يوم اللا حسم؟

بالنسبة للعرب بعامّة والفلسطينيين بخاصّة، يجب إدراك أن الانتخابات الحالية ليست بين معسكر "صقوري" يميني وبين معسكر "حمائمي" يساري، وإنما بين تيار يميني متطرف مدعوم من البيت الأبيض وحلفاء عرب، وبين تيار يميني أقل فظاظة وغلاظة لكنه يحاول تقليد نتنياهو 

يوم اللا حسم؟

نتنياهو وغانتس؛ وجهان لعملة واحدة (تصميم: "عرب 48")

تتجه إسرائيل غدًا الإثنين إلى انتخابات ثالثة خلال أقل من سنة، تبدو فيها فرص حسم أحد المعسكرين؛ معسكر بنيامين نتنياهو ومعسكر بيني غانتس، ليست أفضل حالا من الانتخابات السابقة، لكن مع توقُّع زيادة معسكر نتنياهو بمقعد أو اثنين دون أن يحقق عدد المقاعد الكافي لتشكيل ائتلاف حكومي من 61 عضو كنيست.

وخلال الأسبوع الأخير، تمكن نتنياهو من زيادة الفارق بينه وبين غانتس في استطلاعات الرأي لجهة الأنسب لرئاسة الحكومة بينهما، ليتجاوز الأربعين في المئة. وكذلك الحال في عدد المقاعد، إذ تفوق الليكود بمقعد أو اثنين على "كاحول لافان" للمرة الأولى في استطلاعات الرأي، وهو ما منح معسكر نتنياهو أملا بحسم الانتخابات هذه المرة.

ويعزو محللون تفوق نتنياهو على غانتس بمستويَي أنه الأنسب لرئاسة الحكومة أولًا، وفي تفوقه بعدد المقاعد ثانيًا؛ إلى ارتفاع نسبة التصويت في معسكر نتنياهو، الذي صال وجال في طول البلاد وعرضها للمشاركة في لقاءات انتخابية لحثّ مؤيدي الليكود إلى رفع نسب التصويت في قواعده (يقدر عدد مؤيدي الليكود الذين لم يصوتوا في الانتخابات الأخيرة بنحو 250 ألف مصوت)، فيما يسعى اليمين الاستيطاني المتدين المتمثل بقائمة "يمينا" (إلى اليمين) برئاسة وزير الأمن، نفتالي بينيت، إلى رفع نسبة التصويت بين جمهوره، بعد تراجعها في الجولتين الأخيرتين، نتيجة الخلافات بين أحزاب اليمين الاستيطاني على تركيبة القائمة التحالفية لهذه الأحزاب.

كذلك يعزو محللون هذا التفوق على غانتس إلى نجاح نتنياهو في إمساك زمام الأجندات الانتخابية وتهميش قضية لوائح الاتهام بالفساد ضده، من خلال خطوات دبلوماسية إعلامية مثل الإعلان عن "صفقة القرن" وتطبيع العلاقات مع دول عربية، وفرض قضية ضم المستوطنات والأغوار على أجندة الانتخابات و"جرجرة" غانتس إلى تقليد خطابه ومواقفه السياسية اليمينية.

وبحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، فإن ارتفاع قوة الليكود بمقعد أو اثنين، جاء على حساب حزب أفيغدور ليبرمان و"كاحول لافان".

ويُضاف هذا إلى تعثر الحملة الانتخابية لـ"كاحول لافان"، التي كانت تنوي التركيز على فساد نتنياهو وتشبيهه بالرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، لكن قرار السلطات القضائية، التحقيق في فساد شركة تكنولوجية كان غانتس يرأس مجلس إدارتها وفرض نتنياهو أجندته على المعركة الانتخابية، ضربت الحملة الانتخابية لغانتس، الذي واجه حملة شرسة من نتنياهو، شككت بقدراته الإدراكية والعقلية من خلال نشر مقاطع من مقابلة تلفزيونية له يبدو فيها متلعثمًا ومشتتًا، وأخيرًا نشر تسريب صوتي للمستشار الإستراتيجي لغانتس، وهو يقول إن غانتس "خطر على دولة إسرائيل"، وإنه جبان لا يملك الشجاعة لمواجهة إيران.

معسكران... خطاب سياسيّ واحد

كما في الانتخابات السابقة، لم يطرح غانتس مشروعًا أو خطابًا سياسيًا موازيًا لنتنياهو، بل حاول تقليده وتبني مواقف لا تقل عنصرية، مثل رفضه التعاون مع القائمة العربية المشتركة، أو تصريحات عضو "كاحول لافان"، يوعاز هندل، لصحيفة "هآرتس"، والتي أبدى فيها مواقف عنصرية ضد العرب واليهود الشرقيين. ويعكس ذلك التركيبة الهجينة لـ"كاحول لافان" التي تضم قيادات قادمة من الليكود مثل موشيه يعالون.

لذا، بالنسبة للعرب بعامّة والفلسطينيين بخاصّة، يجب إدراك أن الانتخابات الحالية ليست بين معسكر "صقوري" يميني وبين معسكر "حمائمي" يساري، وإنما بين تيار يميني متطرف مدعوم من البيت الأبيض وحلفاء عرب، وبين تيار يميني أقل فظاظة وغلاظة لكنه يحاول تقليد خطاب نتنياهو بتبني مواقف يمينية وعنصرية.

ومن المُستغرَب والمُستهجَن، هو ما يتردد من أنباء غير مؤكدة تُفيد بأن أطرافًا في السلطة الفلسطينية تضغط على مركبات القائمة المشتركة لحسم الموقف من التوصية على غانتس مسبقًا وبشكل ملزم لكافة مركبات القائمة المشتركة، أملا في أن نجاحه سيعزز فرص تجديد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

الأمر المهم بالنسبة للناخب العربي هو نسبة التصويت. تشير معظم استطلاعات الرأي الداخلية في القائمة المشتركة، واستطلاعات خارجية أخرى، إلى أن نسبة التصويت قد تتجاوز الـ64 في المئة، كما تُشير إلى ارتفاع نسبة تأييد المشتركة بين المصوتين إلى حدود 87 في المئة وربما أكثر (مقابل 5 في المئة فقط لـ"كاحول لافان" و3 في المئة لتحالف "العمل – غيشر – ميرتس")، ما يعني حصولها على 15.5 مقعدًا تقريبًا. ويتعلق ذلك بالأساس بنسبة التصويت بين الناخبين اليهود، الذي يتوقع أن تتراجع قليلا وفق آخر الاستطلاعات.

وتعوّل القائمة المشتركة، على زيادة عدد المصوتين لها من نحو 470 ألف صوت تقريبًا في الانتخابات الأخيرة، بـ50 – 70 ألف صوت، وهو ما يعني زيادة بمقعدين، لكنها حددّت هدفًا داخليًا بأن تصل الزيادة إلى مئة ألف صوت عن الانتخابات السابقة.

وهذا الارتفاع يعتمد على زيادة نسبة التصويت بين العرب، بالإضافة إلى انتقال مصوتين لميرتس وحزب العمل في الانتخابات السابقة للتصويت للمشتركة في الانتخابات القريبة، وهي زيادة تُقَدَّر بـ25 ألف صوت بحسب استطلاعات مختلفة، إذ أعرب 42 في المئة من مصوتي ميرتس وحزب العمل العرب في الانتخابات السابقة، بأنهم سيصوتون للقائمة المشتركة في الانتخابات القريبة، وفق استطلاع أجري في النصف الثاني من الشهر المنصرم، شباط/ فبراير.

كما يُتَوقع انتقال مصوتين لـ"كاحول لافان" في الانتخابات السابقة، لصالح المشتركة، بعد المواقف العنصرية التي أبدتها قيادة "كاحول لافان" مؤخرًا، بالإضافة لتبنيها لـ"صفقة القرن".

ومن المؤشرات التي تعوّل عليها القائمة المشتركة وفق استطلاعاتها، أن نسبة 90 في المئة من المستَطلَعين أبدوا ثقتهم بالتصويت للقائمة، وكذلك أبدوا رغبة كبيرة في الخروج للتصويت وقالوا إن عملية التصويت لن تستغرق طويلا وتتراوح ما بين 5 – 15 دقيقة.

وأعرب أكثر من نصف المستطلَعين أنهم سيدلون بأصواتهم في ساعات الصباح الباكر، وذلك خلافًا لما جرى في الانتخابات السابقة التي كانت نسبة التصويت فيها ترتفع بشكل جدي في الساعات الأخيرة قبل إغلاق صناديق الاقتراع.

نتنياهو يعرف...

ليست هذه المعطيات سرية، وتظهر في استطلاعات الرأي الخارجية التي تجريها قنوات تلفزة أو أحزاب منافسة للمشتركة، وبات من المؤكد أن هذه المعطيات تؤرق نتنياهو إذ دفعته إلى إطلاق حملة خاصة تستهدف الناخب العربي، تبدو للوهلة الأولى أنها تسعى لاستقطاب هذا الناخب على حساب المشتركة، لكنها في الحقيقة تحاول التقليل من أهمية التصويت العربي لخفض نسبة التصويت.

يسعى نتنياهو إلى الوصول لـ61 مقعدًا من خلال خفض هذه النسبة كي لا تتفوق على النسبة بين المصوتين اليهود، بعدما استنفد الحد الأقصى لسحب المقاعد من "كاحول لافان" وليبرمان، وبات الأفق الوحيد لتجاوز الـ58 مقعدًا، هو خفض نسبة تصويت العرب بما في ذلك المصوتين للأحزاب الصهيونية مثل "كاحول لافان" وتحالف "العمل – غيشر – ميرتس"، بالإضافة للضغط على قائمة "عوتسما يهوديت" الكاهانية للانسحاب من الانتخابات بسبب عدم تجاوزها نسبة الحسم، وانتقال ما يعادل مقعد إلى مقعدين من قواعد هذه القائمة لحزبه.

إذًا، تبدو الأرقام والحسابات الانتخابية دقيقة وحساسة هذه المرة، ولا يُستَبعَد بالمرة أن يسعى نتنياهو واليمين إلى تشويش يوم الانتخابات في البلدات العربية، من خلال الترويج لشائعات عن انتشار فيروس كورونا في بلدات عربية مثلا، أو بث أجواء ترهيب في الصناديق العربية من خلال انتشار عناصر من اليمين والمستوطنين.

اقرأ/ي أيضًا | في التشتت الفلسطيني

التعليقات