لم يستطع عدد كبير من الطلاب أن يذهبوا إلى مدارسهم، إما بسبب إصابة أحد أفراد الأسرة بفيروس كورونا، أو لأنه كان على كثيرين أن يبقوا مضطرّين في الحجر الصحي لاختلاطهم بمصاب بالعدوى، كذلك فإن المدارس لم تفتح أبوابها في البلدات التي صارت تُعرف بالبلدات الحمراء، التي ينتشر الفيروس فيها بنسبة مرتفعة، وعدد التجمعات العربية في المنطقة الحمراء سبعة عشر تجمّعًا من أصل أربع وعشرين.

هذا يعني خسارة الطلاب لمزيد من ساعات وأيام التدريس، إضافة إلى ما كانوا قد خسروه في السّنة الدراسية المنصرمة، بسبب كوفيد-19.

هذا يسبّب البلبلة وعدم الاستقرار للطلاب، ولذويهم ولإدارات المدارس، وبالتالي لحياة المجتمع كله.

هناك أسباب كثيرة لهذا الانتشار الواسع للفيروس، منها ما هو موضوعي خارج طاقتنا وإرادتنا ومعرفتنا، ليس لنا سيطرة عليه، وهو الغموض الذي ما زال يكتنف تطوّر هذا الفيروس وطريقة علاجه، واضطرار الناس للخروج إلى أعمالهم لأجل كسب رزقهم، كذلك فإنه لا يمكن سجن الناس في البيوت كل هذه المدة الطويلة، إضافة إلى أن نظرية المؤامرة التي صدّقها البعض، لعبت دورًا في استهتار الكثيرين بإجراءات الوقاية، فنحن شغوفون بنظريات التآمر، كذلك دعوة البعض من قادة العالم إلى ما يسمى بـ"مناعة القطيع"، هذه الدعوة أدت إلى استهتار الكثيرين بالفيروس، خصوصًا وأن آثاره لا تظهر مباشرة إلا بعد أيام من الإصابة، وتشبه أعراض الإنفلونزا العادية، وتتفاوت طريقة استقبال الفيروس باختلاف الأجساد وخلفياتها المرَضية.

ما ذُكر أعلاه صحيح، ولكن بلا شك أننا نتحمل مسؤولية كبيرة في هذا الارتفاع النسبي الكبير وهي من صنع أيدينا.

لو أخذنا الأمر على محمل الجدّ أكثر مما أخذناه ونأخذه حتى الآن، خصوصًا في المناسبات الاجتماعية مثل الأفراح والأتراح، لكنا الآن في حالة أفضل بكثير مما وصلنا ومما قد نصل إليه، إذا واصلنا هذا النهج في تدمير الذات.

بات واضحًا أن النقلة العددية لانتشار الفيروس في المجتمع العربي هي الأعراس، حيث لا تراعى أدنى مستويات الأمن والأمان، لا من قِبَل أهل الفرح ولا من قبل الضيوف، فقد رأينا كلنا من خلال مشاركاتنا الشخصية، ومن خلال متابعة ما يبث من تسجيلات في الأفراح، أنه لا وقاية ولا تدابير لدى الأكثرية، وكأن بعضهم يقول: فرح ابني أو ابنتي ومن بعدنا الطوفان.

الملاحظ أن أقرب الناس إلى أصحاب الفرح هم الذين يصرّون على المصافحات والقبلات، وكأنه من العيب أن لا نقبّل وأن لا نصافح!

بل أن البعض يعتبر الوقاية نوعًا من الجُبن، ويرى في الاستهتار رجولة وجدعنة.

الشبان الصغار (عادة أصحاب العريس وصاحبات العروس) يتصرفون كما لو كانوا في تحدٍ مع الفيروس، يتعانقون ويتقافزون فوق بعضهم بعضًا من دون أي وسيلة وقاية، وطبعًا الفيروس لا يرحم، ويجد أرضًا خصبة لنشاطه.

كذلك فإن التباعد معدوم خصوصًا حول موائد الطعام، فالكتف ملتصقة بالكتف، وطبعًا بمشاركة المئات، ويكفي أن يكون واحدًا من هؤلاء حاملا للفيروس.

بهذه الطريقة يريد الشبان والضيوف التعبير عن حبهم وفرحهم لأهل الفرح، وهذه مشاعر طيبة في الظروف الطبيعية، ولكن هذا الحب يتحول إلى معاناة كبيرة بعد انتهاء العرس لكثيرين، والمشكلة إذا كان أحدهم يعاني من مرض ما، وخصوصًا من كبار السن.

بالإمكان أن نفرح، وأن نعبّر عن حبنا، وأن نشارك، ولكن بمسؤولية، ومع اتخاذ إجراءات الوقاية، ليس خوفًا من غرامة مالية قد تهدد بها الشرطة، بل انطلاقًا من تحمل المسؤولية، ومن محبتنا لبعضنا بعضًا.

نستطيع أن نفرح، وأن نؤجل القبّلات والمعانقات وحتى المصافحات، وليس عيبًا بل واجبنا أن نتّقي بالكمامات، حرصًا على أولئك الذين نحبهم.

هناك من سيقول هذا شأن شخصي، وكل واحد حر في نفسه! هذا صحيح طالما أن الضرر يبقى شخصيًا، ولكن الفيروسات لا تعترف بهذه الخصوصية، وهو أمر كانت له تداعياته على المجتمع ومن ثم على الطلاب والمدارس وانتظامها كما رأينا، ولهذا فإن من استهتروا بإجراءات الوقاية يتحملون مسؤولية وقسطًا كبيرًا عن خسران الطلاب لكثير من أيام التعليم.

نحن نريد أن نفرح، ونريد لشبابنا أن يتزوج، ولكن لأنني أحبك سأحرص على عدم تقبيلك، وسوف أبتعد عنك خطوتين، وأرتدي الكمامة وخصوصًا عندما أقترب منك.

اقرأ/ي أيضًا | كورونا في المجتمع العربي: 476 إصابة بالطيرة، 392 بكفر قاسم و334 بأم الفحم

اقرأ/ي أيضًا | مضحكون ضد التطبيع