20/02/2019 - 17:47

"أجنحة" رؤى الشيش: شخصيات بلا ملامح

جايمس باركمان

 

مثل كلّ كاتب أو كاتبة في المحاولة الأولى، تظلّ محاولة رؤى الشيش في روايتها "أجنحة"، خاضعة لأسئلة الذات الّتي تتكرّر دائمًا؛ أسئلة قيميّة، ووجوديّة، ومساءلات كثيرة للواقع والمدخلات الحسّيّة.

الرواية الّتي أُطلقت مؤخّرًا في "متحف محمود درويش" في رام الله، تقع في 288 صفحة من القطع المتوسّط، وتتألّف من 32 فصلًا، وقد حازت على إشادة وتوصية بالنشر، من لجنة تحكيم مسابقة "الكاتب الشابّ"، الّتي تقوم عليها "مؤسّسة عبد المحسن القطّان" سنويًّا.

رؤى الشيش من مواليد عام 1992، وهي لاجئة من قرية بيت عطاب قضاء القدس، تقيم في بيت لحم، وتحمل درجة البكالوريوس في "إدارة الأعمال".

 

بين مكانين وعالمين

تدور أحداث الرواية بين عالمين، أحدهما واقعيّ والآخر افتراضيّ؛ أمّا الواقعيّ فتقع مشهديّته بين مكانين، هما القرية المحرّمة الّتي أتت منها بطلة الرواية، والمدينة الحديثة الّتي تهاجر إليها من أجل متابعة تعليمها الجامعيّ. وبين هذين المكانين الواقعيّين، يقع عالم افتراضيّ، تدخل إليه الشخصيّات أرواحًا ذات أجنحة أو ذات بقع ضوئيّة تمثّل نوازعها الداخليّة.

 

 

في العالم الافتراضيّ، ثمّة شخصيّة المضيف، وشخصيّة الوحش اللّتين تحاوران الشخصيّتين المركزيّتين، الفتاة والشابّ الضرير، اللّذين ينخرطان في ما يشبه علاقة الحبّ في العالم الواقعيّ قبل دخولهما عالم الأرواح، حيث تكتشف الفتاة في حواريّة الخير والشرّ والدوافع البشريّة نحو تحقيق المصالح أو تحقيق التفوّق الأخلاقيّ، أنّ العلاقة مع هذا الشابّ لا تلائمها، فتقطعها، وتذهب في طريق اكتشافها لذاتها، وقيمها، من خلال محاورتها مع المضيف، الّذي يتحكّم بشكل خفيّ بمصيرها ومصير الشابّ الضرير.

 

خير وشرّ

العالم الموازي للواقعيّ كان روحانيًّا، للأبطال الخيار الحرّ في دخوله، وفيه تسائل الشخصيّات مفاهيمها الأخلاقيّة والوجدانيّة، ويبدو فيه المضيف حاصدًا للأرواح، وله دور باطنيّ في كشف مكامن الخير والشرّ بمفهوميهما المجرّدين، دون تعمّق فلسفيّ، أو معرفيّ مبنيّ على خلفيّة معرفيّة منسجمة.

تُسقط رؤى الكثير من التوقّعات على شخصيّاتها، كما تُسقط عليها توقّعات مجتمعيّة مفترضة مسبقًا، فتذهب إلى محاورة هذه التوقّعات من الذات، والمكان والمحيط والبيئة النفس - مجتمعيّة؛ ونجد أنّ رؤى تُسقط الكثير من التوقّعات على ذاتها فتتبنّاها في سردها؛ لتقع في شرك الإجابة المعدّة سابقًا حول السلوك، والأسباب والنتائج، والعمليّات العقليّة والنفسيّة، والحكم الأخلاقيّ، وحكم القيمة المطلق.

 

بلا ملامح

إذا نظرنا جيّدًا في شخصيّات الرواية، نجد أنّها بلا ملامح ولا صفة ولا سمة، لم ترسم رؤى لها وجوهًا ولا حتّى أسماء، وهذه سمة نراها تتكرّر في أدب الشباب الفلسطينيّ، ولا سيّما في الضفّة الغربيّة، قد تكون راجعة إلى حالة اللاملامح الّتي يعيشونها، وقد تكون راجعة إلى فيض المؤثّرات، القادمة من الإنترنت والسينما، والازدحام والبطالة، والضيق في الأفق وفي المكان وفي الطريق؛ فيصبح من الأصعب على هذا الجيل أن يشعر بملامحه، أو بتفرّده؛ وهذا - لا شكّ - ينعكس على الأدب الناتج عنه. في هذه الرواية تحديدًا، نرى ذلك بشكل أكبر؛ إذ إنّ الشخصيّات قائمة على الفعل العقليّ والجدليّ، أكثر من أيّ شيء آخر.

يبدو أنّ رؤى اختارت مسلكًا دراميًّا سهلًا متضافرًا، أحاديّ المذهب والبعد، وهو خيار قد يكون ذكيًّا للمحاولة الأولى؛ لأنّه لا مغامرة فيه ولا مخاطرة، إلّا أنّ خيار الشخصيّات الحرّ لافت للانتباه هنا؛ فربّما أردنا أن نرى في العبور بين العالمين، أو بين المساحتين الزمكانيّتين في العالمين، مخاضًا وجوديًّا، أو انتقالًا بين حالة الوعي البدائيّ بالمادّة، والوعي الأكثر تطوّرًا بالقيمة الوجدانيّة، وهذا بحث يمرّ فيه جيل رؤى، ورؤى نفسها أيضًا، في مسيرة بحث حتميّة عن الذات.

 

تشكيك

وإذا أبحرنا قليلًا في تجربة رؤى في رواية "أجنحة"، نجد أنّها تذهب في مسار للتشكيك في القيم والواقع، وحتّى التشكيك في الوعي المادّيّ بالمحيط، وهنا تحدٍّ في بعض السياقات الواعية والمعرفيّة، رغم أنّ السرد لا يخلو من التنظير النمطيّ في محاورة الشخصيّات الروائيّة وجدليّتها في الدفاع عن وجودها المعنويّ؛ فحكم القيمة المطلق حاضر بوضوح بين أسطر الرواية.

إنّ فكرة خلق العالمين المتوازيين، كانت مخرجًا لرؤى في الكثير من الأماكن؛ فهذا البعد التخييليّ في الرواية، ومحاولة اختراق حدود الطبيعة والفيزياء، سهّل عليها الكثير في تمرير أفكارها، ومحاولاتها لصياغة مواقف الشخصيّات وسلوكيّاتها، بيد أنّ رسوخ هذه الشخصيّات، في أبعاد متعدّدة منسربة من تركيبة نفسيّة اجتماعيّة معقّدة كالّتي تفترضها الرواية، كان ناقصًا بعض الشيء؛ فالسلوك والجدل كانا وحيدَي البعد، وحمل الحوار الكثير من التكرار، الّذي كان يمكن التخلّص منه تحريرًا.

 

حالة اللّاإجابة

إذا تعاملنا مع رواية "أجنحة"، نموذجًا على الأدب الشابّ في فلسطين، فقد نجده نموذجًا واعدًا ومبشّرًا، ولو تعاملنا معها بمنطق المساءلة النقديّة، لكانت إشادتنا بالرواية أكبر من عتبنا عليها، ولا سيّما أنّها وافيه العناصر، ولو أخذنا ما فيها وطابقناه مع ما هو مشترك نفس - مجتمعيًّا، مع المحاولات الأخرى المشابهة محلّيًّا، لوضع الأمر أمامنا الكثير من الأسئلة، حول حالة الإرباك والإبهام واللاإجابة، الّتي تواجه الشباب.

فكيف ينفرد الأدب الشبابيّ الفلسطينيّ الآن؟ وكيف ينفرد هذا الجيل بمحاولاته الأدبيّة الواعدة والجميلة؟ وكيف ينفرد معرفيًّا وفلسفيًّا في عمقه؟ وكيف يختلف عمّا هو في ظاهره؟ وكيف يكشف لنا جوهر الأزمة الوجوديّة الحقيقيّة، الّتي يمرّ بها الشباب الفلسطينيّون؟ وكيف تؤثّر الحالة العامّة في الضفّة الغربيّة في هذا؟ كيف يكون النزاع السياسيّ والنزاع الاقتصاديّ والنزاع على الفرص القليلة، في هذا السياق النفس – مجتمعيّ، والمناخ الجغرافيّ السياسيّ الاقتصاديّ؟

إنّ ضيق المساحة والأفق والوقت والجغرافيا، هو الّذي يُنتج هذا النوع من الأدب، الّذي نجد شخصيّاته بلا ملامح، وكلّ أطروحاته أسئلة؛ إذ لا تفرّد هنا في هذا الفيض من المدخلات الحسّيّة، الّذي قد يُفقد الإنسان حسّه بالتفاصيل والسمات المميّزة؛ أي ليس ثمّة انفراد، ولا أفق واضح، في هذا المكان الّذي "على كفّ عفريت".

 

 

نداء عوينة

 

بدأت العمل الصحافيّ وكتابة المحتوى والتحرير عام 2008، نشرت العديد من المقالات في الصحف والمواقع العربيّة والفلسطينيّة. حاصلة على البكالوريوس في اللغتين الفرنسيّة والإنجليزيّة، والدبلوم العالي في الإعلام، ودرجة الماجستير في دراسات التواصل الدوليّ، والدكتوراه في نقد الأدب العربيّ المعاصر.

 

 

 

التعليقات