تحجيمًا لجوائز الأوسكار... هؤلاء لم ينالوها

انشغل العالم مؤخّرًا بنَيل ليوناردو ديكابريو أوسكار أفضل ممثل، تخطّت المسألة حدود التّقييمات السّينمائيّة إلى الأحاديث العامّة والصّحافة التّرفيهيّة والإعلام الجديد. صار الموضوع حديث معجبين، فانز، أكثر مما هو حديثٌ جدّي عن استحقاقه للجائزة، لأدائه الملفت أوّلاً ولضعف المنافسة ثانيًا، ولـ 'تعذّبه' في هذا الأداء، وهو ما يحبّ المحكّمون تلقّيه من الممثل قبل منحه الأوسكار. انزاحت المسألة عن التّقييمات الغريبة غالبًا للأكاديميّة الأميركيّة في منح الأوسكار لأحدهم إلى الهوس بديكابريو، إلى درجة أن يُسأل أحدهم عن حائز أوسكار أفضل فيلم فيجيب بأنّه كذلك ليوناردو ديكابريو.

لذلك، لنطرح بعض المسائل فيما يخصّ الأوسكار، أو جوائز الأكاديميّة، مسائل أكثر جدّية وأهمّية مما ذُكر أعلاه. لكن قبل ذلك، من الجيّد التّذكير بأنّه، كما أنّ السّينما الأميركيّة لا تختصر كل السّينما العالميّة، فجوائز الأكاديميّة الأميركيّة لا تختصر كذلك الجوائز العالميّة، أي أنّ ما تمنحه من أوسكارات أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نصٍّ أصلي أو مقتبس وأفضل سينماتوغرافي وغيرها، أنّها ليست الأفضل عالميًا في هذه الفئات، وأنّها محصورة في الأفلام الأميركيّة، وهنالك جائزة واحدة مكرّسة لما هو غير أميركي هي أوسكار أفضل فيلم بلغة أجنبيّة.

والأوسكار في ذلك أشبه بمحافل توزيع جوائز أخرى كالسّيزار الفرنسيّة، وقد عُقدت قبل الأوسكار بيومين لكن دون ضجّة، والبافتا الإنكليزيّة، وغيرها. بخلاف المهرجانات التي تشمل مسابقات لأفلام من كل العالم وتُوزّع الجوائز في نهايتها، دون أن يكون البلد الذي ينتمي إليه الفيلم شرطًا مسبقًا. لذلك، فمهرجانات ككان الفرنسيّ وفينيسيا الإيطاليّ وبرلين الألمانيّ وتورونتو الكنديّ وغيرها، تُعدّ الأكثر أحقّية وأهليّة لتقديم الأفلام الأفضل عالميًا، والأفلام الحائزة على جوائز أفضل فيلم فيها ستحوزها ضمن مسابقة عالميّة وليس أميركيّة وحسب.

لنرجع إلى الأوسكار، فهو لا يقدّم الأفضل عالميًا، لكن سيطرة السّينما الأميركيّة على معظم صالات العرض في بلادنا وفي العالم، وكذلك المركزيّة الأميركيّة اقتصاديًا وفنّيًا وإعلاميًا وسياسيًا، جعل لحفل جوائزها هذه السّطوة وهذا التأثير لأسباب غير سينمائيّة بالضّرورة.

لنأخد السّينما الأميركيّة من النّاحية الأخرى. السّينما، فنًا وصناعةً، سنجد في أميركا ما هو من بين الأفضل عالميًا، والحديث هنا ليس عن سينما شركات الإنتاج بل عن سينما المؤلّف، المستقلّة في معظمها، عن أفلامٍ تعود لمخرجيها وليس ومموّليها، عن أفلام تُعتبر عملًا فنّيًا وليس منتَجًا ترفيهيًا. وهذه، الكثير منها، كما الكثير من مخرجيها، لم تنل، ولم ينالوا، جوائز أوسكار. فالأوسكار، الجائزة الأكثر شهرة عالميًا، التي لا تقدّم الأفضل عالميًا في مجال السّينما، لا تقدّم الأفضل حتّى أميركيًا.

وكي لا يبقي الكلام في إطاره النّظريّ سنطرح بعض الأمثلة، وكي لا تكون الأمثلة عن أفلام هنا وهناك لم تنل الأوسكار، وكي تكون الأمثلة أكثر شموليّة، ولأنّ السّينما مقترنة أساسًا بالمخرجين كصنّاع لها، سنشير إلى مخرجين من بين الأهم عالميًا وتاريخيًا ممن لم ينالوا أبدًا أوسكار أفضل مخرج.

من بين هؤلاء نذكر تشارلي تشابلين الذي لم يترشّح أساسًا، له أفلام كـ "Modern Times" 1936 و "City Lights" 1931، وستانلي كوبريك الذي ترشّح أربع مرّات، له أفلام كـ "A Clockwork Orange" 1971 و "The Shining" 1980، وأورسون ويليس الذي ترشّح مرّة عن فيلم "Citizen Kane" 1941، وألفرد هيتشكوك الذي ترشّح خمس مرّات، له أفلام كـ "Psycho" 1960 و "Rear Window" 1954، وجون كاسافيت الذي ترشّح مرّة، له أفلام كـ "Opening Night" 1977 و "A Woman Under the Influence" 1974، وديڤيد لينش الذي ترشّح ثلاث مرّات، له أفلام كـ "Mulholland Drive" 2001 و "Twin Peaks" 1992، ومن جيل أصغر نذكر كوانتين ترانتينو الذي ترشّح مرّة، له أفلام كـ "Pulp Fiction" 1994 و"Kill Bill" 2003، وبول توماس أندرسون، لم يترشّح وله أفلام كـ "Magnolia" 1999 و "There Will Be Blood" 2007، وآخرين. وهذه من بين الأسماء الأفضل أميركيًا، والأنكى أنّ معظمهم قد تمّ ترشيحه، بالأفلام المذكورة، إنّما ارتأت الأكاديميّة أن تختار آخرين لجائزتها.

الآن، وقد فارق عالمنا كل من تشابلين وويليس وهيتشكوك وكوبريك وكاسافيت، ألا يمكن القول ببساطة أنّ أيًا من هذه الأسماء إنّما أكبر من اسم الجائزة برمّتها وبهرجة حفلها؟

لكن في الفئة ذاتها هنالك أسماء عالميّة لم تنل جائزة أفضل مخرج كذلك، وإن كانت قد رُشّحت، لكن كونها غير أميركيّة يبقى حظّها نادرًا (جدًا) في نيل هذا الإوسكار، من بينها الإيطاليّ فيديريكو فلّيني الذي ترشّح أربع مرّات، له أفلام كـ "8½" 1963 و "La Dolce Vita" 1960، والسويدي إنغمار بيرغمان الذي ترشّح مرّتين عن "Cries and Whispers" 1972 و "Fanny and Alexander" 1982. وهنالك من لم يترشّح أبدًا كالإسبانيّ بيدرو ألمودوڤار، له أفلام كـ "Talk to Her" 2002 و "All About My Mother" 1999، والسوڤييتيّ أندري تاركوڤسكي، له أفلام كـ "The Mirror" 1975 و "Andrei Rublev" 1966، واليابانيّ أكيرا كوروساوا، له أفلام كـ "Seven Samurai" 1954 و "Yojimbo" 1961، والإيطاليّ مايكل أنجلو أنطونيوني، له أفلام كـ "Blow-Up" 1966 و "L’Avventura" 1960، والفرنسيّ جان لوك غودار، له أفلام كـ "À bout de souffle" 1960 و "Vivre Sa Vie" 1962، وقد منحته الأكاديميّة جائزة شرفيّة عام 2011، لم يحضر الحفل وقال في حديث صحافيّ أنّ الجائزة لا تعنيه في شيء وأنّ "أيًا من أفلامي شاهدوه؟ هل يعرفون حقًا أفلامي؟"

ولائحة الأسماء تطول، وهذه أسماء مخرجين لم تجد الأكاديميّة الأميركيّة أنّهم، هم وغيرهم، يستحقّون أوسكار أفضل مخرج، وهنالك من بينهم من لم ينله حتّى الترشّح، لكن عدم التّرشح برأينا أفضل من استحضار اسم أحدهم (وشحشطته) في مسابقة يَمنح فيها لا نعرف مَن جائزةً أفضل مخرج لمن لا نعرف من.

أمام أسماء كهذه، وهي من فترات زمنيّة متباينة، وكذلك الأساليب الإخراجيّة، ومعظمها قد فارق الحياة، وهؤلاء صنّاع حقيقيون للسينما وليسوا ممثلين، أي أنّهم سينمائيون وليس سيليبريتيز، وهم بإنجازهم السّينمائيّ أكبر من أي جائزة، أمام هذه الأسماء لا يبقى أي معنى لمن تختاره الأكاديميّة لتمنحه جوائزها، لا يعني ذلك أنّ أصحاب هذه الجوائز لا يستحقّونها، أبدًا، لكن الأكيد أنّه لا يعني أنّهم كانو الأفضل خلال السّنة، لا أميركيًا ولا عالميًا.

أمّا سطوة جوائز الأوسكار إعلاميًا على غيرها من الجوائز، فلهذا نقاش غير سينمائيّ.