05/11/2022 - 11:37

قراءة أولية في نتائج الانتخابات الإسرائيلية

التجمع الوطني الديمقراطي، الذي أخفق في تجاوز نسبة الحسم بقليل فقد حقق إنجازا فاجأ الكثيرين بحصوله على قرابة 140 ألف صوت بعد سنوات من التراجع والانحسار في ظل هيمنة خطاب التوصيات والتأثير ووسط ضربات متواصلة من الملاحقة السياسية والتي

قراءة أولية في نتائج الانتخابات الإسرائيلية

القائد الروحي للحزب المتطرف "القوة اليهودية" (Gettyimages)

ألقت الانتخابات الإسرائيلية أوزارها وأظهرت نتائجها فرزا واضحا بعد حالة من الاستعصاء والاستقطاب السياسي في إسرائيل، إذ نجحت الأحزاب الدينية الأصولية ذات التوجهات المسيانية الفاشية، بتحقيق انتصار غير مسبوق، جاء لتكريس الفوقية اليهودية وتوسيع الاستيطان وإحكام سيطرة ما يسمى اليمين على كافة منافذ الحكم، والإجهاز على أي طموح قومي فلسطيني وحسم القضية الفلسطينية بشكل نهائي.

إذ نجح نتنياهو باستنفار وتجنيد مؤيديه من خلال رص الصفوف وإضفاء الشرعية على بن غفير وآخرين، مقابل هشاشة ما سُميَ "بكتلة التغيير" واستمرار تآكل النخب التقليدية المتمثلة بجنرالات الجيش، النظام القضائي والأكاديميا. وقد يحمل فشل حزب ميرتس اجتياز نسبة الحسم، دلالات رمزية عن التحولات في بنية المجتمع الصهيوني مقابل اكتساح بن غفير، والذي تم إعفاؤه من الخدمة العسكرية لسجله الجنائي وارتباط اسمه باغتيال يتسحاق رابين.

أضحى بن غفير القوة الأولى بين الشباب الإسرائيليين، والذي يحمل خطابا "غير اعتذاري" مفاده نحن "أسياد الأرض"، وسنمارس سيادتنا وسلطتنا بكافة المجالات، دون مواربة غير آبهين بالرأي العام العالمي ولا النظام القضائي، وذلك على عكس النخب "الليبرالية الإسرائيلية".

في واقع الأمر، قد يقول قائل بعدم وجود اختلاف جوهري بين بن غفير ونتنياهو ولبيد، فالاختلاف بالشكليات واللغة لا المضمون، وهذه مقولة ساذجة تغفل ضرورة استغلال تناقضات المجتمع الصهيوني. إن عدم التعامل بجدية مع هذا الخطر الداهم هو بمثابة طمر الرأس بالتراب، من يحتفل بانتصاره الانتخابي على أنغام "الموت للعرب" يشكل خطرا حقيقيا يستدعي منا التيقظ ومجابهته بكل صلابة.

عربيا، خرجت القائمة العربية الموحدة كأكبر قوة سياسية في الداخل في تحول لافت، وحصلت قائمة الجبهة والعربية للتغيير على خمسة مقاعد، إلا أن رهان الأخيرة على فوز "كتلة التغيير" بات خاسرا، فيما تبقى الموحدة التي لا تنبري على التأكيد على استعدادها للمشاركة في أي ائتلاف حكومي، وهي ذاهبة حتى النهاية في خيارها متسمة بـ"مرونة أخلاقية" عجيبة.

على مستوى النقب، هناك من يعزو نسبة التصويت المرتفعة للحركة الإسلامية (القائمة العربية الموحدة) لتفسيرات جوهرية عن طبيعة المجتمع وتكوينه أو استغلال التدين الشعبي، برأيي هذا تحليل تبسيطي في أحسن حال لرفع العتب عن التكاسل والعجز في اجتراح بنى تنظيمية حزبية مستدامة.

استثمرت الحركة الإسلامية في النقب مواردها بسخاء وهي تحظى بشعبية واسعة، أعضاء الحزب نجحوا ليس منة من أحد بل راكموا قوة وثقل تنظيمي جعلتهم صناع قرار، قياسا على باقي الأحزاب التي تدرج مرشحي النقب في قوائمها بنزعة لا تخلو من الاستعلاء والمنة.

أما التجمع الوطني الديمقراطي، الذي أخفق في تجاوز نسبة الحسم بقليل فقد حقق إنجازا فاجأ الكثيرين بحصوله على قرابة 140 ألف صوت، بعد سنوات من التراجع والانحسار في ظل هيمنة خطاب التوصيات والتأثير، ووسط ضربات متواصلة من الملاحقة السياسية والتي تجلت بالتحقيق مع آلاف من أنصاره وفرض الغرامات الباهظة التي حدّت من فعاليته وأصابت جهازه التنظيمي بمقتل.

وقد نجحت حملة التجمع رغم شح مواردها بتحقيق هذا الإنجاز، وقد تأتى هذا من خلال استنهاض الكوادر وبروز شخص سامي أبو شحادة كقائد استطاع الوصول إلى الناس ببيان لسانه، وصدق تعبيره عن مكنونات صدور الناس.

قد تكون النتيجة، في نظري، هي الأمثل للتجمع فهي فرصة سانحة لتحرير المخيال السياسي الفلسطيني في الداخل من سطوة الكنيست، والتي بشكل حتمي وبنيوي تعيد إنتاجنا ضمن المنظومة الإسرائيلية وأدواتها مهما اتخذنا من تدابير وضوابط.

كما قد يكون التحرر من الارتهان والاعتماد على موارد الكنيست، فرصة لتطوير موارد وإمكانيات ذاتية تجعلها أكثر حصانة ومناعة، بالتوازي مع ترجمة مقولة "صوت الناس" لبرنامج عمل ممنهج لتأطير الناس وابتكار سبل وآليات عمل، في ظل تراجع المنظومات الحزبية التقليدية.

التعليقات