رواية إسرائيلية جديدة حول موت رون أراد

يقدر مسؤولون في الاستخبارات الإسرائيلية أن مساعد الطيار، رون أراد، الذي وقع في أسر حركة أمل اللبنانية، عام 1986، لم يغادر لبنان إلى إيران وإنما مات فيها، وأنه قتل انتقاما لمقتل أربعة إيرانيين، أو بسبب عملية كوماندوز إسرائيلية

رواية إسرائيلية جديدة حول موت رون أراد

صورة رون أراد على شاشة قناة إسرائيلية، عام 2006 (أ.ب.)

يقدر مسؤولون في الاستخبارات الإسرائيلية أن مساعد الطيار الإسرائيلي، رون أراد، الذي وقع في أسر حركة أمل اللبنانية، بعد سقوط طائرته، في العام 1986، لم يغادر لبنان إلى إيران وإنما مات فيها. كذلك يقدر هؤلاء أن إيرانيين هم الذين قتلوا أراد انتقاما لمقتل أربعة دبلوماسيين إيرانيين على أيدي قوات الكتائب اللبنانية بقيادة إيلي حبيقة، في 4 تموز/يوليو العام 1982، أي بعد شهر من الاجتياح الإسرائيلي للبنان.

وأشار تقرير لمحلل الشؤون الاستخبارية في "يديعوت أحرونوت"، رونين برغمان، اليوم الجمعة، إلى الضجة الكبيرة في إيران، والتي أثارتها إيران في العالم أيضا، في أعقاب اختفاء دبلوماسييها الأربعة. فقد كان أحدهم العميد أحمد متوسليان، ويعتبر أحد "أبطال" إيران في حربها مع العراق، في بداية الثمانينيات، وقرر الخميني تعيينه ملحقا عسكريا في السفارة الإيرانية في بيروت.

والدبلوماسي الثاني هو السيد محسن موسوي، وكان رئيسا لطاقم السفارة في بيروت. وينتمي موسوي إلى عائلة لديها نفوذ ديني في إيران، ووالده تبوأ درجة واحد أدنى من مكانة آية الله، وكان مندوبا عن الخميني في المؤسسات الأكاديمية الإيرانية. وموسوي الابن كان ضالعا في النضال ضد الشاه، وانضم للخميني حين كان في منفاه في فرنسا. وحسب مصادر في الاستخبارات الإسرائيلية، كان موسوي رئيس ممثلية حرس الثورة الإيراني في لبنان والمسؤول عن تأسيس حزب الله.

ورافق متوسليان وموسوي، عندما أوقف حاجز للكتائب سيارتهم المرسيدس، كاظم أخوان، مصور وكالة إيرنا الإيرانية، وتقي رستجار، سائق السفارة. وأسرت القوات الأربعة، وبعد أسبوع تم قتلهم وإخفاء جثثهم.

وحسب برغمان، فإنه أجرى مقابلة، قبل عدة سنوات، مع روبير حاتم، حارس حبيقة، و"الجلاد الرئيسي للكتائب". وقال حاتم إن الدبلوماسيين الاربعة تعرضوا قبل قتلهم لتعذيب "جهنمي"، وأنه "استخدمت أساليب تعذيب عديدة". وأضاف أنه بعد قتلهم تم إلقاء جثثهم في آبار شيد، وأن "الشيد في الآبار يأكل اللحم والعظام أيضا. وبعد 10 – 15 يوما لا يبقى شيئا من الجثة سوى العظام الكبيرة ، وأحيانا أجزاء من الجمجمة".   

"إسرائيل أخطأت"

الرواية الإسرائيلية الرسمية حتى اليوم، تصف أراد بأنه "مفقود"، لكن تقارير داخلية في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ("أمان") وشهادات متراكمة تشير إلى أنه توفي بعد عشر سنوات من أسره، وبسبب مرض على ما يبدو. وحسب هذه الرواية، فإن أراد سقط أسيرا بأيدي حركة أمل، وبمسؤولية مصطفى الديراني، الذي احتجزه في بيت في قرية النبي شيت اللبنانية. وفي مرحلة معينة، أخذ حرس الثورة الإيراني أراد وتم نقله إلى إيران، حيث احتجز لعدة سنوات، ثم أعيد إلى لبنان.

لكن ضابط المخابرات الإسرائيلي "روبين" قال لبرغمان إن "إسرائيل أخطأت، وأراد لم يغادر لبنان أبدا". ويصف برغمان "روبين" بأنه ضابط مخابرات كبير، وأنه مطلع على تفاصيل ملف "حرارة الجسد"، وهو التسمية التي أطلقتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية على قضية أراد. واعتبر "روبين" أنه "لا يمكن فهم ما حدث لرون أراد من دون فهم العلاقة بين اختفائه وبين مقتل الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة. واستنتاجي هو أن أراد مات، في خريف العام 1989، على ما يبدو انتقاما لقتل الإيرانيين"، بينما تقديرات "أمان" تشير إلى أنه مات في العام 1995 أو 1996.

وتبين أن أول من طرح هذه النظرية هو رئيس الشاباك الأسبق، يوفال شطاينيتس، خلال مداولات في "لجنة رؤساء أجهزة الاستخبارات" وحضر "روبين" الكثير من مداولاتها. وفي منتصف العام 2006، طرح رئيس الموساد حينها، مئير داغان، موضوع "حرارة الجسد" واقترح أفكارا بهدف معرفة ماذا حدث لأراد، وبينها عملية للموساد. وكان داغان يعتقد أن أراد احتجز لفترة في إيران، وفقا لرواية "أمان"، بينما شدد ديسكين على أن قصة احتجازه في إيران هي "جعجعة استخبارية" وأن أراد لم يغادر لبنان أبدا. ورغم هذا الخلاف، إلا أن ديسكين وافق على أن يساهم الشاباك في عملية الموساد، بناء على طلب داغان.   

رواية مصطفى الديراني

قال حاتم إنه بعد شهر من قتل الكتائب للإيرانيين الأربعة، بدأ يصل إلى لبنان محققين إيرانيين وكذلك أفراد من عائلة موسوي، وإثر ذلك أصدر حبيقة أمرا بتنظيف آبار الشيد مع الجثث التي بداخلها، ونقلها إلى وادي، أصبح يعرف لاحقا باسم "وادي الجماجم". ولم يتمكن الإيرانيون من معرفة مصير الدبلوماسيين الأربعة.

في أعقاب ذلك، حسب برغمان، بدأ الإيرانيون يشكون بأن الإجابة على هذا اللغز ليس في لبنان وإنما في إسرائيل، وذلك في أعقاب تقارير نُشرت حينذاك، وتحدثت عن اختطاف الكتائب للبنانيين وفلسطينيين ونقلهم إلى منشآت تحقيق تحت الأرض في إسرائيل. وقد نفت إسرائيل في حينه أن الإيرانيين الأربعة موجودون لديها. ولم يصدق الإيرانيون النفي الإسرائيلي، بينما أصر الإيرانيون أن الأربعة يتواجدون في السجون الإسرائيلية.

ويذكر أنه في تلك الفترة اختطفت إسرائيل الديراني، وكذلك الشيخ عبد الكريم عبيد، من لبنان إلى إسرائيل، وتعرض الديراني إلى تعذيب شديد في محاولة إسرائيلية لمعرفة مكان أو مصير أراد. وقال الديراني أثناء التحقيق معه في إسرائيل، إنه في 4 أيار/مايو العام 1988، كان أراد محتجزا في بيت عائلة شُكُر في النبي شيت، ولم يكن الديراني في المنزل. وفي اليوم نفسه نفذ الجيش الإسرائيلية عملية في قرية ميدون المجاورة. وإثر ذلك اعتقد حراس أراد أن العملية الإسرائيلية هي غزوة ينفذها الكوماندوز الإسرائيلي ضدهم، وهربوا من البيت وابقوا أراد وحيدا. وعندما عادوا كان أراد قد اختفى. وبعد ذلك، حسب برغمان، أدلى الديراني بإفادات أخرى تبين أنها غير صحيحة.  

بعد ذلك تبلورت فرضية لدى الاستخبارات الإسرائيلية، مفادها أن الديراني أودع أراد بأيدي جهات إيرانية في لبنان، أو أنه استسلم لهذه الجهات وسلمهم أراد مقابل المال.

واعتبر "روبين" أن هدف الإيرانيين كان بدء مفاوضات مع إسرائيل من أجل استعادة الدبلوماسيين الأربعة. وكتب برغمان أنه ليس واضحا حتى اليوم ما إذا كان الإيرانيين قد أخذوا أراد في ذلك اليوم الذي جرت فيه العملية العسكرية في ميدون، أم أنهم كانوا يراقبون البيت وشاهدوا فرار الحراس واختطفوا أراد. وحسب "روبين"، فإنه توجد أدلة على أن الجهات الإيرانية التي أخذت أراد مرتبطة بعائلة الدبلوماسي موسوي.

تلميحات إيرانية لتبادل أسرى

خلال سنة، بين أيار/مايو 1988 وأيار/مايو 1989، ألمح الإيرانيون خلال محادثات مع وسطاء دوليين، أنهم على استعداد لفحص صفقات تبادر أسرى تشمل أراد. وأهم هذه الاتصالات أجراها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، جاندومنيكو بيكو، الذي سعى إلى إبرام صفقة تشمل تحرير مئات من نشطاء حزب الله وأمل من السجون الإسرائيلية مقابل تحرير رهائن وأسرى إسرائيليين، أو الحصول على معلومات حول مصيرهم.

وأشار برغمان إلى أنه في موازاة ذلك، بدأت الاستخبارات الإيرانية تحقيقا شاملا حول مصير دبلوماسييها الأربعة، المفقودين حتى ذلك الوقت. وقال "روبين" إن مبعوثين إيرانيين بدأو يستجوبون أشخاصا في لبنان. ونقل برغمان عن مصدر استخباراتي، قوله الأسبوع الماضي، إنه بموجب تقارير، فإنه خلال النصف الثاني من العام 1989 حصل الإيرانيون على معلومات صلبة، تبين منها بشكل قاطع أنهم أخطأوا، وأن إسرائيل لا تحتجز الدبلوماسيين الأربعة وأنهم قُتلوا في لبنان.    

ووفقا لبرغمان، فإنه بشكل مفاجئ، تغيرت السياسة الإيرانية بخصوص أراد بالكامل. وبذلت طهران كل ما بوسعها من أجل قطع أي اتصال بشأن أراد. والوسيط بيكو تلقى رسالة من الرئيس الإيراني تقول إن إيران لا يمكنها المساعدة في الموضوع بعد الآن.

من جهة ثانية، وبحسب الضباط الذين حققوا مع الديراني، فإنهم لاحظوا أن الأخير، عندما كان يخرج إلى ساحة السجن، كان يزج بأوراق بين حجارة الحائط، مرسلة إلى الشيخ عبيد، وتطرق في إحداها إلى أراد. وكتب فيها أنه "نقلت الموضوع والصورة إلى مكتب السفير الإيراني في دمشق، لكنه تهرب هذه المرة"، ما يعني أن الإيرانيين، الذين أخذوا أراد من الديراني، لم يرغبوا، أو ربما لم يتمكنوا، من إعادتهن حسب تفسير برغمان.

واعتبر "روبين" أنه يوجد تفسير واحد لما حدث. "في البداية، كان الإيرانيون متحمسون للغاية لنقل رون أراد إليهم، من أجل استخدامه ورقة مساومة لاستعادة الدبلوماسيين المفقودين الأربعة، وكانوا يعتقدون بجدية أنهم يتواجدون في إسرائيل. وفجأة، لا يريد التحدث في الموضوع. وكل هذا يحدث في موازاة انتهاء التحقيق الإيراني، الذي توصلوا فيه إلى الاستنتاج أن مفقوديهم أموات على ما يبدو".

وأضاف "روبين" أن "استنتاجي من كل ذلك، هو أن أراد مات، على ما يبدو كانتقام على مقتل الإيرانيين الأربعة. وعلى ما يبدو أن هذا حدث في خريف العام 1989، وبأمر وتأثير من عائلة موسوي. والحقيقة هي أننا نعرف من احتجز رون أراد حتى أيار/مايو العام 1988، لكن حتى اليوم لم ننجح في استيضاح من هم الإيرانيون – ما اسمهم ووظيفتهم – الذين أخذوه من أيدي عائلة شكر في ذلك اليوم".

من جانبه، وخلافا لرأي "روبين"، لا يربط ديسكين، حسب برغمان، بين لغز رون أراد واختطاف الدبلوماسيين الإيرانيين الاربعة. ويعتبر ديسكين أن أراد لم يصل إلى أيدي حرس الثورة الإيراني، وانه يجب البحث عن الحل في المنطقة اللبنانية التي شوهد فيها في المرة الأخيرة. ويرجح ديسكين أن "اللبنانيين الذين استهدفوا في غزوة الكوماندوز في ميدون هم الذين أخفوا أراد من القرية".

التعليقات