03/04/2023 - 21:08

أطفال جائعون... المجاعة في الأدب الشعبيّ (1/3)

أطفال جائعون... المجاعة في الأدب الشعبيّ (1/3)

تصميم : علاء سلامة.

 

يتميّز شهر رمضان بوصفه شهر الصيام والصلوات بسياقاته الدينيّة الإسلاميّة، وشهر المسلسلات والسهرات والولائم العائليّة بسياقاته الثقافيّة العربيّة. لكن، ما زال الكثيرون يدّعون أنّنا "نصوم حتّى نشعر بالفقراء". وفي سؤال ورد على شبكة «إسلام سؤال وجواب»[1]، ادّعى أحدهم أن "ليس ثمّة نصّ في القرآن الكريم، أو السنّة النبويّة، يدلّ بخصوصه على أنّ الله تعالى فرض علينا الصيام من أجل الإحساس بالفقير، لكنّ مَنْ ذكر ذلك من أهل العلم"، ويضيف: "بناه على أنّ هذا داخل في عموم التقوى، الّتي نصّ القرآن الكريم على أنّها الحكمة من الصيام"؛ أي أنّ من جملة التقوى، الشعور بحال الفقير، ما يبعث على الإحسان إليه.

في هذا السياق، تُنشر هذه السلسلة خلال شهر رمضان من ثلاث موادّ متتالية، تعرض مجموعة من القراءات العامّة في سياق الشعور بالفقير والضعيف، من خلال عرض تمثيلات مختلفة لمثلّث الجوع والطعام والجسد، في ثلاثة حقول أدبيّة مختلفة: (1) الأدب الشعبيّ، (2) أدب الأطفال، (3) أدب الفتيان.

 

فولكلور الجوع والمجاعة

الجوع والمجاعة من أكثر التجارب الإنسانيّة بساطة وتجريديّة لواقع الحياة الأليم؛ كون تحدّيات الحصول على الطعام كانت ظاهرة منتشرة بكثرة في العصور الوسطى، وبين الطبقات الفقيرة حتّى أيّامنا هذه. اندرجت قضايا الجوع والمجاعة بين أبرز المواضيع الّتي عُولِجت في الأدب الشعبيّ المحكيّ، وفي قصص الشعوب. من بيت السكاكر في قصّة «هنزل وغريتل»[2] الألمانيّة حتّى الوعاء الهارب في «طنجر طنجر»[3] الفلسطينيّة.

تعرض هذه القصص الشعبيّة، رغم الخيال العجائبيّ المفعم فيها، معاناة حقيقيّة وواقعيّة للشعوب الراوية لها؛ معاناة البحث عن القوت اليوميّ، وتؤدّي بأبطالها إلى البحث عن مخارج متطرّفة لمواجهة الجوع، مثل التخلّي عن أطفالهم أو حتّى التغذّي عليهم. في فترات المجاعة، يوفّر الأدب الشعبيّ منفذًا ومفرًّا نفسيًّا للتعامل مع واقع الجوع، من خلال عرض المواساة والأمل، وحتّى الإرشاد التربويّ أيضًا. في المادّة التالية، ومن خلال أمثلة من الأدب الشعبيّ العالميّ، سأعرض كيف يُمَثَّل الجوع بتقنيّات حكواتيّة حتّى يُتَعامَل معه؛ لتقصّي كيفيّة توظيف هذه القصص لتشجيع مواجهة ألم المعدة أوّلًا، ثمّ يليه الظلم الاجتماعيّ والسياسيّ المؤدّي إليه.

 

كوخ من الحلوى والسكاكر

واحدة من أبرز القصص الّتي تتعامل مع الجوع قصّة «هنزل وغريتل» للأخوين غريم. تدور القصّة باختصار حول شقيقين يضيعان في الغابة في أثناء قطف التوت، بعد أن أقنعت زوجة أبيهما والدهما بالتخلّي عنهما؛ بسبب فقر العائلة وعدم قدرتها على توفير الطعام لأربعة أفراد. يعثر هنزل وغريتل على كوخ مصنوع من الحلوى والسكاكر، ويباشران بتذوّقه. سرعان ما يكتشفان أنّ البيت هو ملك لساحرة شرّيرة تأسرهما وتخطّط لأكلهما. هنزل وغريتل يتفوّقان على الساحرة ويدفعانها إلى الفرن. بعد ذلك، يعودان إلى بيتهما مع كنز كانا قد وجداه في كوخ الساحرة. الكنز الّذي حصل عليه الشقيقان، ينقذهما وعائلتهما من براثن الموت جوعًا.

 

 

إذا تعاملنا مع النصّ وصفًا لموقف واقعيّ، فسرعان ما يتوارد إلى أذهاننا السؤال إن كان ثمّة أيّ إنسان يمكنه تفضيل نفسه على أطفاله، والتخلّص منهم للتوفير في الطعام. من جهة، اعتبارات زوجة الأب هي اعتبارات واقعيّة نابعة من واقع الجوع والفقر، وهي تعتقد أنّهما لن يكونا قادرين على العيش معًا، وأنّه إذا لم يرحل الطفلان فسوف يموتان؛ فعمليًّا خيارها بدفع الأب إلى التخلّص منهما هو خيار منطقيّ للنجاة بحياتها وحياة زوجها، إلّا أنّ تضحية من هذا النوع هي أقسى ممّا قد يُتوقّعُ من إنسان ما. وهذه القصّة أيضًا توفّر درسًا تربويًّا ثاقبًا للأطفال؛ وهو أن يحذروا من كبار السنّ الّذين يقدّمون لهم الحلوى والسكاكر؛ لأنّهم قد يهدّدون بالتهامهم.

«هنزل وغريتل» حُلِّلت على مدار السنوات بعشرات الأدوات التحليليّة، من علوم الإنسان حتّى علم النفس ودراسات المجتمع والتاريخ. يشير الباحثون الأدبيّون الّذين يوظّفون تقنيّات التحليل النفسيّ (Psychoanalysis) على النصّ، وعلى رأسهم برونو باتلهايم[4]، لمستوى النصّ الواعي واللاواعي. الادّعاء المركزيّ في هذه التقنيّة، هو أنّ الوعي يقرأ الرموز الواعية في النصّ، واللاوعي يقرأ النصوص اللاواعية فيه. في الأدب الشعبيّ، يتعامل الأطفال مع همومهم ومخاوفهم اللاواعية، من خلال قراءة النصّ الّذي يوفّر آليّات دفاعيّة للاوعيهم. يدّعي الباحثون أنّ قراءة الأدب الشعبيّ قد توفّر للكثير من الأطفال الشعور بالراحة النفسيّة، حتّى دون أن يعرفوا السبب وراء هذه الراحة، وتفسيرهم هو أنّ تأثيرها يكون مباشرًا على اللاوعي.

عندما يعالج النصّ قضايا الجوع والأكل، فعادة ما يُتَعامَل معه على أنّه يمثّل مرحلة النموّ الأولى في نظريّة النموّ النفسيّ الجنسيّ عند فرويد، وهي ما يُسَمّى المرحلة الفمويّة أو الشفويّة. «هنزل وغريتل» هي قصّة تتعامل بشكل مباشر مع هذه المرحلة؛ لأنّها تعرض أمًّا مستعدّة للتخلّي عن طفليها لتحصل بنفسها على الطعام، وهناك طفلان يضحّيان بفتات الخبز ليجدا طريقهما للعودة إلى البيت؛ أي أنّ القصّة تبدأ بعرض شحّ حياة العائلة وفقرها وحاجتها، ثمّ تنتقل إلى الجهة المعاكسة تمامًا، وهي الوفرة المفرطة في بيت الساحرة المصنوع كلّه من حلوى وسكاكر.

هذه القطبيّة بين البيتين، تعرض محور تعامل الطفل مع والدين شديدين أو مُدلّلين. في الحالتين، يكون التطرّف خطرًا جدًّا على نموّ الطفل السليم[5]. بيت الحلوى في القصّة يمثّل حلم المرحلة الشفويّة، لكنّه يحمل في لبّه كذلك مفارقة تواجه الطفلين، وهي أنّ أكلهما من البيت؛ بيت الحلوى، سيهدّد أمانهما بالبيت؛ لأنّه سوف يتلاشى إذا أكلاه، وامتناعهما عن الأكل قد يهدّد كيانهما ووجودهما حتّى لا يموتا جوعًا؛ أي أنّ القطبيّتين تتمثّلان في بيت الحلوى كما تتمثّلان في المقارنة بين البيتين. في الحالتين، على الطفل إيجاد التوازن بين خياراته، بالضبط كما يحصل في القصّة الشعبيّة، عندما يأخذ الطفلان ما يحتاجان من بيت الحلوى، ويعودان إلى بيت الفقر لحلّ مأزقه.

 

استعارة الجوع والمجاعة

في قراءة اجتماعيّة تاريخيّة للكتاب، يمكننا أن نجد تفسيرات أخرى تعرض النصّ بطريقة مختلفة تمامًا. في كتاب «المذبحة الكبرى للقطط»[6]، يحلّل دارنتون قصّة «هنزل وغريتل» وسياقيها التاريخيّ والثقافيّ، ويدّعي أنّ القصّة تعكس مخاوف الفلّاحين الألمان ونضالاتهم في القرن السادس عشر، الّذين واجهتهم المجاعة والفقر والمرض والاضطرابات الاجتماعيّة. تبدأ القصّة مع الطفلين اللذين يهجرهما والداهما في الغابة؛ لأنّهما لا يملكان طريقة لإطعامهما. ثمّ يواجه الطفلان ساحرة تجذبهما إلى منزلها بوعد تقديم الطعام المتمثّل بالسكاكر، لكنّها تنوي في الواقع أكلهما بنفسها. يقترح دارنتون أنّ الساحرة في القصّة تمثّل استعارة للجوع والمجاعة. بيت الساحرة، المصنوع بأكمله من طعام، يمثّل رغبة الفلّاحين في القوت والأمن، في زمن الندرة والقحط. ويمكن تفسير انتصار الطفلين على الساحرة بوصفه شكلًا من أشكال تحقيق الأمنيات؛ إذ تقدّم القصّة خيالًا مهدّئًا ومسكّنًا للتغلّب على الجوع، والبقاء على قيد الحياة، في الأوقات الصعبة.

فضلًا على تصوير الجوع والحرمان، يقترح دارنتون أنّه يمكن أيضًا اعتبار «هنزل وغريتل» انعكاسًا للاضطرابات الاجتماعيّة والأزمات الفلّاحيّة في القرن السادس عشر. إذ يمكن تفسير أكل لحوم البشر الّذي تمارسه الساحرة، وكفاح الطفلين ضدّها، على أنّه استعارة للصراع بين الفلّاحين والنخبة الحاكمة؛ إذ تهدّد الأخيرة بنهش أجساد الفلّاحين.

الأدب الشعبيّ في نظر دارنتون، وهذه القصّة بشكل خاصّ، يعكسان السياق التاريخيّ والثقافيّ الاجتماعيّ الّذي جرت فيه روايتها. إذ يمكن قراءة القصّة على أنّها انعكاس لنضالات الفلّاحين الألمان في القرن السادس عشر ومخاوفهم، علاوة على كونها شكلًا من أشكال التعليق الاجتماعيّ على النزاعات، وعدم المساواة في ذلك الوقت.

 

ليلى الحمراء تأكل لحم جدّتها

«هنزل وغريتل» ليست القصّة الشعبيّة الوحيدة الّتي تناقش هذه المواضيع، إذ توجد مئات القصص الأخرى، الّتي تعرض الحرمان والجوع والتعامل مع الطعام علاجًا أو تهديدًا. دارنتون نفسه، يذكر في كتابه سياق قصّة «ذات القبّعة الحمراء»، أو «ليلى الحمراء»، وعلاقتها بالأكل؛ فهي تنطلق من بيت والدتها، وتترك الأمان الّذي فيه؛ لكي تأخذ الطعام إلى جدّتها العجوز المريضة. ومنذ البداية يُعْرَض الأكل على أنّه العلاج المركزيّ والمواساة الحقيقيّة للمريض. في سياقات وروايات مختلفة، تأخذ ليلى الحمراء إلى جدّتها أمورًا مختلفة في السلّة، فمثلًا في صيغة شارل بيرو الفرنسيّة[7]، تأخذ الطفلة إلى جدّتها كعكة وإناء زبدة، وفي صيغة الأخوين غريم الألمانيّة، كعكة وقنّينة نبيذ - بسببها مُنِعت قراءة القصّة في بعض الروضات في أمريكا، أمّا في صيغة بول ديلاروا الفرنسيّة، كما جاءت على لسان فرانسوا بريفو[8] من عام 1885، فتأخذ الطفلة معها رغيفًا من الخبز وقنّينة حليب، لكن حصرًا في هذه الصيغة، يتمكّن الذئب من التهام الجدّة قبل وصول الطفلة، ويحضّر ممّا تبقّى منها، طبقًا من اللحمة أو النقانق وقنّينة ’نبيذ‘ من دمها؛ ليضيف الطفلة إلى جسد جدّتها ودمها عند وصولها. في صيغة أخرى جاءتنا من إيطاليا على لسان إيتالو كالفينو[9]، نجد الذئب المتنكّر للجدّة يصنع من جسدها أكلات مختلفة، ويطلب من الطفلة المسكينة تذوّقها واحدة تلو الأخرى:

- "جدّتي، أنا جائعة، أريد عشائي أوّلًا".

- "يمكنك أكل الفول المغليّ في الوعاء".

في الإناء كانت أسنان الجدّة، حرّكتها الطفلة، وقالت: "يا جدّتي، إنّها صلبة للغاية".

- "حسنًا، تناولي الفطائر في المقلاة".

في المقلاة كانت أذنا الجدّة. تحسّستهم الطفلة بالشوكة، وقالت: "يا جدّتي، إنّها ليست مقرمشة".

- "حسنًا، تعالي إلى الفراش، يمكنك أن تأكلي غدًا".

 

في هذه الصيغة الغريبة، نجد الطفلة ذات القبّعة الحمراء تتضوّر جوعًا، إلّا أنّ شيئًا ما يبدو لها غير صحيح، وفاسدًا، في الطعام الّذي تقترحه عليها جدّتها المزعومة. وعمليًّا في هذه الصيغة، مقارنةً بصيغة ديلاروا الفرنسيّة، نجد الطفلة ترفض أكل لحم البشر، ولحم جدّتها بخاصّة. في قصّة ليلى الحمراء، في صياغات تشمل أكل لحم الجدّة على يد حفيدتها. يرمز هذا في الكثير من الأحيان إلى محاولة تغلّب الصغار على البالغين والقضاء عليهم؛ لبناء مجتمع ’جديد‘ وشابّ، لكن في معظم الصياغات الّتي تعرض هذا السياق لا تنجو الطفلة، ويتمكّن منها الذئب لإثبات أنّ هذه ليست طريق الصواب.

 

 

في حالة «هنزل وغريتل»، يُسْتخدَم أكل لحوم البشر لتمثيل الجشع والشراهة في شخصيّة الساحرة. وبعامّة، غالبًا ما يُسْتخدَم أكل لحوم البشر في الأدب الشعبيّ استعارةً للجوانب المظلمة للطبيعة البشريّة، مثل الجشع والعنف والفساد الأخلاقيّ والرذيلة، بما في ذلك كونه يمثّل وسيلة لاستكشاف حدود ما يُعْتبَر سلوكًا مقبولًا في المجتمع، وتسليط الضوء على عواقب انتهاك هذه المعايير.

 

حساء الحجارة

إلّا أنّ قصص الجوع ليست حصريّة على أوروبّا في فترات بداية الحداثة؛ فللعالم العربيّ والشرقيّ كذلك نصيبه من الأدب الشعبيّ المحاكي للجوع. قصّة «طنجر طنجر» الّتي يوثّقها لنا إبراهيم مهوّي وشريف كناعنة في مجموعة «قول يا طير»، هي مثال على هذا السياق؛ إذ تحكي قصّة الطفلة الممسوخة على شكل طنجرة؛ لتوفير حاجات عائلتها الغذائيّة. كون ’طُنجُر‘ ممسوخة، يساعدها على التخفّي والتنقّل من مكان إلى آخر، حتّى أنّها توظّف مساوئ خلقها لتساعد عائلتها. يكتب لنا مهوّي وكناعنة: "تُثبت الأحداث التابعة لها (للحكاية) القيمة الاقتصاديّة للأطفال في العائلة... فالأمّ لا ترغب في الحصول على ابنة فحسب، بل على مصدر للرزق أيضًا، ويرجع سماحها لابنتها بالخروج من الدار إلى حالة الفقر الّتي تعانيها".

حكاية شعبيّة أخرى قد تكون مألوفة لبعض القرّاء، هي قصّة «حساء الحجارة»، الّتي تناقش نواتها قصّة قرية تكاد تموت جوعًا، حيث يكون لدى كلّ عائلة منها نوع واحد من الخضار، فيأتي غريب إلى القرية، ويقنعهم بأنّ بإمكانه إعداد حساء لذيذ ومفيد من الحجارة، يمكن أن يُطعم كلّ أفراد القرية. هكذا يضع الغريب الحجارة في قدرة ماء كبيرة، ثمّ يطلب من فرد من كلّ عائلة إضافة القليل من البهار أو الملح أو قطعة خضار واحدة من عائلته إلى القدرة. بعد إضافة كلّ أنواع الخضار إلى الماء، ينتج حساء لذيذ يمكنه إطعام كلّ أفراد القرية. هذه القصّة تأتي لتشجيع المستمعين على المشاركة في فترات المجاعات، ولتشجيع فكرة إمكانيّة صنع الطعام الكثير من المنتوج القليل. في تقاليد مختلفة، تُرْوى القصّة بعد استبدال أشياء أخرى بالحجر، غير صالحة للأكل، لذا؛ تُعْرَف الحكاية أيضًا باسم «حساء الفأس»، أو «حساء الأزرار»، أو «حساء الخشب»، وهكذا.

 

 

ثمّة قصّة شبيهة بعض الشيء في الثقافة الإسلاميّة، تحكي عن الخليفة عمر بن الخطّاب، الّذي يجد خلال تجواله وتفقّده حال المؤمنين، امرأة تغلي قدرة ماء فيها حجارة لأطفالها، ويُفْهَم منها أنّها تحاول التحايل عليهم بأنّها تعدّ لهم طعامًا حتّى يناموا؛ لأنّها لا تملك شيئًا تقدّمه لهم. عندئذٍ يساعدها الخليفة، ويأتي لها بمؤن وقوت لتتدبّر أمورها. إلّا أنّ هذه القصّة، رغم تداولها وروايتها مرارًا وتكرارًا في المدارس وصفوف تعليم الدين، ليست دقيقة، حيث ليس لها علاقة بالحجارة، بناءً على صيغة النصّ عند ابن المبرّد[10]. ويبدو أنّ عامل الحجارة جاء من القصّة الشعبيّة، «حساء الحجارة»، واندمج في قصّة الخليفة.

في كلّ هذه النصوص، للجوع دور مركَّز في خلق سياق قصصيّ شعبيّ، عابر للثقافات وللفترات التاريخيّة. عمليًّا، قراءة تحليليّة في الأدب الشعبيّ لثيمات الجوع والمجاعة تفتح لنا شبّاكًا صغيرًا لحياة الفلّاحين والعامّة، الّذين كانت حياتهم تتبلور حول جمع الطعام، ومحاولة الحصول عليه كلّ يوم من جديد. من خلال الأدب الشعبيّ، يتمكّن الراوي من ملء رؤوس المستمعين بأفكار وأدوات ومهارات، خياليّة وواقعيّة على حدّ سواء؛ لتُمكّنهم من مواجهة العالم، وما يشمله من تحدّيات للأمعاء الخاوية.

 


إحالات

[1] الشعور بحاجة الفقير والإحسان إليه من جملة التقوى الّتي شُرِع الصيام لتحصيلها (2015)، شبكة إسلام سؤال وجواب، بإشراف محمّد صالح المنجد: https://bit.ly/42xoGEJ

[2] جاكوب غريم وويلهلم غريم، حكايات الأخوين غريم، ترجمة: د. نبيل الحفّار. (بغداد: دار مدى للإعلام والثقافة والفنون).

[3] إبراهيم مهوّي وشريف كناعنة. قول يا طير: نصوص ودراسة في الحكاية الشعبيّة الفلسطينيّة (بيروت: مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة، 2001).

[4] برونو باتلهايم، التحليل النفسيّ للحكايات الشعبيّة، برونو باتلهايم، ترجمة: طلال حرب، (الرياض: دار المروج للطباعة والنشر).

[5] ميلاني كلاين، التحليل النفسيّ للأطفال، ترجمة: محمّد أحمد محمود خطّاب، (القاهرة: المكتب العربيّ للمعارف).

[6] روبرت دارنتون، المذبحة الكبرى للقطط: وحلقات أخرى في التاريخ الثقافيّ الفرنسيّ، روبرت دارنتون، ترجمة: إبراهيم محمّد إبراهيم، (القاهرة: المركز القوميّ للترجمة).

[7] شارل بيرو، حكايات أمّي الإوزّة، ترجمة: ياسر عبد اللطيف، (دبي: دار الهدهد للنشر والتوزيع).

[8] Delarue, P. The story of grandmother. Little Red Riding Hood: A Casebook, 1989, 13-20.‏

[9] Calvino, I. (1999). The False Grandmother. The Classic Fairy Tales. Ed. Maria Tatar. New York and London: Norton, 17-19.‏

[10] محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، يوسف بن الحسن بن عبد الهادي ابن المبرد، (المدينة المنوّرة: الجامعة الإسلاميّة، دار أضواء السلف).

 


 

لؤي وتد

 

 

 

باحث ومحاضر في ثقافة الأطفال والشباب، طالب دكتوراه في «جامعة تل أبيب»، في أدب الأطفال العالميّ والفلسطينيّ، ومحرّر موقع «حكايا».

التعليقات