03/06/2021 - 19:35

الأُسَر الغزيَّة أثناء القصف وبعده

هذا الجيل وهؤلاء الأطفال قنابل موقوته ستنفجر فى وجه الجميع فى حال استمر الحال ولم تتوفر لهم الحياة الكريمة والآمنة كبقية شعوب العالم

الأُسَر الغزيَّة أثناء القصف وبعده
د. بسام سعيد

 

 

 

أكاديمي ومستشار علاقات أسرية 

 

 

الحرب الرابعة على غزة:

لم تكن هذه الحرب الأخيرة على غزة هي الأولى، بل هى الجولة الرابعة من الجولات المريرة التى عاشها سكان قطا ع غزة وطالت كل مكونات المجتمع من تدمير للبنى التحتية والإنسان، شُطِبت فيها أسر بالكامل من السجل المدني السكاني، بهذا المعنى يمكن القول أن من أصبح شابا ويافعا اليوم، قد مرَّ بأربع تجارب فيها حروب شكَّلت جزءً كبيرا من وعيه وصحته النفسية والعقلية وهويته أيضا، وما مر به من رعب وهلع وخوف وقلق تكرر لمرات.

وضع الأسر وقت القصف المرير:

قد طال هذا الرعب والهلع والفزع الأسرة التى حاولت وتحاول الصمود فى ظل هذا الواقع الأليم، فقطاع غزة منطقة صغيرة المساحة مكتظة بالسكان، ويشكل الشباب والأطفال النسبة الأكبر من تركيبة المجتمع، حين يبدأ القصف تحتار الأسرة أين ستذهب؟ واين تختبئ؟...

- البيوت معظمها بسيطة وخاصة فى المخيمات والتى يشكل عدد سكانها حوالي أل- 70% من إجمالى سكان القطاع، ومن خلال التجارب المعاشة فى الحروب الأخيرة، تلجأ العائلة إلى مكان آمن فى البيت، رغم أن البيوت ليست امنة، والقصف عنيف والمقذوفات مرعبة حيث تتجمع العائلة فى غرفة واحدة وتستسلم لقدرها، فإما ان تنجوَ بشكل جماعى أو يتوفاها الله بشكل جماعي (للأسف) حتى لا تفجع بفقدان عزيز من أفرادها..

المساء هو الوقت الحرج والصعب وقت القصف:

ويمكن القول ان أصعب الأوقات التى تواجهها الأسر فى الحرب هي حلول المساء، حيث تبدأ الطائرات بالإغارة ليلا مما يسبب رعبا كبيرا للأطفال وخاصة الصغار منهم، فيلجؤون إلى الآباء والأمهات ليخففوا من توترهم وحمايتهم حين سماع أصوات قذائف الطائرات والدبابات والبوارج البحرية فى مشهد مرعب. لا تستطيع الأسر النوم ليلا، ويلجأ الآباء والأمهات للتحايل على الأطفال وايهامهم بأن هذه الأصوات بعيدة ومجرد فرقعات هواء. ويشكل هذا الأمر رعبا حقيقيا عندما يكون القصف قريبا أو مجاورا للمنازل، فمعظم المنازل مكتظة ومتراصة، ولكم ان تتخيلوا عندما يبدأ القصف ليلا وخاصة فى المناطق الحدودية حيث تهرب العائلات ليلا للبحث عن مكان أمن تحت وقع أصوات القذائف والصواريخ المتهاوية، تهرب فى مشهد مخيف من صراخ الأطفال وعويل النساء وحيرة الآباء إلى أين المفر؟!، وتتكرر هذه الماسى وقد رصدتها وسائل الإعلام، وبعد القصف يبدأ البحث عمن نجى من ذلك المصير المر، ويلجأ الآباء إلى الأقارب والأصدقاء لو توفرت مساحة كافية للمبيت والنجاة، علما بأن القصف طال كل مناطق القطاع، وكذلك تهرب العائلات إلى المدارس طلبا للحماية، وتسكن كل عائلة فى غرفة صفية واحدة ويستخدم الجميع مراحيض واحدة أو المتوفر فى المدرسة، ويشكل هذا الاكتظاظ الخطر الأكبر وخاصة فى ظل جائحة كورونا، وتشكل مشاهد الدمار والهدم والقتل وتقطيع الأشلاء، بما تحمله من عنف ورعب واقعا صادما ومرعبا وذكريات لن تنسى بسهولة خاصة لدى الأطفال.

- ومن الامور المروعة الصعبة حين إخلاء البيوت لكي يتم هدمها ليلا وخاصة البنايات المتعدده الطبقات حيث تسكنها عائلات كثيرة، فللقارئ أن يتخيل حجم الرعب والفزع والخوف الذى يصيب الأسرة والأطفال وكبار السن والمرضى وهم يحاولون النجاة من الموت ومن الدمار !!!

فى ظل هذا الواقع و هذه المشاهد الصعبة والصدمات النفسية التى عاشها سكان قطاع غزة والأطفال سينمو جيل يعانى من خلل فى الصحة النفسية والقدرة على التكيف مع الواقع وخاصة فى ظل ندرة وقلة المراكز النفسية والصحية، وتراجع دور الأسرة القادرة على معالجة مخرجات الحرب، من صدمات وهلع وفقدان قريب وعزيز، أو لأسر استشهدت تحت القصف، عدا عن مشاهد البيوت المهدمة وفقدان المأوى والأب أو الأم أو الأخ أو حتى فقدان العائلة كلها.

وعن واقع غزة وغياب الأمل:

 غياب الأمل والنظرة السلبية للمستقبل والخوف من تجدد العدوان كل فترة، هذا هو واقع غزة قبل العدوان وبعد العدوان، هذه الكوارث للاسف من المتوقع أن تتحول وتؤدي إلى عنف مجتمعى أو عنف ضد الآخر، والتطرف الفكرى والسياسى فى ظل غياب الأفق وغياب الحل السياسى والاقتصادي. غزة التى تعتبر أكبر سجن مفتوح فى العالم  والتى يعانى سكانها من عدم التنقل أو التواصل الوجاهى مع العالم وخاصة لدى الجيل الشاب والذى يُكَوِّن ثقافته من خلال العالم الافتراضي، هذا الجيل وهؤلاء الأطفال قنابل موقوته ستنفجر فى وجه الجميع فى حال استمر الحال على ما هو ولم تتوفر لهم الحياة الكريمه والأمنه  مثل بقية شعوب العالم  وأطفال العالم وفى ظل استمرار الاحتلال والعنف الممارس ضدهم وعليهم.

ترميم الصدمات النفسية ما بعد الحرب:

- أثناء الحرب يحاول الأهل احتواء الأطفال وتهدئة روعهم وحمايتهم قدر المستطاع سواء الأم أو الأب أو الجدة والجد، لكن بعد الحرب هناك مؤسسات مختصة تحاول علاج مابعد الصدمه من خلال باحثين مختصين أو متطوعين، وهناك مؤسسات تقوم بهذا الدور رغم الوضع الضاغط، ومعظم هذه المؤسسات تطوعية ومجانية.

 - تقوم وكالة الغوث من خلال مشرفين نفسيين بعلاج الأطفال من خلال التداعي الحر، و التفريغ النفسي والعاطفي ومن خلال رحلات للبحر والرسم والغناء والموسيقى.

- هنالك دور للمدارس والأسرة فى إعادة التوازن النفسي للأولاد.

تشرد الأطفال ومصيرها بعد الحرب:

- الأطفال الأيتام فى البداية يلجؤون  للأقارب، وبعد فترة يحولوا إلى بيوت الإيواء الخاصة بالايتام

- هنالك تضامن للعائلات مع بعضها البعض.

- مؤسسات الأيتام محدودة، وقضية التبنى موجودة ولكن بنسبة ضئيلة.

- هناك دُور للأيتام موجودة ومؤهلة للتدريب والتدريس والإغاثة.

 - موضوع تبني للأطفال من عائلات معينة غير شائع، فصعب على المجتمع أن يستوعب أولائك الأطفال بشكل كبير، ولكن بالمقابل هنالك تبنى اقتصادي للأيتام والأسر المحتاجة.

- يوجد في المجتمع تكافل وخاصة للأيتام والمحرومين.

- توجد مؤسسات محترفة توفر دعما مادىا ونفسىا.

هنالك تبرعات ومساعدات جمعيات وتنظيمات السلطة الفلسطينية.

- السلطة تتبنى أسر الشهداء والجرحى وكذلك الشؤون الاجتماعية، والتنظيمات لها دور مهم، ومؤسسات المجتمع المدني.

 

لقاء وتحرير: سوسن غطاس - موقع والدية برعاية عرب 48

 

 

 

 

التعليقات