07/03/2019 - 18:00

نكتة المعركة المفصلية الموسمية

طلبت قائمة الجبهة والعربية للتغيير من تحالف الموحدة والتجمع، توقيع ما يسمى بميثاق شرف واتفاق فائض أصوات، وذلك خوفا على الصوت العربي من الضياع، وليس على الموحدة والتجمع والجمهور الكريم، سوى أن ينسى ما دار قبل أسابيع قليلة من صراع

نكتة المعركة المفصلية الموسمية

طلبت قائمة الجبهة والعربية للتغيير من تحالف الموحدة والتجمع، توقيع ما يسمى بميثاق شرف واتفاق فائض أصوات، وذلك خوفا على الصوت العربي من الضياع، وبمعنى آخر "سماء جديدة وأرض جديدة"، وليس على الموحدة والتجمع والجمهور الكريم، سوى أن ينسى ما دار قبل أسابيع قليلة من صراع وانشقاق، وذلك تحت شعار الوحدة في معركة الحسم التاريخية والمفصلية وصد الفاشية واليمين المتطرف وإلخ من توصيفات نعرفها منذ وعينا، حتى أن المستمع أو المتلقي يظن بأن القيامة ستقوم في اليوم التالي لفرز الأصوات، وأنه لن يوقف قيامتها سوى توجه العرب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب نوابنا، إلا أنه وكما تعودنا تثار بعد الانتخابات عادة التساؤلات الروتينية، لماذا لم ننجح في إدخال عدد أكبر من الممثلين إلى الكنيست، وتصوروا لو أننا توحدنا!! وأنه كان علينا رفع نسبة التصويت للأحزاب العربية، وهذه المقاعد كان ممكن لها أن تشكل سدّا منيعا أمام اليمين المتطرف.

الجبهة والعربية للتغيير عاملا التجمع خلال مسيرته وشراكته على أنه خصم وليس حليفا وكحزب غير مرغوب فيه، وناصباه العداء المكشوف تارة والمبطن تارة أخرى، وبذل طيبي كل جهد ممكن لتفكيك المشتركة وقد تحقق له ذلك، من خلال تركيع الجبهة وابتزازها رغم محاولات لجنة الوفاق اليائسة لمنع هذا الانقسام.  

الإصرار على فسخ الشراكة له سببان، الأول والأساسي يعتمد المبدأ المالي والثاني سياسي أيديولوجي.

المالي وبدون فذلكات يعتمد على ما تدرّه عضوية الكنيست على كل كتلة، والمقصود هو ما يُرصد للكتلة مقابل عدد ممثليها، فكلما زاد عدد أعضاء الكتلة زاد دخلها، وهذه كانت الحسابات الأساسية لمن أصر على الانشقاق، ولا شأن لنا بكيفية صرفه لهذه الأموال، وقد أدانت الجبهة تصرفات شريكها قبيل اتفاق الشراكة معه بيوم وربما بساعات، رغم محاولات التجمع والموحدة ولجنة الوفاق منع الانشقاق، ولهذا فإن الدعوة الآن إلى اتفاق فائض أصوات حفاظا على الصوت العربي كما يقولون هو محض هراء و"استهبال" للجمهور.         

الخلاف الثاني، هو خلاف فكري وأيديولوجي.

فدعاية الجبهة والتغيير تعتمد على تخويف الجماهير العربية من تشكيل نتنياهو لحكومة متطرفة أكثر من الحالية، وهو شعار قديم، التخويف من ترانسفير، والآن يذكروننا بقانون القومية العنصري، وينشرون صور الهدم، وينسى هؤلاء أنهم ما زالوا في الكنيست بعددهم الأفضل "في كل العصور"، فبماذا وكيف نفع عددكم في منع الهدم أو منع القانون العنصري أو بالمحافظة على مكانة اللغة العربية؟    

لست ممن يحمّلون أعضاء الكنيست العرب أكثر من قدرتهم ومن حقيقة وضعهم وقدراتهم، ولكن الخطأ يكمن في تصوير بعضهم على أن نضال الجماهير العربية هو الكنيست، وأنهم المخلّصون للجماهير من أزمتها، ثم لماذا يُفترض الاصطفاف التلقائي إلى جانب الجنرالات المتعطشين إلى السلطة في حزب غانتس- لبيد، وهم الذين بدأوا بالمزايدة منذ الآن على بنيامين نتنياهو في التطرف نحو اليمين، ويقولون نحن الليكود الأصلي، ولا تمضي ساعة حتى يعربون خلالها عن اشمئزازهم من مجرد فكرة إقامة حكومة مدعومة من العرب؟

الجسم المانع الذي سيقيمه العرب مع غانتس سيؤدي حتما إلى حكومة وحدة وطنية، وذلك أن غانتس لن يستطيع تركيبها مع المتدينين، وكذاك فهو رافض متعصب للعرب، ولن يكون أمامه سوى حكومة وحدة وطنية مع الليكود.

مرة أخرى، هذا ليس ذنب الجبهة ولا التغيير ولا التجمع ولا الإسلامية ولا عيساوي فريج ولا زهير بهلول، ولكن تحميل الجماهير العربية مسؤولية قيام أو عدم قيام حكومة يمين متطرف أو أقل تطرفا، هو ضرب من العبثية والتخويف والتجييش الديماغوغي السطحي.        

الكنيست ليست حياة أو موت، وقد يكون العكس صحيحا، وهو أن اعتماد الجماهير العربية على هذا المنبر وتضخيم فعالية وجدوى الصوت العربي فيه، وتصويره كأنه المخلص هو سبب للكسل الكفاحي وحتى الفكري، وهو يبقي الجماهير العربية في خانة التهميش وتآكل الحقوق البطيء، طالما أن أقصى ما يمكن أن يقوموا به هو صراخ لبضع دقائق على منصة الكنيست، بينما باتوا عاجزين عن تحشيد الناس في العمل النضالي الشعبي، سوى شذرات نادرة هنا وهناك.

الرسالة التي بثها الانقسام وحيثياته بثت إحباطا لدى فئات واسعة من الجماهير العربية، فالجماهير حسّاسة وذكية وتدرك أن الهوة باتت شاسعة جدًا بين ما يطلق من شعارات على المنصات وبين الواقع الذي افتضح بصورة معيبة ومُهينة.     

الخلاف هو بين مشروع بات قائمًا على التخويف من صعود الفاشية ويقول للجماهير "صوّتي واتركي الباقي علينا"، ومشروع يحاولون طمسه وهو مشروع صريح مع الجماهير ولا يخيفها، ويقول إن قضيتنا وحقوقنا أعمق وأوسع من أن تُحلّ من خلال اللمعات (السلينغات) على منبر الكنيست، وما يخطط لنا ليس فقط اختزال حقوقنا في ميزانية هنا ومليون شيكل هناك، القضية قضية بقاء ووجود، وفي الحقيقة أن تفتيت الجماهير وتجزئتها إلى متطرف ومعتدل وبين شاطر وحربوق وبين متزمت ومتشدد، هو جزء من سياسة تفتيت شعب واقع تحت الاضطهاد لتسهيل مواصلة التحكم بمصيره وحرمانه من حقوقه.    

لا أدعو للمقاطعة، ولكن التهويل والتخويف أيضا مرفوض وهو ابتزاز رخيص، وكان أولى بالمحروقين على الصوت العربي منع الانشقاق من البداية.

 

التعليقات