19/05/2017 - 13:41

"بروتوكولات حرب 67"

واليوم بعد 50 سنة على نكسة 67 و70 عاما على نكبة 48، بات الفلسطينيون في الضفة والقطاع والداخل الفلسطيني يشكلون ما يقارب 50% من مجموع السكان بين النهر والبحر، الأمر الذي يهدد بتبديد جميع انتصارات إسرائيل ويضع مشروعها الكولونيالي على كف طفل

عززت تفوّهات المسؤولين الإسرائيليين التي تم الكشف عنها، عقب الإفراج عن بروتوكولات جلسات الحكومة الإسرائيلية المتعلقة بحرب 67، بمناسبة مرور 50 عاما على وقوعها، التوجهَ الذي يقول إن العرب الذين أضاعوا فلسطين عام 1948 أضاعوا فرصة تحريرها عام 1967.

وتعكس تصريحات رئيس الحكومة في حينه، ليفي أشكول، ووزير الأمن، موشيه ديان، وغيره من القادة العسكريين، حالة الذعر التي كانت سائدة وما تخللها من تخوف جدي بأن تأتي الحرب على المشروع الصهيوني برمته، إذ تحدث أشكول خلال اجتماع اللجنة الوزارية لشؤون الأمن المنعقدة في الرابع من حزيران 67، عما وصفه بـ'ذبح فعلي'. ورسم ديان سيناريو 'مخيفًا' يتم خلاله سقوط آلاف القتلى في صفوف الإسرائيليين ويجري احتلال إيلات من قبل دبابات مصرية واقتحام عربي للقدس وتل أبيب.

ديان لخّص حديثه بالقول 'أنا أستصعب القول كيف يمكننا الصمود أمام هذا الوضع. هناك حدود لقدرتنا على الانتصار على العرب'، بينما حذر إسحق رابين، الذي كان في حينه رئيسا لأركان الجيش، من خطر جدي على وجود إسرائيل في حال لم تبادر بتوجيه الضربة الأولى، ورأى أرئيل شارون أن إسرائيل موجودة في  نقطة زمنية تحدد البقاء أو عدم البقاء.

صحيح أن حالة الهلع الإسرائيلية سرعان ما تحولت إلى حالة 'نشوة'، في أعقاب الانكسار العربي السريع في جبهات القتال، إلا أن تخيل وضع معاكس كان من شأنه أن يضع إسرائيل في مهب الريح، في ظل الوضع الجيوسياسي الذي كان سائدًا في حينه، حيث الجليل على بعد بضعة كيلومترات من مدافع دبابات الجيش السوري والساحل في مرمى نيران الجيش المصري، فيما العامل الأهم هو أن الحرب والصراع كان محوره فلسطين، بما تعنيه من جغرافيا سياسية جرى اغتصابها عام 1948، وهو مفهوم تغير كليا بعد احتلال 1967، حيث أصبح الحديث يجري عن إزالة آثار العدوان والعودة إلى حدود الرابع من حزيران.

باختصار، لقد طوى احتلال 1967 ملف الـ48، عربيًا، على الأقل، حيث استغرق طيّه، فلسطينيًا، بضع سنوات أخرى، فيما كادت أوجه الشبه تتطابق بما يتعلق بأسباب الهزيمة في الـ48 وفي الـ67 ، حيث تكرر ما تحدث عنه عبد الناصر وهو محاصر في الفالوجة عام 48، في عهده وفي النظام الذي يفترض أنه جاء كثورة وردة فعل على مسببات النكبة، وتبين مرة أخرى أن عصب النظام العربي لا زال مضروبا، أو هو سرعان ما عاد لطبيعته الأولى بعد فترة استرخاء ولذلك لم يصمد في المواجهة، لأنه كان أقل تدريبا وتنظيما وتسليحا ويقظة واستعداد للحرب، التي تدعي إسرائيل والعالم أنه (عبد الناصر) من بادر إليها، أو كان يدرك تسارع الأوضاع باتجاه وقوعها.

والنتيجة أن ما كان يمكن أن يكون تصحيح خطأ تاريخي وقع فيه العرب عام 1948، تحول باللغة الإسرائيلية إلى تصحيح خطأ ارتكبه بن غوريون عام 1948، كما يقول المؤرخ الإسرائيلي، توم سيغف، عندما وافق على الهدنة قبل أن يحسم احتلال كامل أراضي فلسطين التاريخية، بل أن الانكسار العربي مكن الجيش الإسرائيلي من احتلال مساحات كبيرة إضافية من الأراضي العربية تمثلت بالجولان السوري وسيناء المصرية.

وفي السادس من حزيران، بدت الصورة مختلفة تماما، على طاولة الحكومة الإسرائيلية، وظهر ديان ذاته، الذي تحدث عن سيناريو مرعب وهو يهدد باحتلال بيروت ويلوح بالوصول للقاهرة والبقاء 300 سنة في شرم الشيخ، فيما نغص شيء واحد على 'حلاوة' الانتصار الإسرائيلي هو بقاء 1.2 مليون فلسطيني (في حينه) في الضفة الغربية وبضع مئات الآلاف في غزة، حيث لم يتسنّ لهم القيام بعملية تهجير واسعة النطاق مثلما فعلوا عام 1948.

قضية السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة عمومًا، وفي القدس بشكل خاص كانت مدار بحث خلال جلسات الحكومة الإسرائيلية التي تلت الخامس من حزيران، حيث اقترح وزير الداخلية حاييم موشيه شبيرا، في جلسة السابع من حزيران، طرد سكان البلدة القدية في القدس وإحلال يهود مكانهم، وفي محاولة لتهذيب عملية الطرد اقترح أن يتم البدء بعملية بناء بيوت وكنس وإدخال بلدوزرات لهذا الغرض ثم الطلب من الفلسطينيين المغادرة 'خوفا على صحتهم'.

 ديان قال 'إننا لن نلقي بهم في الشارع بل سننقلهم إلى بيوت أخرى من بيت لحم وحتى رام الله، وإنه سبق وحدث في أماكن أخرى أن تم إخلاء شوارع وستدخل بلدوزرات لتنظيف المكان'. طبعا أقوال ديان وشبيرا لم تبق حبرًا على ورق، فبعد أيام دخلت البلدوزرات وهدمت حي المغاربة بالكامل بعد أن أخلته من آلاف السكان الفلسطينيين، كما جرى لاحقا إسكان اليهود في ما يسمى بالحي اليهودي في البلدة القديمة.

المأزق الديمغرافي احتل جدول أعمال جلسة الحكومة المنعقدة في 19 حزيران أيضا، حيث قال وزير التجارة في حينه زئيف شارف، هناك فرق بين الموجود والمنشود. المنشود هو وضع 1948 عندما 'هرب' العرب وجاء المهاجرون اليهود وسكنوا في بيوتهم، واليوم الوضع مختلف، 'العرب لم يهربوا والمهاجرون اليهود لم يأتوا'.

شارف اقترح التوجه للدول العربية لكي تستوعب سكان المناطق التي احتلتها إسرائيل، بينما قال أشكول إنه 'لو كان الأمر يتعلق بي كنت سأخرج جميع العرب إلى البرازيل'، في حين واصل يغئال ألون بنفس التوجه مقترحا توزيعهم بين كندا وأستراليا وإسكان الباقين في سيناء.

واليوم بعد 50 سنة على نكسة 67 و70 عاما على نكبة 48، بات الفلسطينيون في الضفة والقطاع والداخل الفلسطيني يشكلون ما يقارب 50% من مجموع السكان بين النهر والبحر، الأمر الذي يهدد بتبديد جميع انتصارات إسرائيل ويضع مشروعها الكولونيالي على كف طفل فلسطيني لم يولد بعد. 

التعليقات