أعلى من ضحك الأشجار | خمس قصائد

انقلاب شمس الصّيف | آمي جياكوميللي

تنشر فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة خمس قصائد لمحمّد أبو عرب (1989)، من ديوان 'أعلى من ضحك الأشجار'، الصّادر حديثًا عن المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر.

يضمّ الدّيوان 44 قصيدة تقع في 100 صفحة من القطع المتوسّط، وقد صمّم غلافه الفنّان زهير أبو شايب، ولوحته للفنّان الإسبانيّ إخوان ميرو.

يُذكر أنّ محمّد أبو عرب شاعر وصحافيّ يقيم في الإمارات، وهو مولود في قرية القليعات الأردنيّة، وتعود أصوله إلى مدينة بيسان الفلسطينيّة، حيث هُجّرت عائلته منها عام 1948، وقد عمل كاتبًا ومحرّرًا في عدد من الصّحف والمجلّات، وهو يعمل اليوم في جريدة الخليج الإماراتيّة.

 

جسدٌ من شجر قلبٍ لغريق

اشتريتُ قلبي من سائس خيل

ألهذا كلّما ابتعدتُ صار الصّهيل أعلى

وصرتُ مثل رسنٍ مشدودٍ في كفّ الغيب

أركض نحو حتفي مصحوبًا بضجيج الحوافر

اشتريتُ وجهي من بائع ماء

ألهذا كلّما ضحكتُ انتحبتُ

وصار لي صوت الجريان

اشتريتُ يدي من حانوتيِّ القرية

فكلّما صافحتُ ظلّي صارت له رهبة المقابر

وصرتُ محروسًا بالتّراتيل والآيات الكثيرة

وحدها يدي كانت لشهيدٍ يانعٍ

وكلّيَ الباقي لعاشقٍ خجول.

 

لستُ سواي

لستُ أنا

لستُ أنا من سحبه النّهر إلى طمي الغياب

من علّقه الصّيف من قميصه على أشجار اللّيمون

لستُ أنا من شَرِبَتْ القبّراتُ من راحتيه ومضت إلى الحقل

من أسند زيتونةً مائلةً وانتظر حتّى استوت وتعالت كقامة جدّي

لستُ أنا من أهدى الغيم خفّة الرّوح

من علّم المشي لصغار القمح

لستُ أنا من أوقد للفجر صلاة اليوم ومرّر الضّوء في بيت النّوافذ

من غيّر مذاق النّهار فصار للتّوت لون ظلالنا

لستُ أنا

إنّه عاشقكِ المنهك

وخيله أبجديّة التّكوين.

 

هذا كلّ ما تحتاج

لستَ بحاجةٍ لعينين كي تبكي كثيرًا

يكفيك قلبٌ شاسعٌ

لستَ بحاجةٍ لقدمين كي تغادر

تكفيك نظرةٌ هادئة

لستَ بحاجةٍ لجسدٍ كاملٍ كي تتعب

يكفيك بالٌ طويلٌ كسرب حكايات

لستَ بحاجةٍ للكلام كي تقول

يكفي أن تنتظر

لستَ بحاجةٍ لكلّ هذا

يكفي أن تكون عاشقًا وحسب

 

 

وردةٌ للمتشرّد النّحيل

أغنيةٌ باردةٌ هذا المساء

والنّافذة تطلّ على البعيد

وما بين الرّصيف وبيت جارتنا تنام الخطى في العتمة

وعند الفجر يمضي المنهك إلى أقرب ظلّ

وترنّ النّقود أمامه كأغنيةٍ للغجر القريبين من خصر الجبل

ترنّ ترنّ

فيتبعها إيقاع الخطى

وانسجام الخصر مع لوزةٍ تنمو في البعيد

ترنّ ترنّ

فينسى المُسَجّى يديه في الكلام

ويصير الإناء في ثوبه

كورالًا من النّائحين

يندهون البعيدات

والمتعبات

والغائبات

وكلّ الجرار الّتي كسرها الفرح

خلفك أنتَ

أنتَ

أيّها العاشق الشّريد.

 

مثل نقش الجدّات

سأصلّي كي يأخذوا البحر إلى الحرب

الغرقى باردون

وكلّ القوارب ستعود أشجارًا

وذاك الغروب سأعلّقه في غرفتي كي لا أنسى

أمّا خطانا، حيث تعلّمنا الغرق

فلن أمحوها

هي ليست في الرّمل

هي هنا

حيث أنتِ

في البال مرسومةٌ مثل نقش الجدّات.