بئر السبع .. عاصمة النقب الفلسطيني

تعتبر بئر السبع أحد أقدم وأهم المدن الفلسطينية القديمة، وتُعدّ أكبر مدينة في صحراء النقب جنوب فلسطين، وغالبًا ما يُشار إليها باسم عاصمة النقب، كونها من المدن الأكثر اكتظاظًا بالسكان.

بئر السبع .. عاصمة النقب الفلسطيني

تعتبر بئر السبع أحد أقدم وأهم المدن الفلسطينية القديمة، وتُعدّ أكبر مدينة في صحراء النقب جنوب فلسطين، وغالبًا ما يُشار إليها باسم “عاصمة النقب”، كونها من المدن الأكثر اكتظاظًا بالسكان.

نمت أهمية بئر السبع في القرن التاسع عشر، عندما بنى الأتراك العثمانيون مركزًا للشرطة الإقليمية هناك. كما أنها شهدت معركة حامية خلال الحرب العالمية الأولى، ولم تسلم المدينة من هجوم بريطانيا لكسر خط الدفاع العسكري التركي من غزة إلى بئر السبع. وفي عام 2005 أدرجت منظمة اليونسكو مدينة بئر السبع القديمة ضمن مواقع التراث العالمي.

وفي عام 1947م، وضعت بئر السبع ضمن خطط التقسيم الإداري في قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين، ولكن الجيش المصري جمع قواته في بئر السبع وقام بإنشاء قاعدة إستراتيجية ولوجستية، إلا أن هزيمة الجيوش العربية في حرب 48، جعلت إسرائيل تضع أيديها على المدينة، حيث احتلت بئر السبع في أكتوبر 1948 من قِبَل جيش الدفاع الإسرائيلي. ومنذ هذا التاريخ نمت بئر السبع إلى حد كبير، بسبب هجرة جزء كبير من السكان من نسل اليهود الشرقيين واليهود الشرقيين من الدول العربية وبعض دول العالم بعد عام 1948، بالإضافة إلى الهجرة المتزايدة أو ما يطلق عليها موجات الهجرة الثانية والثالثة منذ عام 1990، مثل: اليهود الأشكناز (الغربيون) المهاجرون من الاتحاد السوفيتي السابق، وكذلك المهاجرون من إثيوبيا.

ويرجع تسمية المدينة بهذا الاسم نسبة إلى وجود بئر كان يشرب منها حيوان مفترس يُسمّى “السبع″، وهناك رأي آخر يقول إن التسمية تعود إلى الآبار السبع التي حفرها النبي إسحاق عليه السلام، بينما يرى آخرون أن التسمية ترجع إلى النبي إبراهيم عليه السلام الذي حفر بئرًا في منطقة خالية تمامًا من الماء، بعد خلاف بينه وبين “أبي مالك”، ملك فلسطين وقتها، حيث أهدى الخليل إبراهيم للملك “سبع نعاج”، لكي تشهد عليه بأنه هو الذي قام بحفر البئر، وبالتالي سُمي المكان بـ”بئر السبع”.

ويعود الاستيطان البشري في المنطقة إلى العصر النحاسي في القرن الرابع قبل الميلاد، حيث كان يعيش السكان في الكهوف، ويقومون بصناعة الأدوات المعدنية وتربية الماشية، وقد دمرت المدينة وأُعيد بناؤها مرات عديدة على مدى قرون، فهناك “تل بئر السبع″، وهو موقع أثري يحتوي على أنقاض بلدة قديمة يُعتقد أنها كانت في بئر السبع، وتقع على بُعد بضعة كيلومترات شرق المدينة الحديثة. ويرجع تاريخ المدينة القرن العاشر الميلادي حيث كان الإسرائيليون يقيمون هناك، وتمّ العثور على أماكن وبقايا المدينة، بجانب العديد من الآبار في المنطقة، ووفقًا للتأريخ حفرت الآبار بواسطة إبراهيم وإسحاق عندما وصلا هناك.

وفي أعقاب الغزو البابلي والاستعباد الذي لاحق الكثير من بني إسرائيل، تمّ التخلي عن المدينة وتركوها هربًا من العبودية. وخلال الفترات البيزنطية الرومانية كانت البلدة أبرز الخطوط الأمامية ضد هجمات الأعداء. ولكن مع الفتح الإسلامي لفلسطين في القرن السابع الميلادي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب فرّ البيزنطيون من بئر السبع.

ومنذ القرن السادس عشر الميلادي وتحديدًا عام 1519م، عمل العثمانيون الذين سيّطروا على فلسطين في ازدهار مدينة بئر السبع، حيث بنى العثمانيون الطرق وعددًا من المباني الصغيرة من المواد المحلية التي لا تزال قائمة في البلدة القديمة، والتي أُنشئت من قِبَل المهندسين المعماريين السويسريين والألمان، وكانت جميع المنازل التي بُنيت خلال تلك الفترة من طابق واحد، لكن كانت محطة الشرطة من طابقين، وكان معظم السكان في هذا الوقت من العرب، ومع الوقت بدأ اليهود الاستقرار في المدينة، بالإضافة إلى تخلي كثير من البدو عن حياتهم البدوية، وقاموا بتشييد منازل حديثة في مدينة بئر السبع.

وخلال الحرب العالمية الأولى، بنى العثمانيون خط سكة حديد لخدمة الأغراض العسكرية يصل من خط الحجاز إلى بئر السبع، وتمّ افتتاح المحطة يوم 30 أكتوبر 1915، وقد حضر الاحتفال قائد الجيش العثماني “جمال باشا”، والعديد من كبار المسؤولين الحكوميين، لكن كان خط القطار أحد أسباب سقوط الإمبراطورية العثمانية على أيدي الجيش البريطاني في عام 1917، بعد تفجيره ووضع نهاية الإمدادات الحربية بين الفرق العسكرية العثمانية حتى وضعت الحرب أوزارها بهزيمة ألمانيا والعثمانيين، ولعبت بئر السبع دورًا هامًا في وقوع مناوشات عسكرية بين العثمانيين والبريطانيين، فبعد ثلاثة شهور من سيّطرة الجنرال “اللنبي”، انتهكت قواته بقيادة العميد وليام غرانت خط الدفاع التركي بين غزة وبئر السبع، إلا أن الجنود العثمانيين وبعض السكان المحليين دافعوا عن الحصن بالخيول والحراب فقط، واستولوا على آبار بئر السبع، حتى عرفت المعركة وقتها باسم “معركة بئر السبع″، وعلى حافة مدينة بئر السبع القديمة توجد مقبرة تحتوي على قبور الجنود البريطانيين، وأيضًا حديقة تخلّد ذكراهم.

وخلال الانتداب البريطاني على فلسطين، كانت بئر السبع المركز الإداري الرئيسي في فلسطين، حيث شيّد البريطانيون خط سكة حديد بين رفح وبئر السبع في أكتوبر 1917، وتمّ افتتاحه للجمهور في مايو 1918، لخدمة أهالي النقب ومستوطنات جنوب جبل الخليل. وفي عام 1928 انطلقت شرارة التوتر بين اليهود والعرب للسيّطرة على فلسطين، خاصة بعد توافد اليهود على المدينة المقدسة وبقائهم تحت مظلة الحماية البريطانية.

وفي عام 1947، اقترحت اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة بشأن فلسطين، تقسيم البلاد وإدراج بئر السبع ضمن حدود الدولة اليهودية في خطة التقسيم، ولكن عدّلت اللجنة من قرارها وجعلت بئر السبع ضمن حدود الدولة العربية، بسبب كونها مدينة تاريخية عربية في المقام الأول. ومنذ الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، وهزيمة الجيوش العربية الرافضة لقرار تقسيم فلسطين من الأساس، استولت إسرائيل على بئر السبع، وقامت ببناء بؤر استيطانية حولها وهدمت معظم بيوت سكانها العرب.

اقرأ/ي أيضًا| نابلس.. تاريخ زاخر وحاضر مضطرب

 

التعليقات