الصهيونية الدينية والجذور التاريخية لتقديس القوة

كتاب يحاول تتبع جذور نزعة القوة والتطرف في الصهيونية الدينية قبل حرب 1967 لدحض الاعتقاد السائد بأن الانقلاب في مفاهيم الحركة وحولها من حركة "معتدلة" إلى حركة متطرفة تقدس القوة وقع بعد حرب 1967

الصهيونية الدينية والجذور التاريخية لتقديس القوة

(أ ف ب)

'من بطولة الروح إلى تقديس القوة' هو عنوان كتاب إسرائيلي صدر حديثا، يعالج موقف الصهيونية الدينية من مفاهيم 'القوة والبطولة' في الفترة الممتدة من 1948 إلى 1967، ويحاول تتبع جذور نزعة القوة والتطرف في الصهيونية الدينية قبل حرب 1967 لدحض الاعتقاد السائد بأن الانقلاب في مفاهيم الحركة وحولها من حركة 'معتدلة' إلى حركة متطرفة تقدس القوة وقع بعد حرب 1967.

مؤلف الكتاب درور جرينبلوم يرفض الادعاء الشائع بأن التطرف الذي أصاب الصهيونية الدينية كان رد فعل على 'خلاص أرض إسرائيل' عام 67، وأن مساحات الأراضي الجديدة هزت كيان الصهيونية الدينية، وأدخلت إلى رأسها أفكارا 'مجنونة'.

ويشير الكاتب إلى أنه منذ سنوات الخمسينيات والستينيات ظهرت في أوساط الصهيونية الدينية مواقف مسيحانية فعالة مؤيدة لاستخدام القوة بمنهجية، وأحيانا بتجاهل الأسئلة الأخلاقية المرتبطة باستخدامها، وإن حربي 1967 و1973 كانتا محركا، فقط، لبلورة وتعميم وتذويت هذه المواقف وليس مصدرها.

وفي بحثه المستند إلى المصادر الأساسية للحركة يشير الكاتب إلى تيارين فكريين: الأول خلاصي عمومي معتدل نسبيا؛ والثاني مسيحاني نشط، ويورد تصريحات ومقالات تؤيد 'العمليات الانتقامية' نشرت في جريدة 'هتسوفيه' الناطقة بلسان الصهيونية الدينية، وترى فيها أعمالا تليق بـ'شعب حر يحترم نفسه'، ويتوقف بشكل خاص عند مقال الحاخام شاؤول يسرائيلي، وهو من أهم 'المشرعين' في الصهيونية الدينية، والذي ما زال حتى اليوم أهم مراجع الحركة بما يرتبط باستخدام القوة والعلاقة بين القوة والأخلاق.

يسرائيلي أفتى بجواز ما فعله الإسرائيليون في ' مجزرة قبية'، مستندا إلى مصادر فقهية في 'الهلاخاه/الشريعة اليهودية'، وشق مسارا فقهيا أخلاقيا يجيز المس بالأبرياء خلال عمليات رد الفعل الانتقامية، التي أسماها 'حروب انتقامية'، واعتبرها واجبا دينيا يحل فيها سفك دم الأبرياء دون أن يعتبر ذلك جريمة قتل. بالمقابل فإن مندوب حزب 'المفدال' الذي مثل الصهيونية الدينية في الحكومة الإسرائيلية، حاييم موشي شابيرا، في حينه، كان قد  صوت ضد العملية الانتقامية التي قادت إلى مجزرة قبية.

الكاتب توقف أيضا عند مساهمة الحاخم شلومو جورن، أحد رموز الصهيونية الدينية، ومؤسس الحاخامية العسكرية والحاخام العسكري الأول، الذي شغل هذا المنصب لمدة عشرين عاما، في تكريس الإعجاب بالقوة العسكرية وإسباغ القدسية على حروب إسرائيل، مشيرا إلى أن الحاخام المذكور لم يكتف بتحليل وتبرير استخدام القوة بل سبغه بالقدسية استنادا إلى المقولة الإيمانية 'القوة هي تعبير عن الروح'، والتي اعتبرت وفقها حروب إسرائيل، واحتلال البلاد بمثابة عمليات روحية سامية نابعة من إرادة السماء.

ورغم أن هدف الكتاب، كما تقول الكاتبة كارولينا ليندسمان، التي تناولته في مقال نشرته 'هآرتس' هذا الأسبوع، هو الاعتراف بالصهيونية الدينية كحركة ترى باستخدام القوة قيمة بحد ذاتها، فهو يعرج على قضية صراع الصهيونية الدينية على 'الذاكرة القومية' وادعاءاتها حول تغييب دورها التاريخي في إنشاء المشروع الصهيوني، ويستعرض جهود الحركة بإدخال روايتها إلى السجل التاريخي لحرب 1948، وخاصة بما يتعلق بتحويل قصة حصار 'غوش عتسيون' في تلك الحرب إلى أسطورة بطولية مؤسسة لها.

وتعتبر ليندسمان الكتاب محاولة أخرى، من قبل الصهيونية الدينية، لاحتلال مكان لها في ذاكرة وتاريخ المشروع الصهيوني في إطار سعيها للسيطرة على دولة إسرائيل. 

 

التعليقات