30/10/2017 - 16:40

وباء الأفكار المسبقة/ سهيل كيوان

لأفكار المسبقة قد تكون باتجاهين، سلبي أو إيجابي بعيدًا عن الواقع. الفكر المسبق يكون أكبر في حالات التعميم، فنقول إن الطائفة الفلانية فاسدة أو منحلة أو خائنة أو العكس، فنقول إن الطائفة الفلانية هي من الأبطال والكرماء والأسخياء.

وباء الأفكار المسبقة/ سهيل كيوان

الأفكار المسبقة من أشد الآفات خطرًا على المجتمعات، تنتقل بدون وعي من جيل إلى جيل ومن شخص إلى آخر ومن مكان إلى مكان، قد تكون الفكرة المسبقة عن شعب أو أمة أو دين أو مذهب أو حزب أو عن فرد معين، ربما تصل أعداد الذين يحملون أفكارًا مسبقة في العالم إلى مليارات من البشر، فأنت قد تحمل عن غيرك وغيرك يحمل عنك، وشعبك وأبناء دينك وقوميتك يحملون هذا عن غيرهم، وغيرهم يحمل هذا عنهم.

الأفكار المسبقة قد تكون باتجاهين، سلبي أو إيجابي بعيدًا عن الواقع.

الفكر المسبق يكون أكبر في حالات التعميم، فنقول إن الطائفة الفلانية فاسدة أو منحلة أو خائنة أو العكس، فنقول إن الطائفة الفلانية هي من الأبطال والكرماء والأسخياء، في كلتا الحالتين نرتكب خطأ فادحًا، لأن كل طائفة فيها من كل لون وصنف رغم وجود ميول واضحة لدى الأكثرية باتجاه معيّن.

أكثر الأفكار المسبقة ضررًا هي التي تصاغ بصورة منهجية على يد أحزاب أو تنظيمات أو على يد وسائل إعلام رسمية معينة، تطمح إلى تشويه صورة المنافسين لمصالح سياسية ترتدي لباسا دينيا أو قوميا أو حتى إنسانيا.

أخطر هذه التنظيمات هي التي تتعامل بنظام المركزية، والتي تعني أن ينفذ عضو التنظيم ما يُقرر دون نقاش، فلا يسمح لعضو بنقاش ما يفكر فيه إلا داخل إطار تنظيمه، فإذا خرج بنقاشه إلى خارج الإطار اعتبر خائنا أو مرتدًا أو عميلا أو مدسوسًا أو أنه يخدم الخصوم إلخ، الأمر الذي يعني تكريس الأفكار المسبقة ومنع مناقشتها بصورة علنية، ومحاصرة التفكير المتحرر.

الأفكار المسبقة في مجتمعنا قد تكون عائلية، فنجد أن معظم أبناء الحمولة يرددون نفس الأسطوانة ضد حمولة أخرى وخصوصًا عندما تقترب انتخابات البلديات والمجالس المحلية، يصبح التحريض الجماعي أسهل الطرق لتوحيد الحمولة حول مرشحها والعداء للمرشح الآخر اللص قليل الأصل المعتدي على أعراض الناس العميل الناكر للمعروف.

وقد تكون أفكارًا مسبقة ضد مجموعة بشرية جاءت من خارج الإطار الذي نعرفه، القروي عادة، كمهاجرين أو كسكان جدد، هذا موجود في بعض قرانا.

أوروبا وأميركا ركب موجة العداء للمهاجرين سياسيون لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم بالوصول إلى السلطة. وقد يكون التحريض المسبق مبنيا على العرق واللون أو الدين كالفكر المسبق ضد السود والمسلمين، في مرحلة وزمن ما من التاريخ كان ضد اليهود ووصفهم كمجموعة بأوصاف بذيئة يرفضها المنطق الإنساني، مثل عجن المصّة (الخبز العويص) بدم الأغيار عيد الفصح العبري.

وقد يكون التحريض مذهبيا فيوصف ابن المذهب الآخر بأنه كافر أو منحرف أو مضلل أو جبان.

التحريض المنطلق من قواعد دينية قد يكون الأخطر، لأن كل من يعترض عليه قد يعرض نفسه للخطر، فالجماهير المشبعة بالأفكار المسبقة تحوّلها إلى بديهيات من الصعب جدا مناقشتها ومحاورتها.

قد تكون بعض الأفكار المسبقة صحيحة ومبنية على تجارب ضد أشخاص معينين، ولكنها لا يمكن أن تكون صحيحة ضد مجموعة بشرية أخرى، لأن التعميم دائما يظلم فئة مختلفة داخل الإطار نفسه.

المنطق السليم يقول إن واجبنا أن نفكر مليا وأن نعد للعشرة قبل التفوه بكلمة أو القيام بتصرف ما، وأن نبتعد دائما عن التعميم، وأن نسأل أنفسنا عن مدى إطلاعنا على الحقائق قبل النقل، وأن نضع أنفسنا مكان هذا الذي يتعرض للهجوم والشيطنة، كيف سيكون ردنا!

عانى ويعاني مجتمعنا وأمتنا من الأفكار المسبقة سواء تلك التي يحملها آخرون ضدنا أو التي نحملها نحن ضد آخرين. ولهذا علينا أن ننمي لغة الحوار وفتح المجال لمناقشة أي موضوع مهما كان شائكا بإصغاء للصوت المختلف، فهذا يضمن لنا أن نكون مجتمعا صالحا ومترابطا وقادرا على التعامل مع قضاياه الكبيرة بصورة واعية.

فلننتبه كيف يشوه الإعلام العبري الفلسطينيين والعرب والمسلمين بصورة منهجية، وإن كان يسمح للبعض بالظهور في هامش ضيق من التعبير والمنافحة، إلا أن غسيل الدماغ والأفكار المسبقة باتت عميقة بحيث بات معظم اليهود في إسرائيل يرددون ما يردده إعلامهم من تحريض، فما بالكم بأنظمة لا تسمح بسماع الرأي المغاير لها ولسياساتها، بل وتحارب وسائل الإعلام التي تتيح حرية التعبير.

هناك أفكار مسبقة زرعت بشكل ممنهج في رؤوس الكثيرين، لست مع بشار فأنت داعشي، لست مع السيسي فأنت مع الإرهاب، لست مع الملك فأنت ناكر للجميل والنعمة، لست مع حزب الله فأنت مع إسرائيل، لست مع نظام آية الله في إيران فأنت مع أميركا والصهيونية والنظام السعودي.

هذا يشير إلى خطورة حمل الفكرة والتمسك الأعمى بها من دون تمحيص وإعادة نظر.

اقرأ/ي أيضًا | أعيدوا للحياء مجدَه....

نحن بحاجة إلى إعادة نظر دائمة بأفكارنا وبالمسلّمات كلها، السياسية والاجتماعية والفكرية العقائدية، وأن نسمح لأدمغتنا بالانطلاق فوق الميول الشخصية والمصلحية واسترضاء القطيع، لنبحث دائمًا وأبدًا، ليس لإثبات صحة تنظيراتنا المسبقة بمعظمها، بل للوصول إلى الحق والعدالة أينما كان وكانت.

التعليقات