01/12/2018 - 21:32

عزيزي سباستيان

عزيزي سباستيان

من المسلسل الكرتونيّ "بيل وسباستيان"

 

في 7 أبريل 1982، اشتركت مجموعة من الشركات هي: "MK Company" و"Visual 80"  الفرنسيّتان، وشركة" توهو "اليابانيّة في إنتاج مسلسل كرتونيّ باسم "بيل وسباستيان"، للمخرج كينجي هياكاوا، وعن قصّة للكاتبة الفرنسيّة سيسيل أوبري.

قدّم لنا المسلسل تجربة حياتيّة شائقة، لطفل بلا "حماية" من أُمّه أو أسرته، لكنّه يخوض أعظم التجارب بالاعتماد على وجود "صديق وفيّ" اسمه بيل.

 

تسليع الوفاء والصداقة

لقد جرى تسليع فكرتَي "الوفاء المطلق" و"الصداقة الحقيقيّة"، من خلال رمز كرتونيّ، وهذا الرمز صار واحدًا من استثمارات ودعاية تجارة الكلاب في العالم، تلك الّتي تسهم في تهجين الكلاب وتطويرها وراثيًّا؛ لإنتاج أنواع أجمل وأفضل.

لا أعلم إن كان منتجو "بيل وسباستيان" عقدوا أيّ صفقات مع شركات منتجة للكلاب، لكنّني لو كنت اليوم أعمل في دائرة علاقات عامّة لإحدى هذه الشركات، لاقترحت أن تسهم الشركة في تمويل "فيديو كليب" لأغنية جميلة وتسويقها، على أن يظهر فيها واحد من كلابنا الجميلة، بصورة غاية في الفتنة والقرب من الإنسان؛ ذلك الّذي سيخلخل فكرة نجاسة الكلاب لدى بعض المجتمعات، ولست أعتقد أنّني أذكى من أشخاص يحظون برواتب هائلة لاقتراح مثل هذه الأفكار.

 

ما الحاجة إلى المجتمع!

إنّه لا يؤسفني أن أواجه نفسي بحقيقة أنّ أفكاري جميعها مجرّد سلع، وأنّ فهمي للحياة، واللون الأزرق، والأشجار، والموضة، والملح، والجنس، والقانون، والمرأة، والرجل، والموت، والشرف، والدولة، والوطن، والدواء، والتاريخ، والحبّ، والقصائد، والجمال، والحقيقة، والموسيقى؛ كلّ ذلك مجرّد سلع تخضع لمنافسة السوق، بغضّ النظر كان إنتاجها لأهداف تجاريّة أو لأهداف إبداعيّة.

ثمّة شركات كبيرة جدًّا في هذا العالم - أكبر من الدول بكثير-  تستطيع أن تقرّر لأولادنا ماذا يدرسون في مناهجهم، وتقرّر للإعلاميّ الجنب الّذي يتّكئ عليه أمام الكاميرا، وتقرّر لإمام المسجد أيّ أحاديث نبويّة يمكنه استخدامها، ومن أيّ كتاب بالتحديد، وهذه ليست نظريّة مؤامرة؛ لأنّ ذلك كلّه معلومات معلنة.

القضيّة المركزيّة هنا أنّ السؤال لم يعد إن كنت تنتمي إلى هويّة جماعيّة - إثنيّة، قوميّة، دينيّة...  - قادرة على المشاركة في إنتاج هذه الأفكار، على قياسك أو وفق مصلحة مجتمعك، فذلك لم يعد مهمًّا، حين جعلت أدوات الاتّصال إمكانيّات العمل والتبادل التجاريّ والشراكات لانهائيّة؛ فما الحاجة إلى المجتمع، ما دامت قيمة الفرد يحدّدها رصيده في البنك؟ ولا يمكن أن تمنع إنسانًا من الاستمتاع بنعمة "غسّالة الأطباق"!

 

سيكون مثيرًا للسخرية

إنّ "داعش" في المستقبل، لن يكون بحاجة إلى الخطاب الدينيّ ليبرّر الإرهاب؛ فهو يستطيع أن يقدّم نفسه حركةً إرهابيّةً تعمل مرتزقة لمموّلين معروفين؛ هدفهم الاتّجار بالبشر، والمخدّرات، والأعضاء، والسلاح، والسيطرة على خطوط الغاز والأحواض المائيّة، لكنّ ذلك يعتمد على انهيار الشركات الّتي تتاجر بالقانون، وحقوق الإنسان والمرأة، ومفهومَي الجريمة والحرّيّة.

سيكون مثيرًا للسخرية أيّ خطاب سياسيّ أو إعلاميّ أو فنّيّ، لن يتعامل مع المتلقّين بصفتهم مدركين لحقيقة التسليع في العالم، لقد أصبحت قيمة المعرفة تساوي تمامًا قيمة الحياة؛ ما جعلها متاحة للجميع، وأصبح البحث والتفكير النقديّ والإبداعيّ متطلّبًا رئيسيًّا؛ لتحافظ على حقّك بالأنفاس الّتي تستخدمها.

 

 

فارس سباعنة

 

شاعر وإعلاميّ. يعمل مسؤولًا عن العلاقات العامّة والشراكات المحلّيّة في مؤسّسة محمود درويش. صدرت له مجموعتان شعريّتان؛ 'يصدقني الكمان' (2016)، و'كأنّها سحابة' (2012). ساهم في العديد من المبادرات والحملات والمهرجانات الأدبيّة والثقافيّة، مشاركةً أو تنظيمًا، منها مبادرة 'بسطة شعر' (2009 – 2010). يكتب المقالة  في منابر فلسطينيّة وعربيّة. أعدّ وقدّم برنامج 'الناظم' المختصّ بالشعر العربيّ الكلاسيكيّ على فضائيّة القدس التعليميّة.

 

 

التعليقات