02/11/2017 - 19:06

عن تجربة الحركات الشبابية بالداخل

في بحث أقيم بعنوان "عطاء"، والذي أصدرته جمعية بلدنا على سبيل المثال، مذكور أن عمر هذه الحركات أو معدلها ثلاثة أعوام بناء على التجارب السابقة، وأن أية استدامة تكون إما بمأسسة هذه الحركات عن طريق تبادل فعلي للأجيال ودستور

عن تجربة الحركات الشبابية بالداخل

إن الحراك الشبابي والحركات الشبابية في مجتمعنا في الداخل الفلسطيني ليس وليدًا جديدًا وليس هو بظاهرة أو ردة فعل عفوية، لا يمكننا البحث في هذا الموضوع دون العمق التاريخي لمجتمعنا ودون بحث قضايا ذات صلة وتأثير، فليس الشباب منعزلًا عن المجتمع أو تاريخه، بل هو يؤثر ويتأثر، إن إرهاصات النكبة عام 1948 كان لها ومازال أشد الأثر.

فمن مجتمع فيه بذور العصرنة والنوادي الشبابية والحياة الثقافية المزدهرة في المدن الكبيرة والمركزية، بل حتى في بعض أماكن الريف الفلسطيني آنذاك، كل هذا تلاشى بكارثة حلت على مجتمعنا بين ليلة وضحاها، تم تهجير معظم شعبنا بمن فيه من مثقفين وأدباء وشعراء، فوجد آباؤنا وأجدادنا أنفسهم أقلية في دولة ناشئة، أقلية يتيمة معزولة عن محيطها الطبيعي تحت حكم عسكري دام ما يقارب العقدين على أنقاض حضارة وشعب.

ظهرت القوى الحزبية بداية مع الحزب الشيوعي الذي شكل امتداد للحزب الشيوعي الفلسطيني وعصبة الأحرار، لست بمكان أن أقيم أو آخذ موقف من أية تجربة أو أحداث تاريخية حصلت، بل مجرد سرد سريع لأهم المحطات التي كان لها الأثر على نشوء الحركات الشبابية. فبداية كان للحزب الشيوعي أثر عظيم على تشكيل نواة لشبيبة نشيطة سياسيًا واجتماعيا ومن ثم تم استكمال هذه القوى الحزبية بقوى إسلامية وأخرى علمانية، ومن ثم في العقد الأخير من القرن الماضي قوى قومية ديمقراطية أحدثت ثورة حقيقية في فئة الشباب وكانت استكمال لكل المساعي الحزبية ودورها التاريخي الذي لا يمكن تجاهله، لكل هذه القوى الحزبية كان دور عظيم في نشوء فئات شبابية ناشطة ومعطاءة تقوية انتمائها سواء كان ذلك الأممي أو القومي أو الإسلامي، كلها أجمعت على الانتماء الوطني ومن الانتماء ينبع العطاء.

المعادلة التي كانت وما زالت موجودة وبسيطة، هي خلق وتعزيز الانتماء، وبالتالي يكون العطاء على قدر الانتماء وبقدر المغارم تكون المغانم والإنجازات، في نهاية القرن السابق وبداية القرن الحالي شهد مجتمعنا الفلسطيني تحولًا جديدًا ذا أثر عظيم في نشوء مجموعات شبابية غير حزبية بعيدة عن السياسة وتصب جام اهتمامها في النواحي الاجتماعية، لن أخوض بالأسباب فلست مختصا في علم الاجتماع، ولكن قد يكون ذلك نفورًا من الأحزاب عند بعض الشباب، رغم أن القائمين في معظمهم على هذه الحركات الوليدة كانوا سابقًا ناشطين حزبيين سواء أكانوا إسلاميين، قوميين أو شيوعيين.

في العقود الثلاثة السابقة، شهد مجتمعنا نهضة حقيقية، تم فيها تأسيس جمعيات مختصة في نواحي عديدة من بينها الجمعيات المختصة في شؤون الشباب، وتم تأسيس حركات شبابية في الشمال بداية ثم في المثلث والمدن المختلطة وأخيرا في النقب. كل هذه الحركات الشبابية أو جلها سعت جاهدةً لتقوية الانتماء وتعزيزه للوطن دون وساطة الحزب وبالتالي عطاءً ونشاطًا اجتماعيًا للإصلاح وإحداث تغيير حقيقي ونشر قيم التطوع وأخذ زمام المبادرة والتخًلص أو التمرد على وصاية "المخاتير" ووجاهات البلدات التي ما فتئت تهمش الشباب، بل وتصنع العراقيل في سعيهم.

سأخوض في هذا المقال بحقبة حديثة عاصرتها وفي العقد الأخير، تحديدًا منذ العام 2009 حتى يومنا الحالي، وكنموذج حركات شبابية شهدت عليها، في العقد الأخير تم تأسيس حركات محمودة وروابط أكاديمية في المثلث، تحديدًا في باقة الغربية، زيمر وكفر برا، تلتها تدريجيًا بلدات عديدة كظاهرة الدومينو، حفزت كل حركة في بلدة معينة بلدة أخرى، بعض هذه الروابط للأسف افتقدت للدعم الكافي أو الرؤية والتخطيط والتنظيم فتلاشت، وبعضها استمر رغم عراقيل عديدة، في المثلث في عام 2009 تم تأسيس رابطة أكاديميي باقة الغربية، تلتها رابطة أكاديميي وشباب زيمر، تلتها رابطة أكاديميي كفر برا، من بين هذه الحركات الثلاث ما بقي اليوم ناشطًا هو الأخيرتين.

وألقى الربيع العربي عام 2011 بظلاله أيضا على مجتمعنا الفلسطيني في الداخل، شعر الشباب هنا كأي مكان في الوطن العربي بالقدرة على التغيير والإمساك الفعلي بزمام المبادرة، فتم تأسيس الحراك الشبابي في باقة الغربية، وجت المثلث، وكفر برا، وعارة وعرعرة وحركات سابقة كانت ناشطة قبل الربيع العربي أيضا شهدت نهضة قوية مثل في كفر برا، كفر قاسم، زيمر، أم الفحم، الطيبة، الطيرة وبلدات عديدة في منطقة المثلث تحديدًا.

تم تتويج هذه الحركات بان اجتمعت في حزيران/ يونيو عام 2009 بمبادرة من رابطة أكاديميي وشباب زيمر ورابطة أكاديميي عارة وعرعرة "جذور" ورابطة أكاديميي كفر برا والحراك الشبابي في كفر قاسم وجت وأم الفحم وباقة الغربية وكفر قرع، وممثلين عن جمعيات فاعلة وناشطة في المثلث كجمعية تشرين في الطيبة ودارنا في الطيرة. اجتمع ممثلين عن كل هذه الحركات الحديثة آنذاك في بلدة زيمر في قصر الثقافة، في لقاء هدف إلى تقوية التشبيك وتبادل الخبرات والتنسيق. وفعلًا انبثق عن هذا اللقاء الأول ميثاق وتعهد بالتشبيك والتعاون والتنسيق بما يصب بمصلحة مجتمعنا.

تلى هذا اللقاء عامين حافلين من اللقاءات المشتركة والتعاون الحقيقي بين هذه الحركات، إلا أن بعضها مع الأسف لم تستمر لأسباب عديدة لا يمكن التغاضي عنها، هي نفسها الأسباب التي تجعل النشاط الشبابي غير الحزبي صعبًا ومليئا بالتحديات والعراقيل، نقص الموارد المالية، نقص التنظيم والتخطيط والرؤية قصيرة وبعيدة المدى المنشودة لضمان للاستدامة، عدم وجود تعاون حقيقي من بعض القيادات التقليدية في كل بلدة وغيرها من أسباب، أما اليوم، وبعد مرور خمس أعوام على تأسيس ما تم تسميته آنذاك ملتقى أو اتحاد الحركات الشبابية، فلم يعد موجودًا إلا اسميا، كون قسم كبير من الحركات التي أسسته لم تعم قائمة مع الأسف، لم يبقى من تلك الحركات التي اجتمعت في قصر الثقافة في زيمر سوى رابطة أكاديميي وشباب زيمر، رابطة أكاديميي كفر برا، جمعية تشرين وجمعية دارنا، وحركة الشبيبة للتغيير في كفر قاسم (بالطبع هنالك جمعيات أخرى هامة جدًا لكن الحديث يدور عن تجربة ائتلاف الحركات الشبابية في المثلث كنموذج) وروابط جديدة تشكلت مؤخرًا في قلنسوة الفريديس وجسر الزرقاء تسعى في هذه الأيام ولوضع لُبنات ائتلاف بينها بخطوات ثابته ومدروسة مستفيدين من التجربة المنصرمة لضمان نجاعة هذا الائتلاف وبدعمٍ ومرافقة حثيثة من جمعية تشرين لضمان الاستدامة والمهنية.

وبعد ذلك التاريخ نشأت روابط أكاديمية وحركات عديدة في المثلث مثل أكاديميو الطيرة ورابطة أكاديميي جت، ورابطة أكاديميي كفر قاسم، التي كان ومازال لها أثر عظيم في العطاء لكل حراك أو حركة أو رابطة خصوصيتها فبعض الحركات تصب جام اهتمامها ونشاطها على التوجيه الأكاديمي والدراسي وبعضها على الفعاليات التطوعية وبعضها على تعزيز الحياة الثقافية والتوعوية، لكن هنالك قواسم مشتركة عديدة بين كل هذه الحركات، مثل أنها غير حزبية، شبابية وتؤمن بقدرة الشباب على صناعة تغيير حقيقي وعلى تحدي الصعاب والعراقيل التي تواجهها.

من التجارب المنصرمة غير الموفقة في بعض البلدات تم استخلاص عبر عديدة، وكانت حافزا للحركات التي ما زالت قائمة أن تقوم بدراسة هذه التجارب كي تسعى إلى عدم تكرار نفس الأخطاء أو لتستعد لتواجه الصعاب التي واجهتها، بل ومد يد العون لها لنشوء حركات عتيدة على أثر تلك التي لم تستمر، الديمومة في الحركات الشبابية غير مضمونة بسبب كل التحديات التي ذكرتها وفقدان عناصر هامة لضمان الاستدامة كتبادل الأجيال والتنظيم والتخطيط ورؤية متجددة على الدوام.

في بحث أقيم بعنوان "عطاء"، والذي أصدرته جمعية بلدنا على سبيل المثال، مذكور أن عمر هذه الحركات أو معدلها ثلاثة أعوام بناء على التجارب السابقة، وأن أية استدامة تكون إما بمأسسة هذه الحركات عن طريق تبادل فعلي للأجيال ودستور يضمن ترابط الحركة، هذه النتائج هي غاية في الأهمية وهي مبنية على بحث ميداني شارك به عدة باحثين وتم فيه مقابلة ممثلين عن حركات عديدة.

بحث آخر غاية في الأهمية قام به مدير مركز إعلام، بروفسور أمل جمّال، عن موضوع الحركات الشبابية الدوافع والتحديات عام 2011، مع تأسيس ملتقى الحركات الشبابية آنذاك، تم التواصل مع جمّال عبر جمعية الجماعة في جت من اجل إقامة دراسة أكاديمية تبحث موضوع الحركات الشبابية وتعطي التوصيات اللازمة لهذه الحركات. من أهم التوصيات كانت ضرورة بناء خارطة طريق في كل حركة وتنظيم حقيقي ومن أجل التنظيم هنالك حاجة ماسة أن تخوض هذه الحركات استشارة تنظيمية مهنية لتقديم الإرشاد اللازم وطرق تجنيد الموارد المادية ووضع خطط استراتيجية على سبيل المثال لا الحصر.

أما مستقبل الحركات الشبابية والوُجهة في المثلث خصوصًا والداخل الفلسطيني لعله يكون أكثر إشراقًا، في أوروبا على سبيل المثال، للشباب دور محسوس ضمن مؤسسات المجتمع المدني، وثمة تنظيم أكبر في اتخاذ القرارات ونيل حقوق عظيمة لفئة الشباب، التنظيم الحاصل بين فئة الشباب في معظم أنحاء القارة العجوز أو على الأقل الدول المشاركة في الاتحاد الأوروبي رغم الاختلافات وخصوصية كل مجتمع، إلا أنه باعتقادي يشكل نموذجًا يحتذى به لما حققه من نجاح وانجازات، لعلنا في عالمنا العربي وفي مجتمعنا الفلسطيني في الداخل نصل إلى هذه الدرجة من التنظيم وحركات شبابية قوية وقادرة على العطاء بتذليل العقبات، وأقدر على صناعة إنجازات محسوسة أكثر تعود بالفائدة على الشباب والطلاب الأكاديميين كما المجتمع عامةً.

 

التعليقات