعب كمن يُهاجم العدو، ومرّت هذه الزوبعة التي حرّكها وأثارها من لا يزال يُثير الزوابع والفتن التي تؤدي الى تمزيق نسيج مُجتمعنا عبرَ التحريض بطُرقٍ إلتفافيّة مُتلفّعة بالحضارة والآداب، وإذا ما قمنا بعمل جولة في صفحات التواصل الاجتماعّي نجدُ ان 'المهذبين' تمتلئ منشوراتهم بعبارات التهديد والقتل والذبح والكلام النابي، ولا يُلقّم المعلّقون حجارةً تردعهم بينما الرد العقلاني والموضوعي يُحذف والأمثلة كثيرة.

   آخر هذه الزاوبع كانت التحريض البغيض على شبابٍ وشاباتٍ شاركوا في الدبكة الشعبيّة بعد إفطارٍ رمضانيّ في مدينة أم الفحم التي يُسميها البعض للمفارقة 'ام النور' وبعضهم غارقٌ في الظلمات، ويا لهذه الجريمةِ النكراء وأيُّ جريمةٍ ارتكبها هؤلاء الشباب؟!، رقصُ الدبكة الشعبية المُستمدة من تُراثنا الفِلسطينيّ بعدَ إفطارٍ رمضانيّ!

وعلى أثرِ هذا التحريض بدأت موجةُ تكفيرٍ، قلَّما شهدناها، في مُجتمعنا تلاها التهديد والوعيد بالقتل والذبح وتقطيع الأوصال والأطراف وقطع الرؤوس وجزِّ الأعناق مُرفقة بصور رؤوس مقطوعة وصور سكاكين وأسلحة في مواقع التواصل الاجتماعيّ عدا عن الكلامٍ النابي والمخلّ بالآداب لشبابٍ وشابات لم يتجاوزوا الثامنةَ عشرَ بعد!

  بغض النظر إنْ كان هذا التصرف صحيح –الدبكة - أم لا ، في ظل هذا الجو التحريضي والتكفيري؛ فعلى مُجتمعنا الآن أن يوقفَ النقاش لا أن يُنهيه، ويتجنّدَ للذود عن الشباب وحمايتهم من الكلام النابي والتهديد بالقتل، فهذا هو الموقف الأخلاقيّ المُلحّ في ظل هذه الأزمة التي افتعلها بعض المراهقين السياسيين محدودي الثقافةِ وكفَّ الأيدي المُتطاولة في أسرع وقت قبل أن تمتد على من يتجرأ على الدبكة في الأعراس والأفراح والمُناسبات فيما بعد، وليس الدبكة فحسب بل أيُ فنٍ كان.

وعلى الحركات والأحزاب السياسيّة أنْ تقف دون هوادة في وجه هذه الظاهرة الأصوليّة بكُل ما أوتيت من قوة فخطرها على مُجتمعنا ليس أقل من الأسرلة والتهويد.

كتب بعض الأصدقاء في الجبهة الديموقراطيّة عن الموضوع وهو موقفُ يُسجلُ لهم، وهم مشكورون على ذلك طبعًا وإن اختلفت مع بعضهم في دوافع الرد ،فقد برر البعض رده على التكفير الإرهابي مُقتبسًا منهم: 'متُّ عندما مات الثور الأورنج' ، ولكن المعركة اليوم ليست على حزبٍ بعينِهِ ولا على تيارٍ ولا على نوعِ فنٍ محدّدٍ بل هي معركةٌ على وجهِ مُجتمعنا وبُنيته وكينونته وعلى وعي جيلٍ بأكمله، باتَ في ظل المتغيرات الكثيرة كإزدياد يمينية السُلطة وهيمنة اليمين الفاشي على وزارة الثقافة، وكذلك على وزارة التربية والتعليم وفي ظل بيئةٍ ومناخٍ يسودهُ التكفير والإرهاب وكثرة التأويلات الممزوجة بالقذارةِ الفكريّة والكثير من اللحى العفنة الّا من رحم ربي، يقفُ أمامَ منعطفٍ خطيرٍ ليس أقل خطورةً من الواقع المرير الذي يعيشهُ عالمنا العربيّ، فإمّا الحداثة والتقدم والتنور والمُحافظة على الهُويّة العربيّة الفلسطينية وعلى الموروث الإسلاميّ والتمسك بالدين السمح أو الانحلال الأخلاقي وتمزيق العَقد الاجتماعيّ والفوضى ونشر الجهل بدلَ العلم والظلمات بدلَ النور، وعلينا أن نختار، ولكنَ اختيارنا ليس بصف الكلمات وحسب بل فعلًا وعملًا، والفعل والعمل يبدآن بصدّ السُفهاء الذين ينشرون صور أسلحة في مواقع التواصل الاجتماعي، ويهددون بالقتل ونحر الاعناق وبقر البطون في محاولة رخيصة للسيطرة على الحيزين العام والخاص ويوجهونها لشبابٍ مارست حقّها بالفرح.

 أمّا عن دور الحركات الاسلامية في مُجتمعنا، فدورها ليسَ سهلًا بالمرّة، فعليها أولًا حسم أمرها داخليًا، وأعتقد جازمًا أن الأمر عند بعضها باتَ محسومًا منذ زمنٍ، وقررت التمسك بالاعتدال لا التطرف والغلو في الدين، ثم مواجهة الخطاب المُتطرف بخطابٍ مُتزنٍ، مُعتدلٍ ومسؤول ويقِفُ جنبًا إلى جنب مع الحركات الوطنيّة ذات الخطاب التنويري العلماني المُعتدل، أيضًا، رأس الحربة في مواجهة التطرف الديني وخروج شبابنا الى المنظمات الإرهابية في سوريا والعراق لتدمير الحضارة والثقافة.

وأمرٌ أخير لا بُدَّ منه: أن نحمل خطابًا طائفيًا ونحنُ نعيش في كنف نظم كولونياليّ يميز ضدنا عرقيًا، على الأقل وفق دائرة الاحصاء المركزيّة الخاصة به، وعندما نرى مقدساتنا الإسلامية والمسيحيّة على حدٍ سواء تُنتهك من قِبل فاشيين يعيشون في كنف هذا النظام هوَ ضربٌ من ضروب الجنون، وعلى من قال إنهُ لا يشك في نوايا جورج حبش في تحرير القدس، ولكنه يشُك بل ومُتأكد من أهدافه التي تتلخص في 'إعادة رفع الاعلام التي نكّسها صلاح الدين' والقصد هنا هو الأعلام الصليبيّة، في ثمانينيات القرن الماضي في مقالة بعنوان 'بين صليبيّة حبش وكابوتشي' وما زال مُتمرسًا وراءَ هذا الخطاب أنْ يُعيد حساباتهُ فورًا، فأمامنا مهام ليست بالسهلة، ولن نتجاوزها كمُجتمع وكشعب دون التيار الإسلامي وهو مركب حيٌّ وفعالٌ وهام في مُجتمعنا أحببناهُ دائمًا ووددنا دومًا التعامل معه، وأن التفكير في المُضي قُدمًا دونه هو في أقل تقدير تفكيرٌ ساذج وغبي، وعلينا أن نبدأ خطواتنا العمليّة جنبًا إلى جنب وإيّاه في حل مشكلة لجنة المُتابعة والعديد من القضايا العالقة وكذلك في مواجهة نظام العسف القهريّ.

التعليقات