04/07/2017 - 07:23

أمير التخبط السعودي.. موسم الحصاد الأميركي في الرياض

نشرت مجلة بولتيكو الأميريية، المتخصصة بتحليل السياسات، مقالًا تحليليًاً للكاتبين آرون ميلر وريتشارد سوكولسكي يتناولان فيه تبعات سياسية أمير الرياض الجديد وسياسات الطيش والتخبط التي ينتهجها الأمير محمد بن سلمان المدعوم من أبو ظبي.

أمير التخبط السعودي.. موسم الحصاد الأميركي في الرياض

نشرت مجلة بولتيكو الأميركية، المتخصصة بتحليل السياسات، مقالًا تحليليًاً للكاتبين آرون ميلر وريتشارد سوكولسكي يتناولان فيه تبعات سياسية أمير الرياض الجديد وسياسات الطيش والتخبط التي ينتهجها الأمير محمد بن سلمان المدعوم من أبو ظبي.

وركزا في مقالهما الذي نشر أيض في موقع  "الترا صوت"، على الأليات والزوايا التي يمكن لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب استغلالها لتحقيق مكاسب أكبر من سياسة الطيش السعودية المتجددة، خاصة باستغلال محاوف الرياض من طهران وتوظيفها تجاه تطبيع سلس وكامل مع تل أبيب.

يلعب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، دور المراهق المفتون بملك السعودية سلمان بن عبد العزيز وابنه وولي عهده الثلاثيني محمد بن سلمان. وقد كان الرؤساء الأمريكيون منذ رووزفلت متيّمين بملوك السعودية، إلا أن هذا الافتتان هذه المرة قد يكون أمرًا بالغ الخطورة. فهذا الأمير الغرّ المرشح لأن يصبح ملكًا قد يورد مملكته المهالك، والمشكلة الأكبر أنه قد يجر معه الولايات المتحدة إلى الحضيض.

ليس ترامب وحده هو الذي يكيل المدائح على هذا الأمير الجديد، فهنالك في طابور من يثني على ولي العهد الجديد وزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير الخارجية الألماني، والمسؤولون في صندوق النقد الدولي، ورئيس البنك الدولي. كيف لا وابن سلمان هو الذي وضع رؤية 2030، وهي خطة طموحة للغاية تسعى لتحويل اقتصاد المملكة وتنويعه، والتي نال بفضلها سمعة بأنه الشخص المنتظر الذي سيقود مسيرة التحديث في المملكة عبر ما يتمتع به من ديناميكية ورغبة في المخاطرة، بعيدًا عن المنهجيات المحافظة الحذرة التي تعوف المخاطر السائدة لدى من سبقه من ملوك.

لكن، وعلى المستوى المحلي في السعودية، لا أحد يضمن إن كان هذا الأمير الشاب سيحقق هذه الآمال فعلًا، ولاسيما مع وجود قوى مضادة وتحديات عديدة قد تحدّ من آفاقه ومطامحه. أما الأمر الأشد وضوحًا، فهو ما يتعلق بكيفية إدارة ابن سلمان للسياسة الخارجية؛ فخلال سنتين قصيرتين، ومن موقعه كولي ولي العهد ووزير الدفاع، ورط ابن سلمان المملكة في حماقات طائشة مع كل من اليمن وقطر وإيران، وقدم وعودًا مبالغًا بها بشأن ما يمكن للسعودية القيام بها على صعيد عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فقد كان ابن سلمان أبعد ما يكون عن إظهاره الحكمة والخبرة، بل لقد أثبت أنه طائش ومتهور، وبالكاد يعرف شيئًا عن أساليب وإستراتيجيات الحكم. ومن المؤسف أنه تمكن كذلك من توريط وجرّ إدارة ترامب الجديدة إلى عدد من هذه المغامرات الطائشة أيضًا.

ونحن لا نلقي باللوم على ولي العهد حين يتعلق الأمر بتوريط واشنطن في هذه المخططات، فهذا خطأ البيت الأبيض والذي يبدو أنه يصدق بكل سذاجة أن الرياض والتحالف السني في الخليج جادون فعلًا في مساعدة الولايات المتحدة على تحقيق أهدافها الأساسية الثلاثة في الشرق الأوسط: تدمير داعش، والحد من نفوذ إيران، وتحقيق السلام بين العرب وإسرائيل. فوفقًا لتحركات السعودية منذ أن تولى الملك سلمان وابنه السلطة عام 2015، لا يبدو من الواضح إطلاقًا ما إذا كانت الرياض قادرة فعلًا على أداء دور مؤثر فعلًا لتحقيق أي من هذه الأهداف الثلاثة. بل يمكن القول إنه في حال أخفقت واشنطن في رسم بعض الضوابط علاقتها مع السعودية ونأت بنفسها عن مغامرات أميرها الطائشة، فإنها ستخاطر بجعل تحقيق تلك الأهداف أكثر صعوبة. وفيما يلي ثلاثة مسائل يجدر بإدارة ترامب التفكير بها قبل أن تصبح سياستها في الشرق الأوسط تابعة بالكلية للمملكة العربية السعودية.

هل سيكف السعوديون عن مغامراتهم الطائشة؟ يبدو أن محمد بن سلمان رجل منحوس؛ فما من مبادرة يكون على رأسها إلا وتحولت إلى فوضى عارمة. خذ مثلاً الحرب التي شنها على المتمردين الحوثيين في اليمن، حيث انخرطت السعودية بتوجيهات الأمير مع حلفائها من دول الخليج في حملة عسكرية جوية وحشية تسبب بكارثة إنسانية وراح ضحيتها آلاف المدنيين، وألحقت دمارًا هائلًا في البنية التحتية وزادت من فداحة المجاعة التي يعاني منها اليمنيون.

يبدو أن السعوديين عالقون في ورطة كبيرة، وذلك أن حملتهم العسكرية، حتى بعد أن خفضوا سقف توقعاتهم منها، قد أخفقت في دحر الحوثيين وحلفائهم من العاصمة أو تحقيق السيطرة في الأجزاء الشمالية من اليمن، كما أنهم لا يمتلكون أي إستراتيجية دبلوماسية ناجعة لإنهاء هذه الحرب. وقد عملت الولايات المتحدة عبر دعمها واصطفافها إلى جانب السعوديين في اليمن على تعزيز وجود القاعدة في الجزيرة العربية، وزيادة نفوذ إيران في اليمن، بالإضافة إلى تهديد أمن المملكة ودفع اليمن نحو هاوية الانهيار. وهكذا صار السعوديون، ومعهم الولايات المتحدة، عالقين في مأزق كبير في اليمن، ويلزمهم على أقل تقدير أن يتوقفوا عن مفاقمة الأمور سوءًا هناك.

أما فيما يتعلق بقرار المملكة قطع العلاقات مع قطر فيبدو أن لولي العهد يدًا طولى في الأمر. (وكما حصل في حالة اليمن، فإن المملكة راحت تحث حلفاءها من العرب السنة على تأييدها في الأزمة مع قطر). هذه الأزمة، والتي تفاقمت حين تبنى ترامب بكل صراحة موقفًا مؤيدًا للرؤية السعودية، قد أصابت الدبلوماسية الأمريكية في الخليج في مقتل هذه المرة. لقد كانت إدارة ترامب تطمح لبناء تحالف سني عربي لتحقيق تلك الأهداف آنفة الذكر في الشرق الأوسط، لكن الذي حصل هو أن هذا الخصام العبثي الذي خاضته السعودية ضد قطر قد أنهى كل أمل بوجود تحالف من هذا القبيل. ولا شك أن ولي العهد الجديد في السعودية قد دبّر لهذا النزاع مع قطر ليس لرغبته في معاقبتها بالتأكيد على تمويلها للإرهاب (وهذا اتهام مضلل من السعودية التي يعرف الجميع كم دعم مواطنوها الجماعات المتطرفة عبر سنوات عديدة)، ولكن الهدف هو وضع حد للسياسة الخارجية المستقلة لدولة قطر، وخاصة فيما يتعلق بدعمها لجماعة الإخوان المسلمين وعلاقاتها مع إيران.

ما يريده السعوديون باختصار هو أن تصبح قطر دولة تابعة، كما هي حال البحرين، ضمن خطة المملكة لمد نفوذها عبر الخليج العربي. أضف إلى ذلك أن طموحات ولي العهد المهووسة بالعظمة والشوفينية الوطنية قد وضعت المملكة على خط الصدام مع إيران، وهو صدام يمكن أن تتورط به الولايات المتحدة أيضًا، بسبب ما تقدمه من دعم مطلق للسعودية وموقفها الأكثر تشددًا ضد إيران. كما أن خطاب محمد بن سلمان الاستفزازي وموقفه المتعنت من طهران لا يزيد الصراع الطائفي الذي يمزّق المنطقة إلا سوءًا.

إن قرار إدارة ترامب الوقوف إلى جانب السعودية في نزاعها مع قطر وفي حربها في اليمن أشبه بصب الزيت على النار، مع أنه حري بواشنطن أن تبذل كل ما بوسعها من أجل نزع فتيل هذه الأزمة وإطفاء ما اشتعل منها.

هل بوسع السعودية الإسهام في عملية السلام؟ لا شك أن التهديد المشترك من إيران والجماعات الجهادية السنية مثل داعش والقاعدة، بالإضافة إلى حالة الإحباط العربي من النزاع الإسرائيلي العربي المزمن، هي مسائل قد خلقت فرصة أكبر لتلاقي المصالح بين دول الخليج وإسرائيل أكثر من أي وقت سابق. لكن السؤال الذي يبقى رهين إجابة واضحة هو ما إذا كان يمكن لهذا التقارب أن يتحول إلى تعاون يمكن الاعتماد عليه لدعم مفاوضات السلام التي قد تؤدي إلى الصفقة الأمثل التي يطمح ترامب لتحقيقها بين الفلسطينيين والإسرائيليين. صحيح أن السعوديين عازمون على الانخراط في ذلك بقدر أكبر من الفترة الماضية، خاصة فيما يتعلق بحقوق استخدام المجال الجوي والتعاون في مجال الاتصالات والعلاقات التجارية، إلا أن كل هذا مشروط بأمر واحد بالغ الأهمية، وهو استعداد واشنطن للقيام بالدور المنوط بها.

فتعاون السعودية لن يأتي بالمجان، والعربون الذي تريده السعودية من وجهة نظرها، هو أن ترى من إدارة ترامب إرادة حقيقية ليس لاحتواء إيران وحسب، بل ولإضعاف نفوذها في المنطقة (وهذا أمر نراه غير واقعي وسيعود بالضرر على الولايات المتحدة على الأرجح).

لكن إن كانت إدارة ترامب تبحث عن خطوات كبيرة في هذا الصدد، كأن ترى تطبيعًا للعلاقات الدبلوماسية مثلاً بين السعودية وإسرائيل، فإن على البيت الأبيض أن يقنع الإسرائيليين بتغيير موقفهم بشأن القدس وحدود عام 1967، وهذه مهمة تكاد تكون مستحيلة في ظل حكومة نتنياهو الحالية.

هل بوسع الولايات المتحدة أن تتوقف عن دعم السعوديين وترسم بعض الضوابط؟ من الواضح أن ترامب معجب بالسعوديين، كيف لا وهو يرتبط معهم بعلاقات تجارية منذ سنوات طويلة، ورأى منهم كل ترحيب واحتفاء أثناء زيارته الأخيرة للمملكة. كما أن ترامب يعتبر السعودية لاعبًا أساسيًا يستطيع مساعدته لتحقيق أهداف الولايات المتحدة في المنطقة، ولهذا فإنه يتغاضى عن انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان، كما أنه يفسح لها مجالًا واسعًا لفرض أجندتها المعادية لإيران من دون اعتبار للمصالح الأمريكية. ومن المعروف أن محمد بن سلمان هو المحرك لمعظم هذه المغامرات الطائشة، وهو الذي جر الولايات المتحدة إلى صراعاتها المحلية، مثيرًا خطرًا وشيكًا باندلاع مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، مما قد يؤذن بانهيار الاتفاق النووي مع إيران، في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة مخاطر نووية أكثر جدية من قبل كوريا الشمالية.

لقد حان الوقت لتضع إدارة ترامب عددًا من الخطوط الحمراء في علاقتها مع الرياض، فلواشنطن نفوذ تستطيع أن تستخدمه مع السعوديين الذي يعتمدون بشكل كبير على الدعم العسكري والاستخباراتي من الولايات المتحدة لضمان أمن المملكة. ففي اليمن مثلًا، لا بد أن تخبر واشنطن حلفاءها في السعودية أنه في حال عدم استجابتهم بشكل غير مشروط مع مساعي الأمم المتحدة للتوسط لإيجاد حل للنزاع هناك فإن الولايات المتحدة ستقطع دعمها العسكري والأمني واللوجستي الذي تقدمها للمملكة ولقوات التحالف في اليمن. أما فيما يتعلق بالأزمة مع قطر فعلى وزارة الخارجية الأمريكية التدخل مباشرة والضغط على السعودية (والإمارات) للتراجع عن تلك المطالب المتطرفة التي قدمتها الدولتان لقطر، من أجل وضع حد لهذا الخلاف.

وعلى صعيد الأزمة مع إيران فإن على ترامب ربما الاستفادة قليلًا من إستراتيجية سلفه أوباما، والتراجع عن الخطاب التصعيدي الذي يؤجج الصراع مع إيران، وتوجيه رسالة واضحة للسعوديين مفادها أن الدعم العسكري والأمني لها ليس مطلقًا وأنه سيكون مشروطًا باستعداد السعودية لبذل ما يلزم من جهود للحد من التصعيد مع إيران.

ليس لدينا في واقع الأمر ما يشير إلى استعداد البيت الأبيض للقيام بأي من هذه الأمور الآن. فخلال الأعوام العديدة التي أمضيناها في العمل في وزارة الخارجية، قدمنا مذكرة تلو الأخرى ننتقد فيها اعتماد السعودية المزمن على الولايات المتحدة لحل مشاكلها الأمنية وإخفاقها في توجيه ما تملكه من إمكانات للتعامل مع التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة. كما انتقدنا باستمرار تفادي المملكة للمخاطرة باتخاذ أي خطوات جدية على صعيد عملية السلام بين العرب وإسرائيل. أما الآن، وقد نلنا شيئًا مما نطمح إليه في المملكة على شكل قيادة أكثر استقلالية ورغبة في الإقدام على المخاطر، فإنه من الضروري أن تستفيد الولايات المتحدة شيئًا من هذه الشهية السعودية الجديدة للمخاطر لصالح السياسات الأمريكية. أما إن عجزنا عن وضع القواعد الأساسية ولم نظهر أي صرامة في التقيد بها إذا ما خالفها السعوديون، فإننا سنجد أنفسنا عالقين في أجندة ضيقة الأفق لقوة صغيرة ذات مصالح لا تتقاطع بالضرورة مع مصالح الولايات المتحدة.

إن محاولة الخصوم مثل روسيا أو إيران استغلالنا أو الإساءة إلينا أمر في غاية السوء كما هو معلوم، لكن الأدهى من ذلك هو أن نكون ألعوبة بأيدي من نحسب أنهم أصدقاؤنا.

التعليقات