28/08/2017 - 10:53

احترموا الخصوصية والحيز العام...

تكمن إحدى أهم مشاكل المجتمع العربي بعدم احترام الخصوصية، فالخصوصية إحدى أهم مقومات العلاقات السليمة بين الناس في المجتمعات المعافاة، وحيث تنتهك الخصوصية يضيع حق الفرد والمجموع، ويجري اعتداء على الحيز العام بوهم ممارسة الحرية الشخصية.

احترموا الخصوصية والحيز العام...

تكمن إحدى أهم مشاكل المجتمع العربي بعدم احترام الخصوصية، فالخصوصية إحدى أهم مقومات العلاقات السليمة بين الناس في المجتمعات المعافاة، وحيث تنتهك الخصوصية يضيع حق الفرد والمجموع، ويجري اعتداء على الحيز العام بوهم ممارسة الحرية الشخصية.

الخصوصية ذات اتجاهين، هي لك وعليك، عليك بأن لا تتدخل في ما لا يعنيك، مثل ماذا يشرب وماذا يلبس وماذا يعتقد غيرك، وعلى الآخرين أن لا يتدخلوا بخصوصياتك.

ألا تؤذي الآخرين بتصرفاتك في الحيز العام، سواء كان بصوتك أو برائحتك أو ببصرك أو بلمسك، وحقك على الآخرين أيضا أن لا يؤذوك، والأذى قد يكون معنويًا أو ماديًا أو كليهما.

أحد مظاهر الاعتداء على الحيز العام، إدخال الأراجيل إلى قاعات الأفراح، وهو مكان مكيّف مكتظ بالمشاركين من مختلف الأعمار، بينهم مدخنون وغير مدخنين، ومنهم أطفال أيضًا، وهذا اعتداء صارخ على صحة الآخرين وخصوصيتهم، إلا أن مدخن الأرجيلة في القاعة يظن أن هذه حريته الشخصية وأنه حر التصرف، وبهذا يحرج الآخرين ويضعهم أمام ثلاث خيارات، فإما أن يطالبوه بوقف التدخين في القاعة وهذا سيعكّر مزاجه، وقد لا يتقبل طلبًا كهذا وتنشأ مشكلة قد تتفاقم، أو أنهم يضطرون للبقاء في القاعة وتحمّل الضرر الصحي والنفسي الذي يبثه، فهو يستمتع وغيره مغتاظ، أو أنهم يستعجلون بمغادرة القاعة وترك الفرح لحضرته، ولكن المشكلة الأخطر هي أن يكون هذا الإنسان مقتنعًا بأنه يمارس حقه وحريته الشخصية.

نعم أنت حر بأن تدخن كما تشاء في بيتك أو بيت صديقك أو في مقهى خاص أو في البرّية، حيث تكون لوحدك ولا تسبب ضررًا للآخرين.

لا شك أن كل واحد منا يشعر بشيء من السعادة بالحضور العربي الكثيف على شواطئ البلاد في هذه الأيام وفي الأمكنة العامة والأحراش والمحميات الطبيعية عمومًا، وكذلك في المنتجعات السياحية خارج البلاد، نشعر بالفخر بكل عربي فلسطيني يعتز بتراثه وموسيقاه ولغته، ويسمع ويستمتع ويتصرف بذوق، ولكن بين الفرح والاعتزاز القومي باللغة والموسيقى والتراث، وإزعاج الآخرين، توجد مسافة كبيرة.

فنلاحظ أن هناك من يريد فرض ذوقه الموسيقي على كل من حوله في القطار أو في المتنزه أو على شاطئ البحر أو في الفندق في البلاد وخارجها. هنالك من يحب سماع سحجة الدحيّة وعلي الديك وغيره، فيُشغّل ذوقه هذا على الشاطئ أو المنتجع مع سماعات كأنه في قاعة أفراح ليصل صوتها لمسافة مئة متر، هكذا فهو يرغم المستجمين الآخرين على سماع ذوقه الذي قد يرى الآخرون فيه إزعاجًا، فهو يفترض أن الجميع يرقصون طربًا على اختياره، وما يلبث أن يتحول إلى أغنية عبرية بلحن عربي وأخرى تركية وأخرى يونانية، ثم يعود للدحية، وكأنه يريد تلبية جميع الأذواق من حوله.

هكذا يتحول الحيز العام إلى مكان خاص لهذه المجموعة أو تلك من الشبان المتحمسين لذائقتهم الفنية، وإلى مكان مزعج بدلا من أن يكون مكانًا للراحة.

هذا الإزعاج قد يمر بسلام في معظم الحالات، إذ تفضل الأكثرية عدم الخوض في المشاكل، ولكنه أيضا قد لا يمر بسلام، وقد يسبب مشاكل ومشادات ليس فقط بين عرب ويهود لا يريدون سماع العربي، بل بين عرب وعرب آخرين، لقد وصلت تصرفات البعض المستفزة المتهورة إلى شرم الشيخ وتركيا، فصار هؤلاء يصرحون بكراهيتهم لمن يسمونهم "عرب إسرائيل"، بسبب الفوضى التي يحدثها البعض حيثما حلّ، وغياب الحساسية لحقوق الآخرين في الراحة والهدوء والنظام والخصوصية، حتى صرنا نحن أنفسنا نكره المكان الذي يتواجد فيه أشقاؤنا وأبناء وطننا.

من حق المستجمين بمختلف أذواقهم أن يرتاحوا، وأن يحظوا بالخصوصية، أن يسمع كل واحد منهم ما يشاء بصوت منخفض لا يعتدي فيه على سمع الآخرين، فالموسيقى التي تحبها أنت قد تزعج غيرك سواءً كان عربيًا أو يهوديًا، بل قد يكون محبًا لهذه الموسيقى ولكن ليس في هذا المكان ولا في هذه اللحظات.

الآن ومع حلول عيد الأضحى المبارك، نتمنى أن تكون الأمكنة العامة وخصوصًا الشواطئ والمنتجعات في البلاد وخارجها أمكنة للراحة وتنفيس الضغوطات الاجتماعية والسياسية وعناء العمل وحرارة الطقس، وليس للمشادات الكلامية والجسدية كما حدث في تركيا قبل شهرين بين مستجمين من بلادنا، بسبب الخلط وسوء التقدير بين حدود الحرية الشخصية والحيز العام وحقوق الآخرين، فليكن الحيز العام مكان راحة للجميع وليس للبعض على حساب الآخرين، وطابت أيامكم جميعا وتطيب باحترام خصوصياتكم وخصوصيات الآخرين.

التعليقات