أكثر تساؤل استنكاريّ من الممكن سماعه في هذه الأيّام هو "أين العرب" يلي هذا شتائم للعرب! لن أتطرّق في هذه المقالة إلى علاقة المسلمين من غير العرب بفلسطين، لأنّ هذا يحتاج إلى بحث مختلف ومركّب غير هذا المتعلّق بالعرب.
أين العرب من الإبادة الجماعيّة لشعب عربيّ! كيف يجري كلّ هذا بينما يحيط بهم أربعمائة مليون عربيّ! أين العرب؟ سؤال يردّده أصدقاؤهم بحسرة وألم، ويردّده أعداؤهم باستهزاء وبهدف التثبيط والتيئيس!
الحقيقة أنّ العرب موجودون، ولولا العرب لاندثرت قضيّة الشعب الفلسطينيّ منذ عام النكبة، صحيح أنّ الأمل أكبر من هذا، ولكن لولا وجود أمّة عربيّة حول فلسطين لاندثر الشعب الفلسطينيّ، أو أنّه أمام خطر الاندثار في عالم لا تحكمه سوى القوّة والعربدة، وفي ظلّ الدعم الاستعماريّ اللامحدود لدولة الاحتلال بصفتها رأس الحربة الأميركيّة - الأوروبّيّة في خاصرة الوطن العربيّ.
لم تغب القضيّة الفلسطينيّة عن أجندة الأنظمة العربيّة كلّها، إيجابًا أو سلبًا، ومنهم من استغلّها لمآرب داخليّة تخصّه، ومنهم من اتّخذها جسرًا للعمالة للغرب، ومنهم من اعتبر أنّه الحامي الوحيد لفلسطين والقدس، ويجب أن يكون مرجعيّتها، في كلّ الأحوال لم تغب فلسطين، لماذا؟ بكلّ بساطة لأنّ الشعوب العربيّة لم تتنازل يومًا عن كون فلسطين قضيّة العرب الأولى، حتّى عندما تكون هذه الدول متورّطة في حروب داخليّة أو خارجيّة، فإنّ قضيّة فلسطين كانت حاضرة دائمًا، وذلك أنّ الشعوب العربيّة وأغلب مثقّفيها لم يتخلّوا عن فلسطين.
يحاول الإعلام الصهيونيّ إظهار العرب وكأنّهم أعداء للفلسطينيّين شعبيًّا، ولهذا يصطادون فردًا ما يسوقون من خلاله رغبتهم، مثل صورة لأحدهم بالكوفيّة المرقّطة الحمراء يهاجم الفلسطينيّين، يتبعه ذباب إلكترونيّ يؤيّده وآخر يعارضه بلغة الشتائم والتعريض! هذا الفرد أو البضعة أفراد يظهرون وكأنّهم الممثّلون لهذا الشعب العربيّ أو ذاك، وهي صورة زائفة لحقيقة مشاعر الشعوب العربيّة في هذه الدول تجاه الفلسطينيّين وما يتعرّضون له.
هذا يشبه الحال عندما يرى عرب من خارج فلسطين جنديًّا عربيًّا في جيش الاحتلال يدعو إلى قتل "المخرّبين"، وآخر آخر يمتدح إسرائيل ويهجو المقاومة، فيبدو للبعيد بأنّ هؤلاء هم "عرب إسرائيل"! كأنّهم كلّهم على صورة ذلك الجنديّ العربيّ في جيش الاحتلال!
بعد حصار بيروت عام 1982 وطرد المقاومة منها، احتضنت عدّة دول عربيّة قيادات ومقاتلي منظّمة التحرير الفلسطينيّة، وما كانت لتفعل هذا لولا أنّ شعوبها متعاطفة مع الفلسطينيّين.
الكلّ يعرف أنّ أطماع الحركة الصهيونيّة لا تقتصر على فلسطين، فهي لها أطماعها الجغرافيّة في قسم من الدول المحيطة، وكذلك في ثروات الدول العربيّة، إضافة إلى أنّها مقاول لمصالح الغرب.
أكثر من خمسة وتسعين بالمئة من أبناء الشعوب العربيّة مؤيّدون للفلسطينيّين، ومع حقّهم بالنضال في كلّ الوسائل المتاحة، ونسبة عالية جدًّا منهم يعتبرون أنّ فلسطين قضيّة تخصّهم وتخصّ معتقدهم الدينيّ، وليس القوميّ فقط.
الأنظمة العربيّة تحجّم الطاقات الّتي يمكن للشعوب العربيّة أن تطلقها نصرة لفلسطين، تقزمها وتحتال عليها.
إلى جانب هذا يجب أن نعترف بأنّ أنظمة عربيّة كثيرة دعمت الفلسطينيّين ماليًّا بمليارات الدولات منذ تأسيس منظّمة التحرير الفلسطينيّة، وتتحمّل القيادات الفلسطينيّة مسؤوليّة في كيفيّة صرفها، وفي نشوء طبقات فاسدة في ثنايا وأحضان القيادات الفلسطينيّة.
إضافة إلى الدعم الماليّ، هنالك الدعم العربيّ في الأمم المتّحدة والهيئات الدوليّة، وإن كان غير كاف، ولا يرقى إلى مستوى دعم جنوب أفريقيا في حرب الإبادة الحاليّة، ولكن ممنوع تجاهل الدعم الشعبيّ لفلسطين من خلال المظاهرات الحاشدة الّتي تقام في عدد من المدن العربيّة، وحتّى في مدن عربيّة مطبعة مع إسرائيل، أي أنّ موقف الشعوب مختلف على مواقف الأنظمة.
في استبيان أجراه معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في أواخر السنة الماضية 2023، أي بعد حوالي شهرين من السابع من أكتوبر، أظهر تأييد 95% من السعوديّين للفلسطينيّين، ورأى 91% منهم أنّ المقاومة تدافع عن العرب والمسلمين.
الشعوب العربيّة كلّها بلا استثناءات مؤيّدة للفلسطينيّين، وأيّ إنجاز للمقاومة تعتبره لها وتحتفي به، بقدر ما يتاح للشعوب أن تعبر، فبعضها مقموع ويقف عاجزًا عن التعبير لشدّة القمع والتضليل.
كثيرًا ما أتابع ردودًا من مختلف الدول العربيّة على أخبار في وسائل التواصل الاجتماعيّ، فنرى الآلاف المؤلّفة تؤيّد المقاومة الفلسطينيّة، وتتعاطف معها والكثير منها يهاجم حكّامهم المتواطئين مع الاحتلال، ويعتذرون لقلّة حيلتهم.
أحد الشيوخ العرب، وأظنّه كويتيًّا طلب من ضيوفه في وليمة زفاف عدم نشر صور الطعام؛ لأنّ هناك جياعًا من إخوته العرب، ما يدلّ على أنّ القضيّة لها عمقها الشعبيّ حتّى في المناطق العربيّة البعيدة.
الكثير من الشعوب العربيّة منشغلة في همومها وحروبها الداخليّة وانقساماتها، في سوريا وفي اليمن وفي السودان، وفي ليبيا وفي العراق، وهنالك خلافات حول قضيّة الصحراء الغربيّة، فالدول العربيّة نفسها تعاني، وهي تحت هجمات ومخطّطات تسعى إلى النيل منها وإضعافها.
لا يمكن للأنظمة مهما كانت متواطئة، وأنانيّة وتابعة للغرب، أن تلغي علاقة الشعوب العربيّة بعضها ببعض وبقضيّة فلسطين وشعبها.
واجبنا كفلسطينيّين أن نتعامل بحذر أكثر، فالانجرار إلى شتم العرب والتعميم ضدّ شعب من الشعوب العربيّة؛ بسبب فرد أو أفراد هو خطأ فاحش، ويخدم من يريدون بالفعل عزل الفلسطينيّين عن أشقّائهم. شتم العرب يخدم أولئك الّذين يسعون إلى تدمير العرب، بمن فيهم الفلسطينيّون!
ممنوع الانجرار وراء استفزازات بعض الهمل ومنحهم أكثر ممّا يستحقّون، فالعرب أمّة عظيمة بكلّ شعوبها، ولولا الشعوب العربيّة، لما بقيت قضيّة فلسطينيّة أصلًا، وكان من السهل على الصهيونيّة بالدعم الغربيّ التخلّص إلى الأبد من هذه القضيّة.
اقرأ/ي أيضًا | عصا السنوار في وجه "الدرون"...
التعليقات