عملية اتخاذ قرار الحرب في إسرائيل: صراع الصلاحيات والأدوار والسلطات

أقرّ الكنيست الإسرائيلي في نهاية نيسان/ أبريل 2018 تعديلًا للقانون الأساس للحكومة الإسرائيلية المتعلق ببند "صلاحيات بشأن شن الحرب أو القيام بعمليات عسكرية واسعة". ومنح هذا التعديل اللجنة الوزارية لشؤون الأمن القومي (الكابينت السياسي الأمني) صلاحية اتخاذ قرار الحرب.

عملية اتخاذ قرار الحرب في إسرائيل: صراع الصلاحيات والأدوار والسلطات

تقييم حالة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات


أقرّ الكنيست الإسرائيلي في نهاية نيسان/ أبريل 2018 تعديلًا للقانون الأساس للحكومة الإسرائيلية المتعلق ببند "صلاحيات بشأن شن الحرب أو القيام بعمليات عسكرية واسعة". ومنح هذا التعديل اللجنة الوزارية لشؤون الأمن القومي (الكابينت السياسي الأمني) صلاحية اتخاذ قرار الحرب واتخاذ القرار أيضًا في العمليات العسكرية الكبيرة التي قد تقود إلى الحرب. وفي الساعات الأخيرة من عملية التشريع في الكنيست، أُضيف إلى هذا التعديل، تحت ضغط مباشر من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بندٌ ينصّ على أن رئيس الحكومة ووزير الدفاع يحق لهما اتخاذ قرار الحرب في حالات استثنائية من دون عقد اجتماع اللجنة الوزارية لشؤون الأمن القومي[1].

تعرّض منح رئيس الحكومة ووزير الدفاع اتخاذ قرار الحرب لنقد شديد من أوساط واسعة في المستويين العسكري والسياسي. وأدى هذا النقد إلى تراجع نتنياهو وائتلافه الحكومي عن التعديل المتعلق بمنح رئيس الحكومة ووزير الدفاع صلاحية اتخاذ قرار الحرب، وقرر الكابينت السياسي الأمني والحكومة الإسرائيلية الشروع في عملية تعديل القانون في الكنيست، لحذف البند المتعلق بصلاحية رئيس الحكومة ووزير الدفاع في ذلك، والحفاظ على منح اللجنة الوزارية لشؤون الأمن القومي صلاحية اتخاذ هذا القرار الحرب[2]. تعالج هذه الورقة مستجدات عملية اتخاذ قرار الحرب في إسرائيل، وتقف على خلفياتها وحيثيات تعديل القانون الأساس للحكومة الإسرائيلية المتعلق بقرار شن الحرب.

أولًا: الحكومة وصنع قرار الحرب

الحكومة في إسرائيل هي السلطة التنفيذية، وهي مركز القوة في النظام السياسي الإسرائيلي، وفيها تتم من الناحية الرسمية والقانونية عملية صنع القرارات. ينصّ القانون الأساس للحكومة الإسرائيلية على أنها هي الجسم الوحيد المخول باتخاذ قرار الحرب. فقد ورد فيه: "لا تشن الدولة حربًا إلا بقرار من الحكومة". ونصّ القانون أيضًا أن على الحكومة أن تخبر في أقرب وقت ممكن لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست بقرارها شن الحرب، ويُعلم رئيس الحكومة، في أقرب وقت ممكن، الكنيست بشن الحرب بخطاب له من على منصة الكنيست[3].

يتمتع رئيس الحكومة في إسرائيل بعوامل قوة مهمة؛ على نحوٍ يجعل الحكومة الإسرائيلية توصف بأنها حكومة رئيس الوزراء. وتنبع قوة رئيس الحكومة من عوامل مختلفة أهمها: أولًا، هو الذي يقود الحكومة ويرأس جلساتها ويحدد جدول أعمالها. ثانيًا، هو زعيم حزبه، ومكانته فيه تعزز عادة قوّته في الحكومة. ثالثًا، استقالته تعني استقالة الحكومة بأسرها. رابعًا، يتمتع، منذ أن جرى في عام 1981 تعديل القانون الأساس للحكومة، بصلاحية إقالة أي وزير من الحكومة. خامسًا، يتم اتخاذ القرارات المهمة في دائرة رئيس الحكومة أو في مطبخه. سادسًا، هو المسؤول مسؤولية مباشرة عن جهازي أمن مهمين للغاية، هما الموساد (المخابرات الخارجية) والشاباك (المخابرات الداخلية)؛ وهو الذي يعين رئيسي الموساد والشاباك، ويصبح تعيينهما ساري المفعول بعد تصديق الحكومة عليه. سابعًا،هو المسؤول مسؤولية مباشرة عن الملف النووي والملف الكيماوي والملف البيولوجي، بهيئاتها ومنتجاتها المختلفة. ثامنًا، هو رئيس اللجنة الوزارية لشؤون الأمن القومي، وهو الذي يحدد جدول أعمالها وأولوياتها ما يزيد من قوته. تاسعًا، يحق له دعوة رئيس هيئة الأركان العامة للجيش ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) للتشاور، بعلم وزير الدفاع. عاشرًا، يتبع له ويقع تحت مسؤوليته المباشرة "هيئة الأمن القومي"[4]، التي أُسست في عام 1999، والتي تعدّ المعلومات والتحليلات والبدائل لرئيس الحكومة في قضايا الأمن القومي، ورئيس هيئة الأمن القومي هو مستشار رئيس الحكومة في قضايا الأمن القومي.

ثانيًا: ثالوث رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان

إلى جانب رئيس الحكومة، هناك منصبان مهمان في إسرائيل في عملية صنع قرار الحرب؛ وهما منصب وزير الدفاع ومنصب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش. في العقدين الأولين لتأسيس إسرائيل، كان رئيس الحكومة يشغل أيضًا منصب وزير الدفاع، باستثناء فترة وجيزة شغل فيها بنحاس لافون منصب وزير الدفاع في عام 1954 وبداية 1955. وفي عشية حرب حزيران/ يونيو 1967 جرى إرغام رئيس الحكومة ليفي إشكول على التخلي عن منصب وزير الدفاع لمصلحة الجنرال موشيه ديان؛ ما أدى إلى نشوء حالة جديدة استدعت ضرورة إيجاد صيغة عمل جديدة بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع. وقد توصلا إلى اتفاق بينهما، حدد المجالات التي لا يستطيع موشيه ديان إصدار الأمر للجيش للقيام بها من دون الحصول مسبقًا على موافقة رئيس الحكومة، والحالات التي يستطيع فيها القيام بذلك من دون الحصول على موافقة رئيس الحكومة. وبعد أن وضعت حرب 1967 أوزارها، صاغ الوزير يسرائيل غليلي بالتعاون مع السكرتير العسكري لرئيس الحكومة ليفي إشكول والسكرتير العسكري لوزير الدفاع موشيه ديان وثيقة تنظم الصلاحيات بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع، أطلق عليها "كونستيتوتسيا" أي الدستور، التي اعتمدتها حكومة إشكول. ومنذ تلك الفترة وحتى اليوم، تقرّ كل حكومة جديدة عند تأليفها هذه الوثيقة. وقد حددت هذه الوثيقة الحالات التي يكون فيها وزير الدفاع مخولًا في اتخاذ القرار وحده، مثل الرد على إطلاق العدو النار أو ملاحقة طائرة تخترق المجال الجوي الإسرائيلي؛ أي تلك العمليات العسكرية البسيطة التي تستوجب قرارًا سريعًا؛ أمّا فيما يخص العمليات العسكرية الأخرى، فقد أكدت الوثيقة أنه ينبغي لوزير الدفاع الحصول على موافقة رئيس الحكومة قبل أن يصدر أوامره للجيش للقيام بعملية عسكرية[5].

في أعقاب حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، شُكلت "لجنة أغرانات" للتحقيق في أسباب "التقصير" الإسرائيلي في تلك الحرب. وقد أكد تقرير هذه اللجنة وجود نقص واضح في تحديد الصلاحيات بين كل من رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس أركان الجيش، وأوصى هذا التقرير بتحديد هذه الصلاحيات في القانون. وعلى إثر هذه التوصية، سنّ الكنيست في عام 1976 القانون الأساس للجيش الإسرائيلي، بيد أنه لم يحدد فيه بوضوح توزيع الصلاحيات بين رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان. فقد نصّ هذا القانون الذي جاء في ستة بنود قصيرة للغاية، على أن الجيش هو جيش الدولة، وأنه يخضع لسلطة الحكومة، وأن وزير الدفاع هو الوزير الذي تعينه الحكومة وزيرًا على الجيش، وأن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش هو المسؤول الأعلى داخل الجيش، وأنه تحت سلطة الحكومة، وخاضع لوزير الدفاع. بيد أن هذا الخضوع هو خضوع هرمي، ولا يوجد اتفاق على تفسير هذا الخضوع عند تطبيقه على أرض الواقع. فوزير الدفاع ليس قائدًا عامًا للقوات المسلحة، ولا يوجد في إسرائيل مثل هذا المنصب كما هو في الكثير من الدول[6].

وتعزز مجموعة من العوامل مكانة المؤسسة العسكرية، ممثلة برئيس هيئة الأركان العامة للجيش في عملية صنع قرار الحرب، أو في اتخاذ قرار القيام بعملية عسكرية كبيرة قد تقود إلى حرب. وأهم هذه العوامل على الإطلاق هو احتكار المؤسسة العسكرية في إسرائيل، منذ إنشائها وحتى اليوم، قراءة الواقع وتفسيره وتقديم مقترحات القرارات ومشاريعها إلى الحكومة أو إلى الكابينت السياسي الأمني. ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية هو المسؤول عن توجيه إنذار للحكومة الإسرائيلية أو للكابينت عن إمكانية نشوب حرب ضد إسرائيل. وقسم الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، التابع للجيش الإسرائيلي، هو أهم مؤسسة في الجيش، وفي إسرائيل قاطبة بلا منازع، في قراءة الواقع وتفسيره. ومن الصعب للغاية أن تنافس أي مؤسسة أخرى هذا الجهاز وقسم الأبحاث التابع له؛ فهو يتفوق عليها جميعًا تفوقًا واضحًا للغاية؛ من حيث الميزانية، وعدد الباحثين فيه ونوعيتهم، والمعلومات الاستخبارية التي في حيازته، وشمولية المواضيع التي يعالجها، والمناطق الكثيرة التي يتابعها. وكان يعمل في مركز الأبحاث التابع لأمان 600 شخص في عام 2003، منهم 200 باحث متفرغ، بينهم 120 باحثًا متخصصًا في مجالات البحث العسكري والاستخبارات العسكرية، و80 باحثًا منهم متفرغون للبحث في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، أمّا الباقون فيعملون في جمع المعلومات وتوثيقها وفي مجالات أخرى مرتبطة بالبحث[7].

ثالثًا: خلفية تشكيل لجنة عميدرور

تعرضت عملية اتخاذ قرار الحرب في إسرائيل، وعدم تطبيق قرارات لجان التحقيق التي كانت الحكومات الإسرائيلية قد أقامتها وتوصياتها، لانتقادات شديدة من جهات مختلفة في إسرائيل. فمثًلا صرح القاضي الياهو فينوغراد الذي كان قد رأس "لجنة فينوغراد" لفحص حرب لبنان الثانية في 2006، بأن الحكومة الإسرائيلية لم تطبق تقريبًا ما ورد في تقرير "لجنة فينوغراد" النهائي لفحص حرب لبنان الثانية. أمّا مراقب الدولة في إسرائيل، فقد عالج في تقريره عن حرب إسرائيل على غزة، في صيف 2014، عملية اتخاذ القرارات في الكابينت السياسي الأمني عشية تلك الحرب وأثناءَها. وأكد مراقب الدولة أن صلاحيات الكابينت السياسي الأمني ليست واضحة، وأنه لا يوجد قانون يحدد هذه الصلاحيات، ولا توجد أعراف وتقاليد تنظم كيفية إيصال المعلومات والتحليلات إلى وزراء الكابينت[8].

دفعت عوامل عديدة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى تشكيل لجنة لفحص عمل الكابينت السياسي الأمني، ورفع توصيات لتحسينه. وكان من أبز هذه العوامل:

جرى في العقود الماضية اتخاذ قرار شن الحرب وقرار شن عمليات عسكرية كبيرة تقود إلى الحرب، في الكابينت السياسي الأمني، وليس في الحكومة المخولة وحدها اتخاذ هذه القرارات، كما ينصّ القانون الأساس للحكومة.

لم يتمكن نتنياهو من الحصول على أغلبية تؤيده في الكابينت السياسي الأمني لتوجيه ضربة عسكرية إسرائيلية إلى المنشآت النووية الإيرانية في الفترة 2010-2012، رغم رغبته الشديدة وعزمه هو ووزير الدفاع إيهود براك على توجيهها؛ بسبب معارضة المؤسسة العسكرية الأمنية الإسرائيلية ولتأثيرها الكبير في وزراء في الكابينت لمعارضة الضربة[9].

التوتر الشديد للعلاقات في الكابينت السياسي الأمني أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة في صيف 2014، لا سيما بين نفتالي بينيت وأفيغدور ليبرمان من ناحية ورئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون من ناحية أخرى؛ واحتجاج عدد من وزراء الكابينت السياسي الأمني أثناء تلك الحرب على طريقة عمل الكابينت، وعلى عملية صنع القرارات المتعلقة بأهداف تلك الحرب ومجرياتها وكيفية إنهائها[10].

رابعًا: صلاحيات الكابينت السياسي الأمني

في حزيران/ يونيو 2016، شكل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لجنة برئاسة الجنرال المتقاعد يعقوب عميدرور، لفحص عمل الكابينت السياسي الأمني، ولتقديم توصيات لأجل تحسين عمله فيما يخص تأهيل وزرائه الجدد، وتزويد وزرائه بالمعلومات، وتحضير الوزراء لاجتماعاته، وطرق عمله[11]. واستندت اللجنة في عملها إلى الوثائق الرسمية الإسرائيلية ذات العلاقة بعملية اتخاذ قرارات الحرب في إسرائيل، كان من ضمنها تقرير لجنة فينوغراد عن حرب لبنان الثانية، وقرارات الحكومة وقرارات الكابينت السياسي الأمني والقوانين ذات الصلة بالموضوع. كما اجتمعت اللجنة بوزراء الكابينت، ووزراء كابينت سابقين، وقادة المؤسستين العسكرية والأمنية، وقادة الأحزاب الكبيرة في إسرائيل.

ينصّ القانون الأساس للحكومة على أنه تعمل فيها "لجنة وزراء لشؤون الأمن القومي"، وأن الكابينت يتكون من رئيس الحكومة، وهو رئيس الكابينت، ومن قائم بأعمال رئيس الحكومة، إن جرى تعيين وزير في هذا المنصب، ومن وزير الدفاع ووزير الخارجية ووزير المالية ووزير القضاء ووزير الأمن الداخلي. ومن حق رئيس الحكومة إضافة وزراء جدد إلى الكابينت، شريطة ألا يزيد عدد وزرائه عن نصف عدد وزراء الحكومة. ولم يحدد القانون الأساس للحكومة صلاحيات الكابينت، ولا المواضيع التي يبحثها. وعند تشكيل حكومة جديدة، يتم تشكيل الكابينت في الوقت نفسه، وتصوغ الحكومة عندها صلاحياته بصفة عامة، مثل معالجة قضايا الأمن القومي، وعلاقات إسرائيل الخارجية، وبحث خطط تسليح الجيش الإسرائيلي وإقرارها، وإقرار خطط تطوير الأجهزة الأمنية.

واقترحت لجنة عميدرور في تقريرها الذي قدمته إلى الحكومة، في كانون الأول/ ديسمبر 2016، مجموعة من التوصيات التي هدفت إلى تحسين عملية اتخاذ القرارات في الكابينت السياسي الأمني بشأن قضايا الأمن القومي. وفي أيار/ مايو 2017، قرر الكابينت قبول توصيات هذه اللجنة. ومن المهم الوقوف على أهمها؛ فهذه التوصيات هي التي تنظم عمل الكابينت وتوضح صلاحياته، وبناء على توصياتها جرى تعديل القانون الأساس للحكومة فيما يخص صلاحيات اتخاذ قرار الحرب.

أوصت اللجنة في تقريرها بالحفاظ على الوضع القانوني القائم فيما يخص صلاحيات الكابينت السياسي الأمني التي تمنحه المرونة المطلوبة في معالجة القضايا التي يرتئيها، وذلك لتمكينه بقيادة رئيس الحكومة من بلورة السياسات واتخاذ القرارات في قضايا الأمن القومي الإسرائيلي. وشدد تقرير اللجنة على ضرورة استمرار رئيس الحكومة في الحفاظ على صلاحية وضع جدول أعمال الكابينت؛ لأن هذه الصلاحية تعدّ، وفق ما ذكرت اللجنة، إحدى الوسائل المركزية التي تساعد رئيس الحكومة في تحديد سلم الأولويات في عملية اتخاذ القرارات في الكابينت.

وعالج التقرير عملية اتخاذ قرار الحرب في إسرائيل، وأوصى بتعديل القانون الأساس للحكومة الإسرائيلية ومنحها في هذا التعديل حق نقل صلاحياتها في اتخاذ قرارَي شن الحرب والقيام بعمليات عسكرية واسعة قد تقود إلى حرب، إلى اللجنة الوزارية لشؤون الأمن القومي. ولا يعني هذا تنازل الحكومة كليًا ومطلقًا عن حقها في اتخاذ قرار شن الحرب أو القيام بعمليات عسكرية واسعة. فوفق التعديل يحق للحكومة، بقرار منها، استعادة هذا الحق في أي وقت تشاء. وأكد التقرير أن هذا التعديل ضروري من أجل تحسين عملية اتخاذ القرار بشأن شن الحرب، وللحفاظ أيضًا على السرية وتقليل عدد الشركاء في سر قرار الحرب قدر الإمكان[12].

وعالج التقرير دور الكابينت السياسي الأمني أثناء الحرب أو خلال عملية عسكرية واسعة، وأوصى أن يعطي الأولوية للجانب الإستراتيجي السياسي للحرب، ويهتم بتوفير عوامل القوة للجيش وفي مقدمتها الأسلحة والعتاد. وأوصى التقرير أن تكون مهمات الكابينت في تحقيق القضايا التالية:

تحديد الهدف الإستراتيجي للحرب أو العملية العسكرية الكبيرة، وذلك بعد دراسة البدائل المختلفة وفحصها.

إصدار توجيهات إلى المستوى العسكري متعلقة بظروف الحرب السياسية والدولية، والإشارة فيها إلى الأهداف التي يسعى الكابينت السياسي الأمني لتحقيقها في نهاية الحرب، والإشارة فيها أيضًا إلى القيود والعوامل التي يجب أخذها في الحسبان في العمل لتحقيق هذه الأهداف.

إجراء فحص معمق بهدف التحقق من أن الخطة العملياتية العسكرية تقود إلى تحقيق الهدف السياسي من الحرب.

بذل جهود أخرى في مجالات مختلفة تكمل العمل العسكري، وتزيد من إمكانات نجاح الحرب وتحقيق هدفها الإستراتيجي.

وبما أن الحرب والعمليات العسكرية الكبيرة تتطور بسرعة، وفي حاجة دائمة إلى اتخاذ القرارات بشأن تطوراتها المختلفة، فإن تقرير اللجنة أوصى بأن ينقل الكابينت السياسي الأمني صلاحياته، خلال الحرب، بشأن اتخاذ القرارات المتعلقة بمتابعة الحرب وإدارتها، إلى لجنة مشكلة من رئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزير الخارجية؛ وألا يكون هذا النقل للصلاحيات مطلقًا، وأن يتم في اتفاق مكتوب تُحدد فيه هذه الصلاحيات المنقولة إلى اللجنة بالتفصيل. وعلى هذه اللجنة تقديم تقرير عن نشاطها وقراراتها إلى الكابينت في الأوقات التي يحددها رئيس الحكومة.

وأكدت اللجنة في توصياتها أن عرض المعلومات والتحليلات في الكابينت السياسي الأمني وتقديم المقترحات ومشاريع القرارات فيما يخص الحرب أو العمليات العسكرية الكبيرة هما من وظيفة المؤسسة العسكرية، وأن هذا العرض يمثّل الأرضية الأساسية لمداولات الكابينت الذي يتخذ القرارات الملائمة استنادًا إلى هذه المعطيات. وأضافت اللجنة في توصياتها أن المؤسسة العسكرية تضع الخطط العسكرية العملياتية وفق الأهداف التي يحددها الكابينت، وأن هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي هي الجسم الوحيد الذي يطرح الخطط والحلول العسكرية التي تخدم الأهداف التي وضعها الكابينت، وأن هيئة الأمن القومي لا يمكنها تقديم بدائل عسكرية لما تقدمه هيئة الأركان العامة للجيش في اجتماع الكابينت، وأنه إذا كان لدى هيئة الأمن القومي خطط عسكرية بديلة فعليها تقديمها إلى هيئة الأركان العامة للجيش التي تقرر بشأنها[13].

ولاحظت اللجنة في تقريرها أن عدد المشاركين في اجتماعات الكابينت السياسي الأمني يصل في كثير من الأحيان إلى نحو 35 مشاركًا. وأوصت بتقليل عدد المشاركين في اجتماعات الكابينت قدر الإمكان. واقترحت أن يشارك في اجتماعات الكابينت، إلى جانب وزرائه الذين يراوح عددهم عادة بين 8 و10 وزراء، رئيس هيئة الأمن القومي، والمستشار القضائي للحكومة، والسكرتير العسكري لرئيس الحكومة، والسكرتير العسكري لوزير الدفاع، ورئيس الفرع في هيئة الأمن القومي المسؤول عن اجتماعات الكابينت. أمّا فيما يخص مشاركة قادة الجيش والمؤسسة الأمنية، فأوصت اللجنة بأن يشارك إلى جانب رئيس الأركان قادة من أذرع الجيش ومن الأجهزة الأمنية وفق موضوع البحث[14].

الخاتمة

تراجع نتنياهو وائتلافه الحكومي عن التعديل المتعلق بمنح رئيس الحكومة ووزير الدفاع صلاحية اتخاذ قرار الحرب في حالات استثنائية، ومن دون عقد اجتماع للكابينت السياسي الأمني، في إثر الانتقادات الشديدة من أوساط واسعة في المستويين العسكري والسياسي. وقررت الحكومة الإسرائيلية البدء في تعديل القانون الأساس للحكومة وإنجازه خلال الأسابيع المقبلة، وحذف البند المتعلق بصلاحية رئيس الحكومة ووزير الدفاع اتخاذ قرار شن الحرب، والحفاظ على صلاحيات الكابينت في اتخاذ قرار شن الحرب أو القيام بعمليات عسكرية واسعة تقود إلى الحرب.

وخلافًا للوضع القائم في الدول النووية، لا يوجد في إسرائيل تشريع أو نصّ قانوني بشأن عملية اتخاذ القرار فيما يخص استخدام الأسلحة النووية. ومن غير المعروف إذا ما كانت عملية اتخاذ قرار الحرب والقوانين المتعلقة بها تنحصر في استخدام الأسلحة التقليدية أم تشمل الأسلحة النووية أيضًا. أما الحالات التي تستعمل فيها إسرائيل الأسلحة النووية وتوقيتها فهي غير واضحة إطلاقًا.


[1] "كتاب القوانين، تعديل رقم 6 للقانون الأساس للحكومة" (باللغة العبرية)، موقع الكنيست، 2/5/2018، شوهد في 10/6/2018، في:

https://bit.ly/2kY6AYS؛ انظر كذلك: يهونتان ليس، "الكنيست صادقت: رئيس الحكومة يستطيع إعلان الحرب بالتشاور مع وزير الدفاع فقط"، (باللغة العبرية)، هآرتس، 30/4/2018، شوهد في 10/6/2018، في: https://bit.ly/2Krfhq3

[2] يهونتان ليس، "الكابينت يعمل على إلغاء القانون الذي يسمح لرئيس الحكومة ووزير الدفاع إعلان الحرب" (باللغة العبرية)، هآرتس، 23/5/2018، شوهد في 10/6/2018، في: https://bit.ly/2sVtGTA

[3] "القانون الأساس للحكومة، في سنة 2001" (باللغة العبرية)، موقع الكنيست، شوهد في 10/6/2018، في: https://bit.ly/2BD7Qdh

[4] كان يطلق على "هيئة الأمن القومي" حتى عام 2008 "مجلس الأمن القومي"، وفي عام 2008 جرى تغيير اسمها إلى "هيئة الأمن القومي".

[5] للمزيد من التفاصيل انظر: محمود محارب، سياسة إسرائيل النووية وعملية صنع قرارات الأمن القومي فيها (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013)، ص 83-86.

[6] للمزيد من التفاصيل عن العلاقة المركبة بين وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش، انظر: المرجع نفسه، ص 87-92.

[7] المرجع نفسه، ص 118-120.

[8] غال بيرل فينكل وغلعاد شير، "من يتخذ القرار" (باللغة العبرية)، مباط عال، معهد دراسات الأمن القومي، 3/11/2017، شوهد في 10/6/2018، في: https://bit.ly/2Jomoml

[9] للمزيد عن موقف نتنياهو وبراك من ناحية وموقف المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية في تلك الفترة من توجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية انظر: "إسرائيل والمشروع النووي الإيراني"، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 17/1/2012، شوهد في 10/6/2018، في: https://bit.ly/2Jz8tGa؛ ذكر رئيس الموساد الأسبق تمير باردو أن نتنياهو طلب منه ومن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي في عام 2011 الاستعداد لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية خلال أسبوعين، بيد أنهما لم ينصاعا لأمره لأن ذلك في حاجة إلى قرار الكابينت السياسي الأمني، للمزيد انظر: "تمير باردو: نتنياهو أمر بالاستعداد للهجوم على إيران، تشاورت لكي أتكد من أن ذلك قانوني" (باللغة العبرية)، هآرتس، 31/5/2018، شوهد في 10/6/2018، في:https://bit.ly/2HAon1b 

[10] للمزيد عن التوتر والصراع في الكابينت السياسي الأمني أثناء تلك الحرب انظر: محمود محارب، "الحرب الإسرائيلية على غزة"،سياسات عربية، العدد 10 (أيلول/ سبتمبر 2014)، ص 11.

[11] رأس هذه اللجنة الجنرال احتياط يعقوب عميدرور الذي كان قد شغل منصب رئيس "هيئة الأمن القومي" في الفترة 2011-2013، وضمت اللجنة في عضويتها الجنرال احتياط يوحنان لوكر، المستشار العسكري الأسبق لنتياهو في الفترة 2010-2012، والدكتور يوسف تشحنوفر.

[12] انظر: (نص تقرير اللجنة الذي جاء في 19 صفحة): توصيات اللجنة بشأن عمل الكابينت السياسي الأمني (باللغة العبرية)، (كانون الأول/ ديسمبر 2016)، شوهد في 10/6/2018، في: https://bit.ly/2n77Edm

[13] المرجع نفسه.

[14] المرجع نفسه، ص 14.

التعليقات