شاطئ صلب: الفعل الثقافي الطلابي الفلسطيني في 2016

"أمسية التكافؤ" - معهد التخنيون، حيفا

'في البدء كانت رغبة الإنسان في السباحة. ومن ثمّ كان البحر...' بهذا الكلام يفتتح الكاتب الفلسطينيّ مجد كيّال روايته 'مأساة السيّد مطر' (2016)؛ وإذا حاولنا سحب المنطق نفسه على الفعل الثقافيّ، لأمكننا القول إنّه في البدء كانت رغبة الإنسان في هذا الفعل، ومن ثمّ كانت معانيه.

إنّ الفعل الثقافيّ الطلّابيّ الفلسطينيّ في الجامعات مدخل مهمّ لرؤية المشهد الثقافيّ الفلسطينيّ العامّ، فهي بمثابة الشاطئ الذي يجعلنا نرى البحر والسباحة على نحو أوضح. وهنا نقدّم تقريرًا يتناول عيّنة من المبادرات والأنشطة الثقافيّة الطلّابيّة، شهدتها الجامعات الفلسطينيّة، أو الإسرائيليّة التي يدرس فيها في طلبة فلسطينيّون، عام 2016، لنقف على طبيعة الفعل الثقافيّ الطلّابيّ الفلسطينيّ، والمضامين التي تقع ضمن اهتماماته وأساليب تنظيمه للأنشطة، وموقع الفعل الطلّابيّ من المشهد الثقافيّ الفلسطينيّ العامّ.

القدس

ضمن نشاطات الحراك الطلّابيّ 'سير وصيرورة' في الجامعة العبريّة بمدينة القدس، وهو حراك طلّابيّ فلسطينيّ يهدف إلى إنعاش الحياة الثقافيّة للطالب العربيّ، نُظّمت 'أمسية البيت بيتك'، بتاريخ 5 كانون الأوّل (ديسمبر)، وتضمّنت توزيع كتيّب 'البيت بيتك'، وهو دليل للطلبة العرب، يحوي كلّ المعلومات اللازمة للطالب عن الجامعة العبريّة ومدينة القدس. كما تضمنّت الأمسية عرض فيلم قصير عن مدينة القدس، ومحاضرة قصيرة حول الفنّ الإسلاميّ، ورحلة في الغناء والمقامات العربيّة من بغداد إلى الأندلس، بالإضافة إلى محطّات فنّيّة ومعرفيّة من إعداد الطلّاب.

أمسية 'البيت بيتك' - الجامعة العبريّة، القدس

إنّ خصوصيّة الظرف الفلسطينيّ تعني، كذلك، خصوصيّة أنشطته، فلا يمكن فصل كتيّب 'البيت بيتك' عن واقع القدس وما تعانيه من ممارسات تهويديّة، وفي هذا تكمن أهميّة الكتيّب باعتباره دليلًا إرشاديًّا يقابل الرواية الصهيونيّة حول المكان وهويّته، والتي تُستخدم الجامعة العبريّة منبرًا لنشرها.

أراضي 48

كما نظّمت مجموعة 'على طريق العلم' في جامعة تل أبيب، وهي مجموعة طلّابيّة تطوّعيّة غير ربحيّة، تهتمّ بدعم الثقافة العلميّة والبحث العلميّ في أراضي 48، سلسلة لقاءات، كان من ضمنها محاضرة عن 'الكيمياء الضيائيّة – بين التهذيب وأيدي التركيب'، بتاريخ 12 كانون الثاني (ديسمبر)، تلاها عرض مسرحيّة قصيرة بعنوان 'تحرّش وطنيّ'.

إنّ تناول العلوم الطبيعيّة أمر ثقافيّ أيضًا، فهو فعل معرفيّ في إطار المشهد الثقافيّ الفلسطينيّ، وهنا نرى دمجًا بين محاضرة علميّة ومسرحيّة، ما يؤكّد على التوجّه الطلّابيّ الجامع بين العلم والفنّ، فهما أمران متداخلان ومتكاملان.

محاضرة في الكيمياء 'الضيائيّة'، جامعة تل أبيب

وفي الجامعة نفسها، جامعة تل أبيب، نظّم 'النادي الطلّابيّ العربيّ لدراسات النوع الاجتماعيّ'، بتاريخ 20 كانون الأوّل (ديسمبر)، لقاءً ثانيًا، جاء استكمالًا للّقاء سابق؛ تحدّثت فيه طالبة الدكتوراه في قسم العلوم الثقافيّة، زهيّة قندس، عن أطروحتها التي تهدف إلى إعادة قراءة مشروعات النهضة التي شهدتها المنطقة في القرن التاسع عشر.

يُبيّن هذا الحدث أنّ المجتمع الطلّابيّ الفلسطينيّ، بتناوله موضوع النهضة العربيّة، يهتمّ بقضايا أمّته العربيّة، وأنّ انهماكه في الشأن الفلسطينيّ مرتبط بها، بل ويمارس دورًا نقديًّا تجاه واقعه وتاريخه، إذ جاء هذا الحدث' ليعيد قراءة' مشروعات النهضة.

أمسية 'تكافؤ الفرص' - معهد التخنيون، حيفا

نظّم مشروع 'تكافؤ الفرص' في معهد التخنيون بمدينة حيفا، والذي يهدف إلى تعزيز مكانة الطلبة العرب في الجامعة ومساعدتهم في مشكلاتهم الدراسيّة، ومعالجة القضايا التي قد يصطدمون بها في الحياة الجامعيّة، أمسية بعنوان 'أمسية التكافؤ'، بتاريخ 16 تشرين الثاني (نوفمبر)، شملت مداخلات علميّة وثقافيّة، من ضمنها مداخلة للبروفسورة خولة أبو بكر، الباحثة في العلوم السلوكيّة، والأستاذة فيوليت صادر، ومجموعة (AWSC)، كما شملت الأمسية فقرة شعريّة وفقرة فنّيّة للفنّانة دلال أبو آمنة.

يُتناول النشاط الطلّابيّ النقابيّ أو الخدماتيّ، عادة، بمعزل عن الثقافة، علمًا أنّه ينتج ثقافته الخاصّة به، فمساندة الطلبة في تحدّياتهم يشبه 'العونة' الفِلاحيّة الفلسطينيّة، وهي جزء من الثقافة الفلسطينيّة الأصيلة التي ورثناها من الأجداد.

الضفّة الغربيّة

عقد معمل الأفكار في جامعة بيرزيت، وهي مبادرة طلّابيّة في الجامعة، تسعى إلى تمكين الشباب من صوغ مستقبلهم بأيديهم، مؤتمره الثاني 'صُنع في بير زيت – فكر عضويّ'، بتاريخ 26 تشرين الثاني (نوفمبر). جاء المؤتمر بواقع أربع جلسات تحدّث فيها العديد من طلبة الجامعة عن المواضيع التالية: التعلّم، والاغتراب، وأزمات ماليّة/ نيوليبراليّة، والهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة. ثمّ كان في نهاية المؤتمر ملاحظات ختاميّة توجيهيّة للطلبة، قدّمها الدكتور عبد الرحيم الشيخ.

'صُنع في بير زيت - فكر عضويّ' - جامعة بير زيت

يتحدّث أنطونيو غرامشي عن ضرورة انخراط المثقّف في مجتمعه وقضاياه، فيكون 'مثقّفًا عضويًّا' كما أسماه، وقد جاء هذا المؤتمر الطلّابيّ، وهو ما يشير إليه عنوانه، ليؤكّد على هذه الرؤية، فالمثقّف وما ينتجه من ثقافة يتداخلان مع المجتمع، يؤثّران فيه ويتأثّران منه.

كما نظمّت 'الجمعيّة الطلابيّة لعلوم الفيزياء والفلك' (سابا) في جامعة النجاح الوطنيّة، وهي مجموعة طلّابيّة علميّة تعمل على تعزيز الثقافة العلميّة في الجامعة، يومًا فلكيًّا، بتاريخ 23 نيسان (أبريل)، تضمّن العديد من الفعاليّات، كان من ضمنها محاضرة عن دور الشموس والتفاعلات المختلفة في صناعة العناصر الكيميائيّة، والحديث عن أهمّيّة العلم الذي كان جزءًا من التراث العربيّ الإسلاميّ. كما تضمّن اليوم مداخلة عن ولادة النجوم وحياتها، ومداخلة عن الانفجار العظيم وكيفيّة نشأة الكون، ومداخلة عن النظريّة النسبيّة لآينشتاين، إضافة إلى العديد من الفقرات.

'يوم فلكيّ' من تنظيم سابا - جامعة النجاح الوطنيّة، نابلس

يظهر من تفاصيل هذا الحدث، اليوم الفلكيّ، أنّ التراث العربيّ الإسلاميّ، بما يشمله من إنتاج علميّ ومعرفيّ، له حضور ومكانة في الفعل الثقافيّ الطلّابيّ، وهو ملمح من ملامح المشهد الثقافيّ الفلسطينيّ بخاصّة، والعربيّ بعامّة.

غزّة

نظّم مجلس طالبات الجامعة الإسلاميّة في غزّة، الملتقى الشبابيّ الأوّل 'ميلاد جديد'، على مستوى جامعات القطاع، بتاريخ 6 آذار (مارس)، عُرِضَت فيه العديد من الأفكار والتجارب الطلّابيّة الملهمة؛ مثل تجربة الطالبة ميسرة أبو عليّان، التي تحدّثت عن تجربتها في تحويل تخصّصها من الطبّ إلى الإعلام لتجد نجاحها في ما تحبّ، والمصوّرة أسماء التي شهدت بكاميرتها مخاض ولادة طفلة اسمها إيلياء، والطالبتين مجد وروان اللتين صنعتا من رماد القمامة أحجارًا. وقد استضاف الملتقى رئيس الجامعة الإسلاميّة، الدكتور عادل عوض الله، ليتحدّث بدوره عن تجربته الشخصيّة، العلميّة والإداريّة، كما تضمّن الملتقى معرضًا للرسم والتصوير.

'ميلاد جديد' - الجامعة الإسلاميّة، غزّة

كما نظّم قسم اللغة الإنجليزيّة التابع لكلّيّة الآداب في الجامعة الإسلاميّة، يومًا دراسيًّا بعنوان 'اللغة والفنّ والأداء: تجارب طلبة قسم اللغة الإنجليزيّة'، بتاريخ 6 كانون الأوّل (ديسبمر)، وذلك لتسليط الضوء على تجارب الطلبة التي من المهمّ أخذها بعين الاعتبار في الحالة الثقافيّة والأكاديميّة في الجامعات.

قد يرى البعض أنّ النشاطين السابقين يقعان ضمن 'التنمية البشريّة' التي تدّعي قدرتها على جعل الحياة أجمل من خلال قصص النجاح، لكنّهما في الحقيقة، وباعتمادهما على تجارب الطلبة ونجاحاتهم الذاتيّة في السياق الغزّيّ، يؤكّدان على ثقافة الحياة في ظلّ الحصار المستمرّ والقتل المباغت الذي يواجهه الإنسان الغزّيّ، يوميًّا، وهو ما يؤكّده مصطلح 'ميلاد جديد'، عنوان أحد النشاطين، وهما يعبّران، أيضًا، عن ثقافة المقاوم وقدرته على خلق المعاني واستجلاب التجارب التي تصبّ في معنى الصمود أمام المستعمِر.

'اللغة والفن والأداء: تجارب طلبة قسم اللغة الإنجليزية' - الجامعة الإسلاميّة، غزّة

وبعيدًا عن أسوار الجامعة، نظّم نادي زدني الشبابيّ، وهو ناد قائم على جهود الطلبة ويهدف إلى النهوض بالمستوى الثقافيّ والمعرفيّ للشباب الفلسطينيّ، لقاءً حواريًّا بعنوان 'البعد الاجتماعيّ في تشكيل الوعي لدى الشباب ومسؤوليّة المثقّف'، بتاريخ 30 تشرين الأوّل (أكتوبر). تحدّث في المحور الأوّل تيسير محيسن حول 'البعد الاجتماعيّ في تشكيل الوعي لدى الشباب'، وتحدّث في المحور الثاني وائل بلعوشة حول 'مسؤوليّة المثقّف'.

تنظيم الطلبة الفلسطينيّين لأحداث خارج أسوار جامعاتهم وكلّيّاتهم، يشير إلى مدى اهتمامهم بالانفتاح على مجتمعهم وقضاياه، بعيدًا عن شروط الأكاديميا، إذ يرون أنفسهم مسؤولين عن التأثير في الوعي المجتمعيّ والتغيير، لا سيّما الشباب.

'البعد الاجتماعيّ في تشكيل الوعي لدى الشباب' و'مسؤوليّة المثقّف' - غزّة

 

خاتمة

لطالما كان المشهد الثقافيّ الطلّابيّ الفلسطينيّ مختلفًا باختلاف السياقات السياسيّة المفروضة على الجغرافيا؛ فكلّ سياق ينشط وفق اهتماماته وما يحتاجه أهله، لذا لا يمكن يمكن أن يكون هذا المشهد واحدًا ومتجانسًا، في ظلّ التنوّع الكبير في الجامعات ومواقعها وسياقاتها السياسيّة والاجتماعيّة. كما أنّ المشهد الثقافيّ الطلّابيّ متغيّر، دومًا، مع تقلّبات الأحداث فلسطينيًّا وعربيًّا وعالميًّا، ما يعكس التصاق المشهد الثقافيّ بالسياسيّ. ولعلّ الاختلاف وديمومة التغيّر ينتجان حالة ثقافيّة طلّابيّة متجدّدة وحيويّة.

إنّ نوعيّة الإنتاج الثقافيّ الطلّابيّ تعبّر عن مشهد ثقافيّ متنوّع وأصيل، ومن شأن هذا التنوّع أن يخلق هويّة جامعة للطلبة الفلسطينيّين في مختلف أماكن وجودهم، قد تؤدّي إلى فعل جامع وواسع متى نُظّمت وأُديرت على النحو الصحيح، عبر التشبيك والتنسيق والتعاون.

إنّ الطاقة الطلّابيّة مهمّة جدًّا عند الحديث عن مشهد ثقافيّ فلسطينيّ، لا لمضامين الأنشطة الطلّابيّة فحسب، بل لأنّ في التنظيم والإنتاج الثقافيّين، أيضًا، خلق لتجارب وعلاقات تُعدّ معرفة بحدّ ذاتها، تغني الثقافة الجامعيّة وغير الجامعيّة.

إنّ الحديث عن الشاطئ هو نفسه الحديث عن البحر والسباحة؛ لذا فإنّ تسليط الضوء على المشهد الثقافيّ الطلّابيّ الفلسطينيّ يصبّ في قراءة المشهد الثقافيّ الفلسطينيّ العامّ وفهمه على نحو أعمق وأوضح. الشاطئ قاعدة صلبة لها أهميّتها في الوقوف على البحر السائل والسباحة، وتلاقيهما يخلق مشهدًا ثقافيًّا غنيًّا وحيويًّا متنوّعًا، يُترجم في كثير من الأحيان، إلى حراكات طلّابيّة ومبادرات تمتدّ إلى خارج أسوار المؤسّسات الأكاديميّة وتستمرّ بعدها، لذلك فإنّ خصوبة الفعل الثقافيّ الطلّابيّ نتيجته مشهد ثقافيّ عامّ خصب.

 

مثنّى خميس

 

من مواليد طولكرم، ولاجئ من يافا. طالب بكالوريوس علم الاجتماع في جامعة بير زيت. مدوّن ومحرّر لعدد من المنابر الشباييّة، كما يتطوّع في موقع 'العسّاس' للترجمة من العبريّة إلى العربيّة. مهتمّ في الأدب والسينما، وناشط في العديد من المجموعات الشبابيّة.