"خطوات، مخيّم وإيقاع" في صيدا

تعمّ الظّلمة المسرح لتضيء شاشة على الخشبة. ظلال ثلاثة تتراقص خلف الشّاشة. يعلو صوت الفنّانة تيريز سليمان، 'إلهي أعدني إلى الصّحراء من فضلك'، فيما الظّلال تتابع رقصها تماشيًا مع صوت تيريز والموسيقى، ثمّ صوت الفنّان تامر نفّار وهو يطرح احتماليّة العودة للحياة البدائيّة، و'هل يا ترى العالم حينتبه ع غيابنا؟' في أغنية 'إله الثّورة' المقتبسة عن قصيدة الشّاعر مروان مخّول.

هو عرض فلسطينيّ مستند إلى أغنية فلسطينيّة لفنّانين وشاعر من أراضي 48، لكنّ الظّلال هي ظلال صبايا وشبّان فلسطينيّين من مخيّم عين الحلوة في صيدا (جنوب لبنان).

همّ جماعيّ

مساء الأحد، 29 أيّار (مايو) 2016، وعلى امتداد ما يقارب 45 دقيقة، رافق الجمهور في مسرح مركز معروف سعد الثّقافيّ في صيدا، عرضًا من مسرح خيال الظّلّ والرّقص التّعبيريّ، بعنوان 'خطوات، مخيم وإيقاع'، للفرقة المسرحيّة في مركز التواصل الاجتماعيّ - أجيال، الّتي تشرف على تدريبها مديرة المركز لمى خميس.

تشرح خميس حول توجّه الفرقة في العرض، فتقول إنّهم بعد تجارب مسرحيّة سابقة، قدّموا فيها صوت مخيّمات الشّتات الفلسطينيّ في لبنان، شاءت المجموعة هذه المرّة أن تنقل همًّا جماعيًّا عربيًّا، إذ أنّ الوضع في العالم العربيّ في تردٍّ مستمرّ، ولا يمكن فصل واقع الفلسطينيّ في الشّتات عن الواقع السّياسيّ والأمنيّ في المنطقة بشكل عامّ. من هنا اختارت الفرقة أن يكون العامود الفقريّ لعرضهم أغنية 'إله الثّورة'، الّتي تتحدّث عن تشارك الواقع المرير ما بين البلدان العربيّة كما في ما يلقيه تامر نفّار في ختام الأغنية، 'كمان طفلة محروقة بين ايدين أبوها. بطّلت أحوّق! هاي العراق؟ فلسطين؟ مصر ولا سوريا؟'

ربطت ما بين مشاهد العرض فواصل من الأغنية، قدّمها الشّباب بأجسادهم عبر مشاهد من خيال الظّلّ، لينتقلوا إلى لوحات من الرّقص التّعبيريّ الصّامت، تحاكي واقع اللّجوء والتّهجير، الحروب والموت، وطأة الزّمن على اللّاجئين وظروف المعيشة الصّعبة في المخيّمات الفلسطينيّة.

امتداد

لم يمرّ العرض دون التّرميز المباشر لفلسطين، ففي المشهد الأخير حضرت الكوفيّة على رؤوس الرّاقصات والرّاقصين الشّباب مع موسيقى نشيد 'موطني'. وإن كان المشهد الأخير غير فولكلوريّ تقليديّ، إلّا أنّ أيدي الجمهور والرّاقصين اشتبكت بعد نهاية العرض في حلقة دبكة فلسطينيّة مرحة.

في عروض سابقة، دمجت المجموعة مسرح الدّمى والقناع على الخشبة، إلّا أنّ اختيار تكثيف الرّقص التّعبيريّ هذه المرّة لم يأت صدفة، فبحسب خميس، يشكّل عرض 'خطوات، مخيّم وإيقاع' امتدادًا لعرض سابق بعنوان 'متّكئون على وسادة الرّيح' (بدعم من مشروع 'صِلات: روابط من خلال الفنون لمؤسّسة عبدالمحسن القطّان و صندوق الأمير كلاوس)، سبق وقدّمته الفرقة في آب 2015، وذلك ضمن مهرجان 'نحنا والقمر والجيران' في بيروت، وقد كان بإشراف كامل من الفنّان المسرحيّ اللّبنانيّ، أوريليان الزوقي.

أدوات غير مألوفة

يقول الزوقي حول تجربة المجموعة: 'لقد طوّر الشّباب إمكانيّة التّعبير الجسديّ الحركيّ، واكتسبوا ثقة كبيرة بأن يوظّفوا أدوات غير مألوفة ونادرة للتّعبير في مجتمعنا. هو تعبير غير مباشر، شاعريّ تجريديّ، يفتح للجمهور بوّابة للخيال مع الممثّلين والرّاقصين'.

ويضيف الزوقي أنّ تجربة الشّباب في مهرجان 'نحنا والقمر والجيران' كانت خطوة مهمّة وناجحة، إذ كانوا يعرضون أمام جمهور بيروت لا جمهور الأقارب والأصدقاء فقط، وقد لاقت التّجربة ردود فعل إيجابيّة جدًّا، فقد وصف الجمهور العرض بالقويّ والشّخصيّ والحميم، متمنّين للمجموعة الموهوبة الاستمرار في مجال التّعبير الجسمانيّ.

تتحضّر مجموعة 'مركز أجيال للتّواصل الاجتماعيّ'، حاليًّا، لإقامة جولة من العروض حول المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان، كما تتواصل مع الفنّانة تيريز سليمان لبناء لوحة مسرحيّة جديدة حول واحدة من أغنياتها الخاصّة.

'خطوات، مخيّم وإيقاع'، عرض جمع ما بين أصوات من داخل فلسطين وبين ظلال لاجئيها الّتي لم تغب عن ذاكرة فلسطين، كما لم تغب فلسطين عن ذاكرتها.