جرعة زائدة | لوحة ونصّ

كاركاتير للفنّان محمّد سباعنة، مستوحًى من نصّ للشاعرة أسماء عزايزة، بعنوان "جرعة زائدة".

 

النصّ:

 

"جرعة زائدة"

 

دراكولا يركض في القطار

سرعان ما سيشرّح صدري
ويجد قلب شجرةٍ
ويندم

كانت المدينة تحشو جذعي بالأشباح
الكلام الذي نام على الألسنة في آوشفيتس كان ينمو فارعًا منّي
وهذا الشيء الذي ينفلت من الماضي يدخل أذني مثل أغنية تكنو
لكنّ صبية بوشومٍ عن جدوى الحياة يجرّون الماضي وراءهم إلى المرقص 
ويحقنون وريده بالمخدّرات

صرت صمّاء بعد أن عزفتْ طبول الحرب على طبلة أذني 
وصارت الأغاني تمرّ من أحشائي كجياد هاربة

كنتُ الفارس الذي كبا عن الحبّ فانكسر 
قدمي الغائبة تنبحْ
أستيقظ على صوتها في أسرّة وادي الصليب
وأنزل المنحدر إلى ساحة الحناطير
بقدمٍ واحدة
مواعيد الحافلات التي لم تذهب من هناك إلى دمشق
تطحن ساعة يدي بالأزاميل

منذ رأيتُ الباب الشرقيّ في منامي دون أن أعرفه 
ومنذ طحنتْ طواحين الهوى رقّتي 
منذ جلست حيفا القرفصاء عند عتبة الحلم 
أشفق عليّ الحطّابون

مرّ عنّي الغزاة ولم ينتبهوا إلى المقصلة التي سقطتْ من أغصاني

تحقن المدينة جذوري مثلما تحقن الحربُ خيال المقابر

كأن يواعد الشخص موته ويقنعه بأنّ الوقت لم يحن بعد
أو كأن يواعد حبًّا سابقًا ويقصد ألّا يصل

أركض بين عظام أجدادي كي ألحق الخيال، فأمسك بطرف قميصه 
أتخيّل المدينة وهي تنفخ الأوكسجين في فم الماضي
وما إن يَفْلِتَ من يدي حتّى أراها تستدرج أنفاسه إلى الأقبية

أركض في القطار عكس السير كي أخسر الوقت وأسترجع البدايات

أسترجع صهيل جدّي، لكنّ الأشجار لا تسمع
أسترجع وجهه حين خرج من اللجّون فألمس رخامًا 
البدايات تهذي وتلفظنا إلى الأرصفة، والأرصفة تلتهب وتحمرّ مثل حبّة عنّاب
قلبي يصفرّ من الحبّ كأوراق العهد القديم 
ويحتضر مثل سفر التكوين

استذأبت أمام الحرب مرّةً
وأمام الحبّ عشرات المرات
أهداني الرجال خواتم فضّة وقتلوني بها
كما قتل دراكولا الوقت في القطار

تصير ندبي قصائد هايكو
فارغةَ صبرٍ مثل عاصفة
تتهالك عند أول لفظة وتدبر بقدمٍ واحدة

من يومها، صرت أقع في الحبّ واقفة مثل قطّة
ومدجّجة بالخبث مثل ناموسة صيف
أبتسم تحت الطاولة كلّما تسبّبتُ في إشعال حروب صغيرة
إنّها ابتسامة المقاتل التي نسيها في وجهي حين انتصر في حرب عالميّة

المدينة تركض في مخيّلة تولستوي
وقد تنتحر بعد قليلٍ
إن لم نحقن الماضي بجرعة زائدة
إن لم نُنسه حليب أمّه 
إن لم نكسر رُكَب خطاه الأولى في مراكب اللجوء
ونقطَع ألسنة ألفاظه التي رجفت في الخيام

المدينة تنام تحت القطار
أنام أنا عكس السير
ينام الماضي تحت جلد المدينة ويقع على وجهه

نحن 
لا نلدغ من خيمة مرّتين

بدو الشواطئ يدقّون الأوتاد على ظهور الجمال
الجمال تمشي على سطح الماء 
الأوتاد ستعود إلى أصلها ككرسيّ شيركو بيكيه إس
ستصير أشجارًا

سيغرق أشباحها إن فكّروا في الخروج من جذعها

هكذا، أحقن الماضي بجرعة زائدة

لكنّي لا أستطيع بسبب محكيّتي التي عجنت أين بمتى. "وينتا" التي شكّلت شرخًا عميقًا في فكرتك عن الزماكانيّة
أكرّرها في أذنك مرّة بعد مرّة. أتعمّد أن أكرّرها مرّة بعد مرّة
فينسكب الزمان فوق الإسفلت. سأكون مزروعة على جانبيه، تخرج أشباح آوشفيتس من جذعي وتبحث عن ذرّيّتها
ويمتدّ المكان في ساعة يدي، سيشير اللجّون إلى الليلة التي سألقاك فيها أوّل مرّة 
فأدخل الحبّ 
بقدم واحدة

حيفا التي أمست خيمة كبيرة
حيفا التي في البال تنخُّ
دراكولا الذي سقط عن القطار ولم يندم
الحبّ الذي وجد قدمه الغائبة ولطمني فيها
الماضي الذي سيموت الآن من جرعة زائدة
المدينة التي تقف فوق جثّته وتضحك
الماضي الذي
سرعان ما سيشرّحون صدره 
ويجدون قلب شجرة

 

محمّد سباعنة

 

من مواليد في محافظة جنين. فنّان كاريكاتوريّ فلسطينيّ اشتُهر برسومه الناقدة للمجتمع السياسيّ الفلسطينيّ، وكذلك المناهضة للاحتلال الإسرائيليّ، وتحديدًا تلك التي تحكي معاناة الأسرى الفلسطينيّين في سجون الاحتلال.عضو في الشبكة العالميّة لفنّاني الكاريكاتير" كارتون موفمنت".  شارك في أكثر من مشروع إعلاميّ، من بينها مشروع 360  درجة. اعتقلته سلطات الاحتلال مدّة 5 شهور بذريعة التواصل مع جهات معادية.