01/08/2016 - 15:13

الأسباب الأعمق للعنف في مجتمعنا وسبل مواجهتها

جميعنا نتحدث عن آفة العنف التي تجتاح مجتمعنا، كثيرون يتحدثون عن ضرورة عمل أي شيء لوقف نزيف العنف، تكثر المواعظ وحملات التواقيع والتشاورات والبيانات.

الأسباب الأعمق للعنف في مجتمعنا وسبل مواجهتها

جميعنا نتحدث عن آفة العنف التي تجتاح مجتمعنا،  كثيرون يتحدثون عن ضرورة عمل أي شيء لوقف نزيف العنف، تكثر المواعظ وحملات التواقيع والتشاورات والبيانات.

في الحقيقة، يتفاقم العنف أكثر وأكثر فأسبابه موجودة وتزداد يوما بعد يوم، توجد أسباب موضوعية وأخرى ذاتية، أحاول هنا أن أحدد بعض الأسباب التي جعلت العنف يتفشى بهذه الصورة الوبائية.

من الطبيعي جدًا أن تتأثر أجيال الشباب بما يقدم لها منذ الطفولة عبر الفضائيات، فمعظم الأفلام والمسلسلات ونشرات الأخبار تقدم عدة ساعات يوميًا الكثير من العنف. الخطير أن الشباب في حالات كثيرة يعتبر العنف رجولة مثل الضرب والتكسير والغضب و'الحركات' بالسيارات، يتعاطف المشاهدون الشباب مع بطل الفيلم أو المسلسل ويعجبون بتصرفاته و'رجولته' فيقلدونه، في لبسه وحركاته وتصرفاته.

مشاهدة الكثير من أفلام الطبيعة ستجعلك محبًا للطبيعة ومتأملا بها، ومشاهدة الكثير من أفلام البورنو تنتج شبانا منحرفين، ولا بد لمن يشاهد العنف بكثافة أن يتأثر ويصبح عنيفًا.

اللجوء إلى العنف لتحصيل الحقوق أو استرداد 'الكرامة' الشخصية عادة لعدم وجود ثقة بالشرطة والجهاز القضائي على إنصاف المظلوم.

الجميع يعرف ويعترف أن الشرطة تتسامح مع العنف في مجتمعنا من منطلق 'فخار يكسر بعضه'، فهي لا تقوم بحملات جدية للبحث عن السلاح واعتقال المتاجرين به إلا نادرًا، رغم أن التجار معروفون للشرطة عموما، كما أنها لا تتابع مسألة إطلاق النار في الأفراح من أسلحة مرخصة وغير مرخصة، الأمر الذي يعطي شرعية للسلاح، فهي متسامحة طالما أن آثاره لم تنتقل للمجتمع اليهودي.

هناك أمثلة كثيرة عن حوادث قتل وقتل مضاد بين عائلات وأحيانًا بين أبناء حي واحد، حتى الناس العاديون كانوا يتوقعون ويعرفون أن جريمة قتل ستقع قريبًا، ورغم ذلك لا تتحرك الشرطة لجمع السلاح ومنع الجريمة.

غياب الردع وعدم نبذ المجرم مجتمعيًا ساهم وما زال يساهم بانتشار العنف، واقتصار عقوبة جريمة القتل على ما تقره المحاكم المدنية التي تتساهل خصوصًا إذا وجد محام قوي قد يخرج المجرم بعقوبة بسيطة، فكثير من حوادث القتل تنتهي ببضع سنوات في السجن يحذف منها ثلث المدة، الأمر الذي يخفف قوة الردع المجتمعية والقانونية، بينما كانت جريمة القتل حسب العادات العربية في السابق تؤدي لتشريد عائلة القاتل ودفع دية لذوي القثيل، إضافة للحكم المؤبد للقاتل الأمر الذي شكل رادعًا قويًا.

الضائقة السكنية في كل مكان وزمان هي سبب أساسي في التوتر، فالكثير من العنف في مجتمعنا يبدأ بسبب صراع على أرض أو طريق بين جارين وحتى بين أشقاء، الأمر الذي يعني أن أزمة السكن التي تغذيها السلطات هي جزء كبير وأساسي من مشكلة العنف، كذلك محاكم مخالفات البناء التي تعاني منها عشرات الاف الأسر والإحباط الذي يكتفنها وهي مهددة بالهدم أو إذا هدمت بيوتها بالفعل.

معظم قرانا ومدننا تعاني اكتظاظا بالسيارات، لعدم وجود تنظيم لحركة السير، وهذا يؤدي إلى حالة توتر، وكثيرًا ما يؤدي لاشتباك بالأيدي وتصفية حسابات، ونبش مشاكل قديمة .

العنصرية التي يتعرض لها شبابنا في الأمكنة العامة وتشعرهم بدونيتهم ونقصهم وأنه غير مرغوب بهم، والتعامل معهم بقسوة وأحيانا بعنف من قبل العنصريين، هذه تراكمات تؤدي في نهاية المطاف إلى انفجار عنف بين ضحايا العنصرية أنفسهم إذا لم يردوا عليها بوعي وتنظيم كما يجب.

يجب أن لا ننسى بأن هناك احتلالا يمارس عنفا ضد شعبنا، وحكومات ترى بعرب الداخل أعداءً لا مواطنين، وتعاملهم على هذا الأساس فتسرع بإطلاق النار عندما يتعلق الأمر بالعرب!

أضيف إلى هذا بعض سلطاتنا المحلية ومنتخبي الجمهور الذين يحولون طموحاتهم الشخصية إلى فزعات عائلية وصدامات في جوهرها لمصلحة أفراد من دون روح مسؤولية ووازع من ضمير، كذلك عندما يقوم هؤلاء بمعاملة المواطنين بمكيالين (جماعتنا وغير جماعتنا) فهذا يزرع بذور الحقد والعنف القادمة.  

 لا نستطيع تجاهل كميات العنف الهائلة التي تبث على مواقع التواصل وفي وسائل الإعلام من الدول العربية حيث يوجد صراعات مسلحة.

علينا أن نعترف بأن الشباب المنظم في حركات سياسية وفي جمعيات محلية أو قطرية والشباب الفاعل في نشاطات اجتماعية وسياسية ويشارك في حلقات ثقافية كحلقات ونوادي القراء والفرق الرياضية والفنية أكثر وعيا بواقعه وأقل عنفا من الشباب غير المؤطر بأي إطار، فالتنظيمات بمختلف مشاربها تنمي حاسة الانتماء لدى الشباب، وهذا بحد ذاته يؤدي إلى رفع روح المسؤولية وخفض نسبة العنف، ولهذا يجب وقف التحريض على الأحزاب السياسية العربية، والاستخفاف بقدراتها وقياداتها، بل تشجيع الشباب على الانضمام إليها لأنها تجمعهم وتوعّيهم.

علينا أن نمنح شبابنا شعورًا أكثر بالانتماء للجماعة في المصير. وهذا يكون عندما نحدد مصدر مشاكلنا الرئيسي، إنه السلطات التي تحشرنا في الزاوية بشتى الوسائل وخصوصا في مجال السكن وتخطط لجعلنا مجاميع بشرية مكتظة تعج بالسموم والسلاح والجريمة.

نبارك كل خطوة تقوم بها أي مجموعة مثل تواقيع 100 أستاذ جامعي وغيرها من مبادرات للجم العنف، ولكن الأهم أنه علينا التوجه كشعب موحد، وأن ننمي فكرة الخلاص الجماعي وهذه مسؤولية الأهل وكل مسؤول في مجاله بخلق وعي متوازن لدى الأبناء بوحدة الخلاص الفردي والجماعي، وأن نطالب بحقوقنا القومية والمدنية بدون فصل بينها، وأن نشعر كشعب أننا في مواجهة خطر كبير وهذه حقيقة نعيشها ونراها وليست خيالا.

لا يمكن الانتصار على ظاهرة العنف إلا بالنضال في الاتجاه الصحيح وليس بالانشغال بما هو سطحي وثانوي وترك لب المشكلة، وهي السلطات العنصرية التي تدفع بمجتمعنا إلى الهوامش الضيقة والخطرة بشكل منهجي يستلزم منا الرد بشكل علمي وصحيح وقوي.

اقرأ/ي أيضًا:

محاربة العنف لا تأتي من أهل العنف

#نبض_الشبكة: بيان 100 بروفيسور ضد العنف... أضعف الإيمان

      

التعليقات