12/01/2016 - 14:55

كلنا بنظر إسرائيل نشأت ملحم/ سليمان أبو إرشيد

مرة أخرى أكدت قضية نشأت ملحم، ما سبق أن أكدته عملية مهند العقبي من النقب، وهي أن انتفاضة "الأفراد" المشتعلة منذ أكثر من ثلاثة أشهر لا تقفز عن منطقة 48، وأن أسباب القهر الجماعي التي حركت الذوات الشبابية هنا وهناك هي واحدة

كلنا بنظر إسرائيل نشأت ملحم/ سليمان أبو إرشيد

مرة أخرى أكدت قضية نشأت ملحم، ما سبق أن أكدته عملية مهند العقبي من النقب، وهي أن انتفاضة 'الأفراد' المشتعلة منذ أكثر من ثلاثة أشهر لا تقفز عن منطقة 48، وأن أسباب القهر الجماعي التي حركت الذوات الشبابية هنا وهناك هي واحدة، كما أن أساليب التعبير عنها في طريقها لأن تصبح واحدة وهو الأمر الجديد الذي يستوجب الالتفات له في معادلة الصراع.

وبدون شك، فإن انتفاضة “الأفراد” جاءت ردا على حالة التطرف اليميني الجارف، الذي يجتاح المجتمع الإسرائيلي والتي أسقطت نهائيا معاقل ما كان يعرفه بـ”معسكر السلام الإسرائيلي”، ويسعى حاليا إلى تصفية آخر جيوبه المتمثلة بمنظمات مثل 'يكسرون الصمت' و'بتسيلم'، التي أحرقت مكاتبها هذا الأسبوع بتماس كهربائي لتتحقق نبوءة إسحق رابين القائلة 'بدون بتسيلم وبدون محكمة عليا'.  

حالة التطرف التي تكللت بسيطرة التيار الصهيوني الديني على الحيز السياسي في إسرائيل وتتويج حكومة المستوطنين الراهنة برئاسة بنيامين نتنياهو، تسعى إلى  تدمير الحواجز السياسية التي عملت 'إسرائيل القديمة' إلى بنائها على مدى عقود بين أبناء الشعب الفلسطيني في منطقة 48 وفي الضفة والقطاع، بعد أن شطبت جميع الخطوط الخضراء والحمراء التي تفصل بينهما.

وإن كانت هذه العمليات فردية فإنها لا تخرج عن قوانين الفيزياء والسياسة المتعلقة بالفعل ورد الفعل الموازي له، فشطب حل الدولتين وزيادة الظلم والإقصاء ضد جماهير الداخل المترافق مع محاولات قمع العمل السياسي الشرعي ( إخراج الحركة الإسلامية عن القانون والتلويح بإخراج التجمع واعتقال “نشطاء الفيسبوك”)، يخلق أرضية مشتركة بين تجمعات الشعب الفلسطيني المختلفة، أو بتعابير المستشرقين والمستعربين الإسرائيليين 'يدفع بالعرب في إسرائيل إلى الحضن الفلسطيني'.

بالمقابل، فإن نظرة على ما يجري في مناطق السلطة الفلسطينية وخاصة في الضفة الغربية، تفيد بتشكل حالة سياسية مرتبطة اقتصاديا بالواقع السياسي الذي نشأ بعد اتفاق أوسلو، من خلال نشوء طبقة وسطى كبيرة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على العمل في الوزارات والأجهزة الأمنية المختلفة وفي الوكالات المانحة، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص وفي القطاعات الاقتصادية الجديدة كالاتصالات، والإلكترونيات، والتأمين، والخدمات المصرفية والمالية، ووكالات الدعاية والتسويق وغيرها. هذه الطبقة أو شريحة كبيرة منها تم إغراقها  في قروضٍ مصرفية لشراء المنازل والسيارات وباتت مرتبطة بسياق ما يسميه نتنياهو بالسلام الاقتصادي. هي حالة شبيهة إلى حد بعيد ارتباط فلسطينيي 48 بالامتيازات الاقتصادية التي يوفرها لهم وضعهم السياسي. ومن هنا، فإن شطب الخطوط الخضراء والحمراء تجري بالاتجاهين ما يجعل المعوقات التي تقف أمام تحول هبة الأفراد التي تمتد على طول وعرض فلسطين التاريخية إلى انتفاضة ثالثة واحدة تقريبا، بقدر ما هي من حيث أسبابها وشموليتها هبة واحدة.  

هنا وهناك تخرج عمليات فردية لتعبرعن مرارة الواقع السياسي الذي يعيش فيه الناس، وهنا وهناك تتوالى الاستنكارات من القيادة أو الحالة السياسية المرتبطة بنيويا بإسرائيل، وهنا وهناك تراكم هذه الأحداث وإن ببطء حالة سياسية جديدة مشتركة، تغذيها ردود الفعل الهستيرية الصادرة عن حكومة المستوطنين التي يرأسها نتنياهو بعد كل عملية. وتكفي الإشارة إلى حيثيات وردود فعل الطبقة السياسية والإعلام الإسرائيلي المتعلقة بعملية نشأت ملحم ومطاردته وتصفيته من قبل القوات الإسرائيلية، دليلا على جنون الحقد الذي يغلق جميع الفجوات بين 'العربي الجيد' و”العربي غير الجيد” ويلغي الفروقات بين 'الوطني' و'العميل' و'الرافض' و'المتعاون' بين أفراد العائلة الواحدة والبلد الواحد والشعب الواحد، لتجعلنا جميعا، شئنا أم أبينا، نشأت ملحم.

لن 'تشفع' الاستنكارات والاعتذارات والاستعطافات في هذه الحالة، بل قد يتم استخدامها دليلا ضدنا، فنحن أمام حكومية يمينية هي من تسعى إلى حشر الشعب الفلسطيني في سلة واحدة وتعمل على توحيد وطنه من النهر إلى البحر تحت سيادتها، ويخطئ من يظن أنها لا تعي نتائج سياساتها وردود فعل الطرف الآخر على هذه السياسات، فأصغر عنصر في 'الشاباك' يعرف أن إخراج حركة بحجم الحركة الإسلامية عن القانون في عصر تفشي 'الإسلام التكفيري”، هو وصفة جاهزة لانتقال هذا النمط إلى الداخل. السؤال ماذا تريد حكومة نتنياهو وليس ما نريد نحن، وحكومة نتنياهو تريد خلط الأوراق ومحو الحدود والتباينات والفوارق بين المستوطنين وسكان 'رمات أفيف' من جهة وبين وادي عارة وجنين من جهة ثانية، ومهما توالت الاستنكارات من القائمة المشتركة ولجنة المتابعة والسلطة الفلسطينية، بسبب الخوف والعجز فإن رد الفعل الفلسطيني على هذه السياسة يبدو أنه انطلق بهبة الأفراد التي تؤسس لحالة سياسية فلسطينية موحدة وجديدة.   

التعليقات